[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
يرتبط مقياس الجودة المعتمد لتقييم السياسة الخارجية العامة لأي بلد من البلدان، بمقدار التصاقها، بل التزامها الواضح بمبادئ الحوار والابتعاد عن لغة التشنج والمهاترات، تلك اللغة التي لا يمكن إن تؤدي إلا إلى استباحة السلام، واستكثار الحقوق على الآخرين، والتعصب الذي يستمد حضوره من وحدانية الفهم وإملاء الشروط والميل إلى الانغلاق.
إن السياسات التي تندرج ضمن هذه التوجهات تقع حتمًا تحت طائلة التضليل والقصور على أمل انتظار الآخرين أن يستجيبوا لها والانصهار بها والتماهي معها بذريعة أن هذا هو ما تمليه الندية في العلاقات بين الدول، ولا بديل عنه مع أن الواقع زاخر بالاحتمالات الأخرى المضادة التي يمكن أن تؤهل أية أزمة للتفكيك وبالتالي الإطفاء.
والحال أن ما يحسب للسياسة العمانية الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي، أنها سياسة (متمردة) بجدارة على تلك النزعات المنمطة التي أشرنا إليها، وهي تمتلك رصيدًا ثمينًا من إمكانيات أخلاقية تستمد حضورها من منطلقات فرص حلول تلبي حاجات الدول مع هامش واضح من الاستعداد الناجز في الإصغاء للآخرين.
إن ما يحسب للسياسة العمانية إنها تترفع عن التلاعب بحقوق الآخرين، ولهذا تجدها على بينة وحرص من متطلبات الشراكة واحترام الشفافية، الأمر الذي يجعلها تضع الأمور على الطاولة ولا شيء تحتها.
قد يقول أحد إن هذه السياسة متأتية من ظروف الوضع الإقليمي السائد، وما تمتلك السلطنة من أذرع علاقات مع أغلب الدول، وإزاء ذلك تجدها تراهن على هذا النوع من التعامل السياسي.
إن في ذلك اختزال لحقيقة الدور الإيجابي التاريخي لهذه السياسة يضاف إلى هذا أنها تقيم حيثياتها على رصيد من الفهم المتجدد بهذا الدور العماني تأسيسا
على الأبعاد الآتية:
البعد الأول: يتعلق بإحكام الجغرافيا، إذ لا يستطيع بلد في العالم أن يغير (جيرانه)، أي يستبدلهم بدول أخر، وهكذا فعندما يكون عامل الجغرافيا هو الذي يحكم في تحديد معالم العلاقة بين الدول، عندها لا يكون أمامك إلا الأخذ به من زاوية أن هذا الوجود الجغرافي القائم يحتم عليك الانصياع إلى حقوق الجار بمستوى حقوقك أيضًا، وعندما تمس حقوق الآخرين فليس هناك من قاطع يمنع احتمال أن تمس حقوقك، وهي معادلة على درجة من الحساسية لا ينجح في اعتمادها إلا من امتلك القدرة على القراءة الراجحة والمعرفة التي يضع أصحابها أولوية لاعتبارات التفاهم.
البعد الثاني: إن هذا العالم بقدر ما عانى من خصومات وحروب ونكسات وتقاطعات لم يجد أية فرصة له في استخدام القوة إلا لإملاء شروطه دائمًا، وهناك الكثير من الأدلة على ما نقول إذا أخذنا فقط بهامش التشخيص الذي يرى أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك قوة ضاربة في العالم، ومع ذلك لم تستطع أن تبسط سيطرتها طول الوقت على من تريد أن تبسط سيطرتها عليهم.
وفي إطار نفس الموضوع أن الولايات المتحدة الأميركية بجبروتها العسكري والاقتصادي واحتكارها التقني الممتد في أغلب قارات العالم تحولت من دولة صانعة للحدث إلى دولة تسعى للدخول على الحدث والتأثير به، ويمكن قياس ذلك من إعادة العلاقة مع كوبا بعد قطيعة سياسية واقتصادية دامت نصف قرن، وكذلك في ما بذلته من أجل الاتفاق مع طهران على طاولة البرنامج النووي الإيراني، والأسبق منه تحركها الجديد في العلاقة مع الصين وكيف أنها اعترفت بحقوق دولية صينية كانت إلى حد قريب تستكثرها على بكين.
البعد الثالث: إن السلطنة تجد في مفاهيم التعاون والتعاضد لمواجهة المشكلات الإقليمية والدولية وسيلة لا بد منها، وهي تقيم هذا المنهج على أساس المقاصد النبيلة للأمم المتحدة وما تضمنته أيضًا وثائق العمل العربي المشترك في إطار أهداف جامعة الدول العربية، أو ما اتخذته مؤتمرات إقليمية ودولية، ولهذا تجد حضورًا دائمًا للسياسة العمانية، أي الحضور المنصف في مواجهة الخصومات وتقديم العون للمتخاصمين بما يصنع مقاربات لفرص السلام ويعيد الاعتبار لسلطة التضامن والتفاهم والتشارك في إدارة الحياة الإقليمية والدولية.