[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
" .. إن المبادئ التي حملتها ثورة يوليو٬ انعكست في توزيع الأراضي الزراعية على الفقراء، الذين كانوا أشبه بالعبيد لصالح الأغنياء٬ وفي مجانية التعليم في مختلف مراحله٬ وفي الخدمات الصحية والحياتية الأخرى للمصريين٬ وفي التصنيع وفي تأميم قناة السويس٬ والثورة الزراعية٬ وفي كهربة مصر، وبناء السد العالي،"
ـــــــــــــــــــــــــ

ثلاثة وستون عاما مضت على ثورة 23 يوليو 1952 المصرية. لم يتعرض حدث تاريخي عربي لمحاولات التشويش والتهميش والهجمات المتوالية.. مثلما تعرضت له هذه الثورة وملهمها جمال عبدالناصر!. هو ورفاقه وضعوا ليس مصر وحدها٬ وإنما الامة العربية من محيطها إلى خليجها في حقبة جديدة من التاريخ٬ كانت عناوينها الابرز: الكرامة الوطنية٬ التحرر٬ النضال ضد الاستعمار (من أجل ان يحمل عصاه على كاهله ويرحل) ٬ الوحدة العربية التفاعل مع المحيط إن في آسيا وافريقيا و مع الاقطار البعيدة في اميركا اللاتينية او التأثير في الحدث الدولي من خلال ما مثلته الناصرية من معان وطنية كبيرة٬ وتداعياتها على الجماهير في مختلف الاقطار العربية٬ التي التفت خلف الاهداف التي طرحها عبدالناصر .. وبالتالي أصبح الرأي العام العربي عاملا مؤثرا في احداث المنطقة٬ بحيث أخذ يُحسب له الحساب في المعادلات السياسية في دوائر صنع القرار في العاصمة العواصم الغربية.
كما أصبحت القاهرة آنذاك٬ التي لا يمكن تجاوزها٬ حتى في حالة الاختلاف السياسي معها٬ وباتت محجا لكل حركات التحرر الوطني في القارات الثلاث٬ وأصبح عبدالناصر رمزا من رموز رؤساء الدول النامية, التي تبلورت سياسيا في حركة عدم الانحياز٬ وقطبا (من خلال شخصيته الكاريزمية) من رؤساء قلائل عالميين تزعموا هذه الحركة ولسنوات طويلة، لقد حمل عبدالناصر لواء المشروع القومي العربي النهضوي الحديث٬ الذي لامس احلام وطموحات الجماهير العربية بالنسبة لمستقبلها٬ وفي صراعاتها مع الاعداء المتربصين بالمنطقة العربية وشعوبها, وعوامل وحدتها وتلاحم جغرافيتها٬ وبخاصة مع رأس الجسر الممثل لهذا التحالف المعادي: اسرائيل, التي حاولت من خلال التواؤم والانخراط في جوهر المخططات التآمرية ومن خلال التنسيق مع بقايا الاستعمار القديم البريطاني والفرنسي٬ اجهاض التجربة الناصرية في سنوات مبكرة من عمرها٬ بالهجوم على مصر في العدوان الثلاثي في عام 1956 وقد ارتد خائبا ومهزوما٬ مما حمل المزيد من الألق للناصرية ولعبدالناصر على المستوى العالمي.
على صعيد مصر .. فان المبادئ التي حملتها ثورة يوليو٬ انعكست في توزيع الاراضي الزراعية على الفقراء ٬ الذين كانوا اشبه بالعبيد لصالح الاغنياء ٬ وفي مجانية التعليم في مختلف مراحله٬ وفي الخدمات الصحية والحياتية الاخرى للمصريين٬ وفي التصنيع وفي تأميم قناة السويس٬ والثورة الزراعية٬ وفي كهربة مصر٬ وبناء السد العالي٬ الذي وبالإضافة إلى دوره في ري ملايين الهكتارات من الاراضي الزراعية٬ واستصلاح أراض صحراوية جديدة٬ فإنه جنّب مصر من كوارث فيضان النيل.
السد العالي أحد أهم إنجازات عبدالناصر٬ تحول أيضا الى مجال للهجوم الشديد عليه ٬ بالرغم من أن رأي الخبراء المصريين والعالميين يؤكد على عظمة هذا الإنجاز وحيويته بالنسبة لمصر. كثيرة هي الايجابيات التي أسستها الناصرية وعبدالناصر٬ والتي تستحق ان تحتذى من دول كثيرة٬ ان في تصفية الاستعمار والوقوف في وجهه٬ وعدم الرضوخ لضغوطاته٬ او في التأسيس لقضايا شعبها الحياتية أو المتعلقة في السياسات الخارجية.
مهاجمة ثورة يوليو وعبدالناصر.. ثأرية, كاذبة, بعيدة عن الواقعية, اتهامية, تحريضية سوداء... مما يوحي بالخلفية السوداء لكل أصحابها ومخططيها, الذين هاجموا منجزات عبدالناصر ولاقامته علاقات قوية مع كافة الدول التي وقفت مع الحقوق الوطنية العربية وساندتها٬ ومن بينها الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية (آنذاك) في مرحلة الحرب الباردة٬ وكسر احتكار استيراد السلاح٬ وتطبيق الوحدة العربية مع سوريا في عام 1958, والوقوف مع الثورة الجزائرية, واسقاط حلف بغداد, ومساندة الحقوق الفلسطينية والثورة في مرحلة لاحقة .. وغيرها من السياسات والخطوات التي تركت بصماتها على احداث المنطقة.
لكل ذلك .. كانت مصر وعبدالناصر والناصرية هدفا للتآمر الامبريالي بكل صيغه الجديدة ٬ والتي ابتدأ التخطيط الفعلي لها من اجل كسر شوكة مصر وهزيمة الناصرية بكل ما تمثله من ايجابيات ٬ منذ سنوات طويلة.
سياسيون كثيرون : إسرائيليون وأميركيون كتبوا في مذكراتهم ومؤلفاتهم عن خطة الهجوم العسكري على مصر .. فقد كانت معدة وقيد التنفيذ منذ اعوام قبل حصولها في عام 1967 .. ذلك لا يعني بالمطلق إغفال خطأ عبدالناصر وقيادته في عدم الإعداد جيدا لتلك الحرب! وبخاصة بعد ان نفذتها اسرائيل بالتحالف مع الولايات المتحدة٬ وقبيلها تم استدراج مصر وعبدالناصر إلى فخ سياسي مرسوم وجرى إعداده بدقة متناهية. كما اننا لا نغفل الخطأ الجذري لعبدالناصر ٬ والذي جعل كل الخطوات والاصلاحات التي نفذها مرهونة بشخصه٬ وليس بالمؤسسات التي كان من الواجب ان يتم بناؤها, لتشكيل حصانة مستقبلية في الحفاظ على السياسات في المجالات المختلفة٬ والتي تم انتهاجها.
لقد تم التنكر للناصرية ولما مثلته بعد فترة وجيزة من وفاة عبدالناصر في 27 سبتمبر ٬ 1970 ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن ٬ مازالت ثورة يوليو تتعرض لهجمات قاسية ٬ حادة ٬ بعيدة عن العلمية والموضوعية ٬ رغم ذلك ستظل الناصرية وثورة يوليو شعلة مضيئة في التاريخ العربي.