عبدالله القنوبي:
ينبغي ذكر الله في هذا اليوم العظيم وما أنعم الله به على الصائمين والقائمين من الثواب الجزيل

ـ أحرزنا خصالاً عظيمة في شهر رمضان وعلينا استدامة هذا الخير بعد رمضان

ـ إذا كنا نريد رحمة الله فلنرجع إلى الله مع الاستغفار يكون الخير والبركة في الأنفس والأموال والأولاد

اعداد ـ علي بن صالح السليمي:
عزيزي القارئ: من مجموعة خطب قيمة متنوعة للشيخ عبدالله بن سعيد القنوبي المشرف العام لموقع (القبس) .. أُلقيت في مناسبات متعددة، وتنشر هنا للفائدة بعد تهذيبها وتعديلها من قبل.. وفي هذا العدد خطبة حول عيد الفطر المبارك، حيث ان العيد مائدة ضيافة الله .. وينبغي الشكر للخالق عز وجل من أولئك الصائمين بعد انقضاء شهر رمضان المبارك بأيامه ولياليه الجميلة العطرة بنفحاتها وروحانياتها العظيمة..
استهل الشيخ في بداية خطبته بعد التكبير قائلا: الحمد لله الذي أنعم على الصائمين والقائمين بالرحمة والرضوان، سبحانه يُسبح له بالغدو والآصال، من تفضل بنعمائه في السر والإعلان، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأنعم وأعطى، ونشهد أن سيدنا وقدوتنا محمداً عبدالله ورسوله خير الصائمين والقائمين، القانت الأواب، صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين لا ينقطعان، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وحزبه إلى يوم الدين أما بعد: فيا عباد الله: اذكروا في هذا اليوم العظيم ما أنعم الله به على الصائمين والقائمين من الثواب الجزيل والأجر الكريم، فطوبى لمن صام وقام إيماناً واحتساباً، قد هذَّب الصوم أخلاقه ونقى سريرته وطهر قلبه وصفى عقله، إن الصيام مدرسة عظيمة ـ يا عباد الله ـ فيها إحكام الأمور وصلاح السلوك وطهارة الظاهر والباطن، فكم من إنسان منحرف استقام في رمضان، وكم من إنسان قليل الذكر والعبادة أكثر من الطاعة في رمضان، وكم من نفوس متقاطعة تواصلت وتقاربت في شهر رمضان، إنها نعمة عظيمة جعلها الله من وراء تشريع هذا الصيام، صوناً للإنسان وزكاة وطهارة، يقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) فبداية الصوم التقوى وتهذيب الأخلاق، وختامه تكبير وتحميد وتهليل شكراً لله على تمام نعمة الصيام (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وفيما بينهما دعاء الله وتضرع إليه ورجاء المغفرة وأن يتقبل من الصائمين صيامهم، ومن القائمين قيامهم،(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وأما الفضل العظيم فيقول فيه النبي (صلى الله عليه وسلم) :(وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِه)، ففي دنياه مغفرة ذنوبه وتكفير سيئاته وصلاح أموره، وبركة في عمره وولده ورزقه، وفي الآخرة يدخلون من باب الريان في جنة رضوان، تدخل عليهم ملائكة الله الكرام مُسلِّمين: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، ويقال لهم): كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ).
وقال: شهر رمضان شهر مائدة رحمات الله، كما أن العيد هو مائدة ضيافة الله، يباهي الله بالصائمين والقائمين ملائكته فيقول: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه،ِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) فأي فضل بعد هذا الفضل، وأي منزلة بعد هذه المنزلة، فاستديموا هذا الخير العظيم بعد رمضان، فإنكم أحرزتم خصالاً عظيمة في رمضان، منها المواظبة على صلاة الجماعة وقراءة القرآن، ومنها صلة الرحم وإعانة الضعيف وإغاثة الملهوف، ومنها الصدقة بمختلف أنواعها، فداوموا على هذا الخير فيما بقي من أعماركم، وحافظوا عليه حتى تستديموا نعمة ربكم.
موضحاً للحضور بقوله: إذا كان الإنسان يُبتلى في حياته فإن البلاء له ضروب متعددة، ذلك ليعلم أن الله الذي أعطاه قادر على أن يحرمه، وأن الذي قوَّاه وشد عضده قادر على أن يسلبه قوته، وأن الذي أغناه وبسط له من رزقه قادر على أن يقبض عنه نعمه ويفقره، يقول جل ذكره: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)، متى يجأر الإنسان؟ متى يستغيث بالله؟ عندما تذهب عنه النعمة، عندما يحس بالضائقة والشدة، وهكذا حال الإنسان ينسى نعم الله في الرخاء ويذكره ربه في البلاء.
وقال: إن هذه الأمة لتُبتلى في كثير من أمورها: في دينها-والعياذ بالله-وفي مقدساتها، في دمائها وأعراضها، وفي هذا العام تُبتلى بهذه الأمراض والأوبئة التي هي آية من آيات الله لتتجلى قدرة الله تعالى في كل شيء، وإن خلقه لن يعجزوه في أرض ولا في سماء، فكم من إنسان تكبر وتجبر، فأراه الله ضعفه، وكم من إنسان تعالى في الأرض وأشر وبطر فأركسه الله، وناهيكم بالقرآن يحدثنا عما حل بالأمم السابقة، كيف أنها لما استقامت على طاعة الله مكن الله لها في أرضه وبسط لها نعمه، وكيف أنها لما بغت وطغت وحادت عن منهج الله ورسله جعلها الله عبرة، وأهلكها بالنعم التي افتخرت بها.
وقد ضرب امثلة منها: ان هذا فرعون الطاغية الذي زعم أنه إله من دون الله (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) تفاخر على الناس بقوله (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) افتخر بالماء فكانت عقوبته أن أغرقه الله بالماء الذي افتخر به، يقول جل جلاله:(حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ*آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ*فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) ،وقارون الذي اغتر بأمواله وكنوزه العظيمة، (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)، جمع وكنز وثمَّر وأنكر حق الله ، ونُصِح فلم ينتصح، ووُعِظ فلم يتعظ، وخُوِّف بالله فلم يخف، وتفاخر وتكبر وبطر على الناس، فكانت عقوبته من جنس ما تفاخر به (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) ، وأين أنتم من مملكة سبأ العظيمة في اليمن؛ التي كانت تطاول السحاب بقصورها، وتبهج الأنظار والنفوس بثمارها وبساتينها ورياضها (جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) كثَّر الله ثمارها وخيرها وبارك في أرضها ومائها وهوائها، ولكن جحدوا نعم الله ومنعوا حق الله، ولم يشكروا فأهلكهم الله بحرمانهم ذلك الخير العظيم، وبدلهم الله بعد النعمة بالنقمة، وبعد العزة بالذلة ، أرسل الله عليهم سيلاً جارفاً بعد أن انهار سد مأرب العظيم فذهب بنعمهم وبساتينهم (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ*ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).
وكذلك عاد قوم هود عليه السلام، فإنهم استطاروا بالبنيان (وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ)، كانوا يبنون القصور في قمم الجبال ، وتفاخروا وكذبوا رسل ربهم، فأهلكهم الله وجعل ديارهم خاوية (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ).
وقال: عباد الله إن الله تعالى يرسل من العقوبات والقوارع والنذر على اختلاف الزمان والمكان، هذا العصر تطور فيه العلم، وتقدم فيه الطب، وإذا به جل وعلا يرسل جرثومة أو فيروساً لا يُرى إلا مكبراً بالمجهر عشرات المرات، يعمل في البشرية عمله، يقض مضجع الآمنين، يأكل اقتصادهم ويرعب الدول، يأتي على الأخضر واليابس، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، فإذا بالناس في خوف ووجل، ذلك ليعلموا أن الله يمهل ولا يهمل (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، فأين المعتبر يا عباد الله!.
وقال: كانت بالأمس حياتنا تفيض بالنعم، من ثمار وبركات في كل شيء، في زروعنا وثرواتنا السمكية، في برنا وبحرنا في صحة أجسادنا، بل حتى في تقارب النفوس ومحبة القلوب، أين ذهب كل ذلك؟ نِعمٌ رُفِعت، وبلاء نزل، وخيراتٌ سُلِبت، وصحة ذهبت، وقلوب تفرَّقت،، بل نفوس تقاطعت وتحاسدت وتقاتلت، انكبت على الدنيا شحاً وطمعا، قضماً وهضماً لحقوق الضعفة والمساكين والأرامل والأيتام، إذا كانت الدنيا شريكاً بين أخوين تقاتلا، وإذا كانت بين جارين تقاطعا، حتى بين الآباء والأبناء، وكذلك بين الأصحاب والخلان، فأي مصيبة بعد هذه المصيبة، (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، فأين المعتبر والمدَّكِر! ، أما الكفار فإن الله يبتليهم بالأعاصير والزلازل والبراكين والأمراض الفتاكة، من الجمرة الخبيثة وانفلونزا الطيور إلى انفلونزا الخنازير الآن، وعِبرُ الله فيهم ولكن لا يعتبرون (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)، ولا يمر عام إلا فيه البلاء العظيم يعم البشرية بسبب ماذا؟ بسبب بعد الناس عن الله، فالكفار يكفيهم كفرهم بالله وكفى بالكفر جريمة،)ِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، ونظامهم الاقتصادي قد انهار بسبب أكلهم الربا وأكل أموال الضعفة، والظلم الاجتماعي والطبقية المقيتة التي يعيش فيها البشر كالحيوانات المفترسة يقضي الغني على الفقير والقوي على الضعيف، أما الانحدار الأخلاقي فحدث بما شئت من تفسخ وعري.
مشيرا الى ان كل هذه الأمراض صدروها إلينا، صدروا إلينا أمراضهم وانحرافم ونكباتهم وانتكاساتهم، فصار بعضنا يتابعهم شبراً شبراً وخطوة خطوة، أليس من أبناء المسلمين الآن من ألحد وكفر بالله، ومن شبابنا من يستهزئ بدين الله، من أين تأتينا الرحمة والربا غشي الناسَ ودخل في صغير حياتنا وكبيرِها، من أين تأتينا رحمة الله وقلوب بعضنا متقاطعة، على الدنيا يتقاتلون ويتنافسون، والحسد أكل قلوب بعضنا البعض، حتى يُدبَّر الأخ لأخيه المكائد، والجار لجاره والصاحب لصاحبه ليمكر به ويقضي عليه، فمن أين تأتينا رحمة الله! وإذا كنا نستهتر بالقيم والأخلاق، ومن شباب المسلمين فتياناً وفتيات من ينبذ القيم والأخلاق وينحرف عن الفضيلة، فمن أين تأتينا رحمة الله! أليس هذا المرض الذي يخيفنا آيةً من الله وسوطَ عقوبةٍ للتذكير، فمن يعود ويعتبر ويرجع إلى الله! (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى)، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)، ثم ماذا؟ يقول الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ*وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)، فأي عقوبة بعد هذه العقوبة! وأي بلاء بعد هذا البلاء! وأي تذكرة وعظة بعد هذه العظات! ألا هل من عودة، ألا هل من رجعة؟ ألا هل من محاسبة! فلنتعاون ولنتناصح فإن النجاة ما تناصحنا، وإن البلاء ما تخاذلنا، بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) أما ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو سبب هلاك الأمم السابقة، وهو سبب بلاء هذه الأمة (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، قالت السيدة زينب ـ رضي الله عنها: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ( أي (الزنا.)
وقال: إذن علينا بالعودة إذا كنا نريد رحمة الله، فلنرجع إلى الله (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً)، مع الاستغفار يكون الخير والبركة في الأنفس والأموال والأولاد، ومع عدم الاستغفار والتوبة لن يكون إلا المحق والمقت والعقوبة والنقص في كل شيء، والله يقبل التائبين المستغفرين (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)، (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون (، وكذلك الصدقة فأكثروا من الصدقات فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:(الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء(، ومن أصيب بهذا المرض فليتصدق سراً وعلانية، فالصدقة من أسباب الشفاء، يقول (عليه الصلاة والسلام):(داووا مرضاكم بالصدقة) فالصدقة سبب للشفاء والعافية، وسبب لرفع مقت الله وغضبه، كذلك الدعاء، توجهوا إلى الله بالدعاء، فالأمة مهما توجهت إلى الله خائفة وجلة رحمها الله، ومهما استغنت عن الله أوكلها الله إلى نفسها وخذلها، فاللهم سلِّم سلِّم، اللهم عافنا في الأولى والآخرة، اللهم عافنا من هذا البلاء، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير.
وفي الختام قال: أيها الإخوة الأكارم اعلموا بأن الله خلق الدنيا مزرعة للآخرة، فمن عمرها بالخير وجده في الدار الآخرة، ومن ترك العمل هنا ضاع في آخرته (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، واعلموا أن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، كما جاء في الحديث الشريف: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)، فطوبى لعبد أحب لقاء الله فاستعد لذلك بالعمل الصالح (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)، فماذا قدَّمنا ليوم أوبتنا لربنا؟ نرى هذه الأمراض الفتاكة، ونرى الحوادث التي تطحن الشباب طحنا، كيف نغتر أم كيف نلهو ونعبث والموت لنا بالمرصاد، فالنُّقلة قريبة، لا يدري أحدنا أيصبح أو يمسي؟ هل يبيت في فراشه فيصبح أو لا ترجع روحه، أفلا نعتبر بآبائنا الذين ماتوا، وإخواننا الأحباء الذين فارقونا، كم حملنا من جنازات! ووضعنا أصحابها في اللحود ومراتع الدود، ولكن ما زال كثير منا لاهٍ عابث، فالعبرةَ العبرةَ والعظةَ العظةَ والاستعدادَ للقاء الله بطاعته والعمل الصالح ، فاللهم إنا نسألك خير الدنيا والآخرة، ونسألك العمل الصالح، والفوز بالجنة والنجاة من النار.

(المصدر: موقع (القبس) الالكتروني)