يحق لنا نحن العمانيين ونحن نعيش أفراح الذكرى التاريخية ليوم نهضتنا المباركة التي بزغ نورها في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، أن نفخر بما حققته من إنجازات عظيمة ونقلات نوعية وعلاقات تاريخية تحتذى، وأصبحت محط اهتمام ومتابعة وإعجاب من قبل العالم أجمع.
ومن مفاخر هذه النهضة المباركة الصياغة الحكيمة لنهج السياسة الخارجية العمانية، التي صاغتها الرؤية الحكيمة والمستنيرة لمطلق الإشارة الأولى للنهضة العمانية الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والتي كُتبت بمداد الخبرة والحنكة وبُعد النظر، والقدرة على استشراف آفاق المستقبل لجلالته ـ أيده الله ـ، ليخرج إلى النور هذا النهج السياسي العماني الحكيم الذي نرتع في ظله ويتفيأ ظلاله العالم عامة والمنطقة خاصة، والذي ارتكز على أسس ومفاهيم اتخذت لنفسها عناوين واضحة لا لبس فيها، تأخذ بمنهج التسامح والتفاهم وتعزيز آلية الحوار السلمي لحل كافة المشكلات التي تعترض سبيل الأهداف الإنسانية الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها كافة المؤسسات الدولية كي تعيش البشرية في أمن وأمان وتفاهم ضمن منظومة عيش مشترك تحترم حقوق كافة الأطراف، وتحترم احتياجاتها ومصالحها.
وحين تكون السياسة مستلهمة في إقامة ركائزها من المبادئ وقيم التسامح واحترام الآخر والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في مجتمعها، فإنه لا شك أن النجاح الباهر يكون حليفها، ولأن سياستنا الخارجية استلهمت منهجها من الإرث الحضاري العماني القائم على قيم التسامح والتواصل والاعتراف بالآخر واحترامه واحترام حقوقه، والثبات على المبدأ، والمستمد من رسالة الإسلام السمحة القائمة على الرحمة والتسامح وقبول الآخر والحكمة والموعظة الحسنة، وهو ما أعطى السياسة العمانية الديناميكية الحقيقية التي مكنتها من التحرك والسباحة في محيطات الأحداث المتلاطمة وبراكين السياسة والاقتصاد والأمن إقليميًّا ودوليًّا، وأكسبها المصداقية التي نشاهد آثارها الإيجابية حاليًّا بكل وضوح في المنطقة والعالم، ما انعكس عليها وعلى الآخرين بالخير، وحقق المصالح المشتركة وفق علاقات راسخة ومتينة، وجعل بلادنا تقدم المثل والقدوة في ذلك من خلال حل خلافاتها الحدودية مع كافة دول الجوار الشقيقة والصديقة، مما عزز من أواصر القربى والمودة مع تلك الدول كطليعة لنهج السلطنة مع كافة دول العالم.
لقد أثبتت التجربة العمانية أن الساعين إلى الاستقرار والباحثين عن السلام الدائم والعادل والشامل يجب أن يتحلوا بقيم التسامح في إقامة العلاقات بين الدول، ولعل نيل جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ جائزة السلام الدولي وجائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي، وحصول السلطنة على المراكز الأولى في مؤشرات السلام والأمن في تقارير المنظمات والمؤسسات الدولية، وكذلك صدور كتاب باللغتين العربية والروسية في موسكو يحمل عنوان (التسامح) ويبرز تجربة السلطنة في هذا المجال، وأثر التسامح في تعميق قواعد التفاهم والسلم بين الأمم والتقارب بين الثقافات على مستوى العالم، يدل ذلك بوضوح النهج الذي اختطه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في رسم السياسة الخارجية للسلطنة منذ فجر النهضة المباركة، وهو الأمر الذي وفر لبلادنا مناخًا من السلام الداخلي والإقليمي كي تستمر حركة التنمية سائرة بخطى حثيثة في المسارات المرسومة لها دون انحراف أو توقف قد تفرضه ظروف عارضة في مسار السياسة الخارجية.