علي بن سالم الرواحي

ثمود قوم سكنوا في الحجر شمال غرب الحجاز أو ما يعرف الآن بمدائن صالح في محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة وبالسعودية, عاشوا بعد عاد وقبل سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ قوم عبدوا الأصنام وضلوا عن سواء السبيل وأضلوا غيرهم كانوا ينحتون بيوتهم في الجبال وكانوا موسع أرزاقهم منعم أجسادهم, فأرسل الله إليهم نبيه صالحا ـ عليه السلام ـ فدعاهم إلى نبذ عبادة الأصنام وإلى عبادة الله الواحد الأحد, فأبوا فعاقبهم الله بعد أن عقروا الناقة وهي معجزة سيدنا صالح ـ عليه السلام ـ وأنجى الله المؤمنين القليلين, والآن نستعرض المقاطع القرآنية التي ذكرت قصة صالح ـ عليه السلام:

1-(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)(الأعراف).
سبق الذكر في قصة هود عليه السلام من أن محور سورة الأعراف هو إقرار وتحقيق عقيدة التوحيد وذلك من بذاية وجود الإنسان في الدنيا وحتى نها يته فيها بدءا من آدم عليه الصلاة والسلام وانتهاءً بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وما صاحبها من أمم والممتدة إلى يوم القيامة, نلاحظ أن المقطع القرآني طويلا وذلك مناسب لطول سورة الأعراف التي تعتبر من سبع السور الطوال وهي أول سورة تقص لنا عن صالح وقومه والعلاقة بين هذه القصة وبين المحور علاقة متينة لأن صالح كما غيره من الأنبياء دعا قومه إلى نبذ عبادة الأصنام والتسليم للواحد الديان سبحانه وتعالى, وهذه هي عقيدة التوحيد لكن هنا تتبين في الواقع التطبيقي ولنتساءل هل استجاب قوم صالح له, الحقيقة لم يستجيبوا له, فأخرج الله لهم ناقة من صخرة صمة مصمتة كمعجزة للدلالة على صدق نبوة صالح لعلهم يلتفتون إلى عظمتها وقصورهم عنها, كذلك لم يؤمنوا فأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله وحذرهم عن مساسهم لها بسوء وإلا يقع العذاب عليهم, ثم ذكرهم بنعم الله عليهم ترغيبا لهم بعد أن رهّبهم, ويحكي لنا هذا المقطع حوار الكفار المتكبرين من قوم صالح مع المؤمنين المستضعفين حول رسالة صالح فآمن المستضعفون وكفر المتكبرون وهكذا العادة تحدث مع الأنبياء, ولم يقف الكافرون عند هذا الحد بل عقروا الناقة فوقع عليهم العذاب فأخذتهم رجفة حيث ارتجفت الأرض و تزلزلت بقوة كبيرة جدا فتساقطوا جثثا هامدة لا حراك لها, فعذر صالح نفسَه منهم بأنه أبلغهم رسالة الله أليهم وتفانى وأخلص في نصحهم لكنهم لا يريدون الناصح.

2-(إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)(هود)
إثبات حقائق الألوهية والاستقامة على أمر الله هو محور سورة هود, ففي الآيات بيان أن صالحا أخا ثمود في النسب الغريب عنهم في الدين والعبادة وهذا هو حق الألوهية, وفيه إن صالح من خيار قومه لمكارم أخلاقه لأنهم كان مرجوا وحسن الظن عندهم لكن لما أمرهم بعبادة الله وهو لا يوافق أهواءهم العقيمة رفعوا رجاءهم فيه , وتمسكوا بعقيدة أبائهم, وكان صالح لطيفا جدا في حواره مع قومه, وتحدثنا الآيات عن مدة العذاب وهو ثلاثة أيام وانهم عُذِّبوا بالصيحة و فيها ذكر نجاة المؤمنين وكل ذلك من حقائق الألوهية وهي المجازاة من جنس العمل (جزاء وفاقا), والصيحة هي الصوت القوي جدا التي تزلزل فقد أتت من السماء وهي التي سببت الرجفة الأرضية, كما إن ثبات سيدنا صالح على الدعوة وثبات من آمن معهم على دينهم يدل على قوة إيمانهم بالله ويقينهم بالله تعالى وبوعده ووعيده وكل ذلك ماتٌّ بصلته إلى محور السورة.