ـ في 23 يوليو 1970 متغير كبير في سلطنة عمان
ـ الثورة الفرنسية أم الثورات
ـ العراق المؤثر في المنطقة ومصر اساسها
ـحرب 2006 كسرت مفهوم الجيش الذي لايقهر

مقدمة: لايمر شهر يوليو من كل عام، الا ويترك وراءه احتفالات متناغمة .. ففيه قفزة التاريخ في فرنسا يوم انطلقت الثورة الفرنسية الكبرى، وفيه الأبرز عربيا 23 يوليو في السلطنة، ورقم التاريخ ذاته في مصر .. وفيه ما فيه من معطيات شكلت متغيرا كبيرا في الصراع العربي الإسرائيلي مثلما هو الحال مع الحرب التي وقعت بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ... وفيه مافيه ايضا من انقلابات، منها انقلاب عبد الكريم قاسم في العراق ثم ماتلاها من انقلاب آخر لحزب البعث العربي الاشتراكي ..
ـــــــ
لا بأس إذن لو نعيد قراءة تلك التواريخ وان نسلط الضوء عليها من جديد، ففي بعضها يكمن تأثير مانزال نعيشه، ولا بأس لو بدأنا بما يخصنا نحن العرب وما هو عظيم الشأن في دنيانا، وخصوصا يوم الثالث والعشرين من يوليو 1970 باعتباره يوم النهضة المباركة في سلطنة عمان.
لاشك ان هذا اليوم كان متغيرا كبيرا في حياة السلطنة .. انه اليوم الذي تبوأ فيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حكم البلاد، ومنذ ذلك التاريخ المجيد، تغيرت الدنيا عمانيا وتبدلت، صار لها صورها الناطقة بقيم التقدم والازدهار والمعنى العميق للحياة الجديدة وللنقلة النوعية التي جعلت من عمان دولة ذات حضور متميز على شتى المستويات. وترانا هنا نفتح هذا التاريخ لعلمنا بما كانت عليه عمان وبما صارت اليه ثم ماوصلته خلال خمسة واربعين عاما من العمل المستمر والمشاريع العملاقة والتنمية المستدامة .. لكن الأهم من كل ذلك كان الانسان العماني اساس العملية الانتقالية وجوهرها ، بل هو الذي ظهرت في روحه كل آفاق التغيير فصنعت منه خصوصية ليس مايشبهها في المنطقة وعربيا وربما عالميا. ويقول الكاتب اللبناني حسان الزين في كتابه القيم " ميلاد المثابة العمانية ": " ولذا كانت سنة 1970 عبارة عن صفحة جديدة كتب عليها السلطان قابوس بن سعيد مايمليه شرط التاريخ على نوعية الخط وهوية اليد، التي سترسم مساره من اليمين الى اليسار، اي من النهوض الى التنمية الشاملة بصفتها القطيعة الكاملة مع الفعل الارتجاعي للدولة المتخلفة، ومع الفعل الاستلابي " لثورة " لم تكن " ثورية " بحد ذاتها، وان كانت قومية في بداياتها، وحتى مستوى الطهارة .... والسلطان قابوس بن سعيد بشهادة الجميع لم يكن انتماؤه لهويته القومية باقل من الذين نثروا بذورها، ولكن مع فارق واحد – كما كنت استمعت من قادة عرب – هو فارق النبل والممارسة ( وكان هذا التوصيف لقائد لايشك احد بنزعته المفرطة بالقومية العربية)."
يضيف الكاتب الزين في كتابه " مامن شخصية التقيتها في سلطنة عمان: رسمية – ثقافية – شعبية ... وسألتها عن قراءتها لتلك الخطوات التي قام بها السطان قابوس بن سعيد الا كان جوابها ان صاحب الجلالة اضفى يومها جوا من الانصهار الوطني السياسي الاجتماعي لم يكن معروفا لدى الاهالي ابدا .. لقد قدم مضمونا حسيا، ملموسا، لشيء افتقده الجميع، وهو الشعور بعنفوان وطن " كسرت شوكته " .. الشعور بان هناك شيئا بالغ الدلالة ازاء استعادة روح عمان وشخصيتها التاريخية العظمى. ومن حينها والكلام مازال لهم، فان كل مواطن راح يبدي انتماءً استثنائيا خاصا بالهوية، ولم يعد يسعى على اعلى مستوى من المستويات الى الابتعاد عنها خطوة واحدة، او استبدال ولاءات اخرى بها، مهما كانت اسبابها ودوافعها .. كل مواطن راح يغوض عميقا في تاريخ البلاد وكأن شيئا مس ذاكرته، وجعله ينظر الى ابسط الاشياء على انها اشياء تخص تاريخه .. " جميعنا " من غير استثناء غرس فينا جلالته روحا بدأنا نعرف اهميتها من خلال ماهو ماثل امامنا ..ما كان ماثلا امامهم خروج بلادهم من بداية احتضار كان من شأن ان يرميهم الى آسفل القائمة التي تندرج فيها اسماء الدولة المتخلفة والميؤوس من وضع حد لتثاؤبها التاريخي المفجع .. وهنا لابد ان نتذكر هذا المقطع الهام الذي يدل على عمق هذا الكلام ماجاء في بيان جلالته الاول بقوله " كان وطننا ذا شهرة وقوة وان عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة اخرى وسيكون لنا المحل المرموق في العالم العربي واني متخذ الخطوات القانونية لتلقي الاعتراف من الدول الخارجية الصديقة، وان اتطلع الى التأييد العاجل والتعاون الودي مع جيراننا وان يكون مفعوله لزمن طويل والتشاور فيما بيننا لمستقبل منطقتنا ".
ـ الثورة النموذج:
عندما يتم الحديث عن الثورات البارزة في التاريخ الانساني، تبرز في المقدمة الثورة الفرنسية الكبرى التي كان لها شرف فتح الباب التاريخي للتعبير عن مخارج في سبيل حرية الانسان، وتقول المعلومات المستقاة من احد المصادر انها اندلعت عام 1789 وامتدت حتى 1799، كانت فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا التي أثرت بشكل بالغ العمق على فرنسا وجميع أوروبا. انهار خلالها النظام الملكي المطلق الذي كان قد حكم فرنسا لعدة قرون في غضون ثلاث سنوات. وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء الامتيازات الإقطاعية والأرستقراطية والدينية وبروز الجماعات السياسيّة اليساريّة الراديكالية إلى جانب بروز دور عموم الجماهير وفلاحي الريف في تحديد مصير المجتمع. كما تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.
بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 وشهدت السنة الأولى من الثورة القسم في شهر يونيو والهجوم على سجن الباستيل في يوليو وصدور إعلان حقوق الإنسان والمواطنة في أغسطس والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في فرساي خلال شهر أكتوبر مع اتهام النظام الملكي اليميني بمحاولة إحباط إصلاحات رئيسيّة. تم إعلان النظام الجمهوري في سبتمبر 1792 وأعدم الملك لويس السادس عشر في العام التالي. كانت التهديدات الخارجية قد لعبت دورًا هامًا في تطور الأحداث، إذ ساهمت انتصارات الجيوش الفرنسية في إيطاليا والمناطق الفقيرة المنخفضة الدخل غرب نهر الراين في رفع شعبية النظام الجمهوري كبديل عن النظام الملكي الذي فشل في السيطرة على هذه المناطق التي شكلت تحديًا للحكومات الفرنسية السابقة لعدة قرون. رغم ذلك، فإن نوعًا من الديكتاتورية شاب الثورة في بدايتها، فقد قضى بين 16,000 إلى 40,000 ألف مواطن فرنسي في الفترة الممتدة بين 1793 و1794 على يد "لجنة السلامة العامة" إثر سيطرة روبسيبر على السلطة. في عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الاستقرار إلى فرنسا. استمر عودة الحكم الملكي واستبداله بنظام جمهوري لفترات ممتدة خلال القرن التاسع عشر، بعد خلع نابليون قامت الجمهورية الثانية (1848-1852) تلتها عودة الملكية (1852-1870).
امتدت تأثير الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم، بنمو الجمهوريات والديمقراطيات الليبرالية وانتشار العلمانية وتطوير عدد من الأيدلوجيات المعاصرة.
وتذكر المعلومات المستقاة من مصادر محددة ان اسباب تلك الثورة تكمن في التالي:
يكاد يجمع المؤرخون أن تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها أبرز سبب من أسباب الثورة. الأسباب بشكل أساسي هي اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرًا بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبز مع ارتفاع أسعار المحاصيل نتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة استقرار المجتمع الفرنسي في السنوات التي سبقت الثورة. من القضايا الاقتصادية الأخرى كان إفلاس الدولة بسبب التكلفة الكبيرة للحروب السابقة، سيّما بعد مشاركة فرنسا في حرب الاستقلال الإميركية، مع ارتفاع الدين العام الذي تراوح بين 1000-2000 مليون إلى جانب الأعباء الاجتماعية الناجمة عن الحرب وفقدان فرنسا ممتلكاتها الاستعمارية في أميركا الشمالية وتزايد هيمنة بريطانيا التجارية. كما أن النظام المالي الفرنسي قد وصف بالبالي وغير الفعال وغير القادر على إدارة الديون الوطنية وتسديد أقساط القروض التي كفلتها الحكومة.
أمام هذه النوائب الاقتصادية كانت ينظر إلى الديوان الملكي في فرساي أنه منعزل وغير مبال بالطبقات الدنيا من الشعب. إلى جانب كون الملك لويس السادس عشر ملكًا مطلقًا ذو صلاحيات واسعة، وقيل عنه في كثير من الأحيان أنه غير حاسم ومعروف بتراجعه عن قراراته في حال واجه معارضة قوية، إلى جانب أنه لم يخفض النفقات الحكومية واستطاع البرلمان إحباط محاولات الكثير من القوانين الإصلاحية اللازمة. في غضون ذلك، كان معارضو حكم لويس السادس عشر يوزعون مناشير سريّة حملت في كثير من الأحيان معلومات مبالغ فيها تنتقد فيها الحكومة وإدارته وساهمت في إثارة الرأي العام ضد النظام الملكي.
العديد من العوامل الأخرى، يمكن النظر إليها أنها سبب في اندلاع الثورة، مثل الرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيّما مع تقدم الثورة للمطالبة بنظام جمهوري. أيضًا فإن الملكة ماري أنطوانيت يعتبرها البعض من أسباب الثورة، إذ نظر إليها الفرنسيون واتهموها - زورًا في أغلب الأحيان - بأنها جاسوسة النمسا ومبذرة وسبب اغتيال وزير المالية الذي كان محبوبًا من قبل الشعب.
دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت عبر ثلاث مراحل أساسية:

المرحلة الأولى (يوليو 1789 - اغسطس 1792)، فترة الملكية الدستورية: تميزت هذه المرحلة بقيام ممثلي الهيئة الثالثة بتأسيس الجمعية الوطنية واحتلال سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الفيودالية، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور للبلاد.
المرحلة الثانية (اغسطس 1792 - يوليو 1794)، فترة بداية النظام الجمهوري وتصاعد التيار الثوري حيث تم إعدام الملك وإقامة نظام جمهوري متشدد.
المرحلة الثالثة، (يوليو 1794 – نوفمبر 1799)، فترة تراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابارت للقيام بانقلاب عسكري ووضع حدا للثورة وإقامة نظاما ديكتاتوريا توسعيا.
ـ 14 يوليو
كانت المنطقة العربية قد دخلت في حوار مع ذاتها، خصوصا بعد ترسخ النكبة الفلسطينية في الواقع وفي الوجدان، والتي على اثرها قامت عدة انقلابات في سوريا كان شعارها تحرير فلسطين لكنها لم تصل الى تلك المرحلة، اضافة الى الانقلاب الذي حصل في مصر واطاح بالملك فاروق والذي سنأتي على ذكره لاحقا.
وكان يبدو ان ماصار يحدث في المنطقة، كان استجابة لتطورات عالمية ايضا، في طليعتها خروج اميركا من الحرب العالمية الثانية بتحقيق انتصارات متعددة، وذلك على حساب بريطانيا وفرنسا، الدولتان اللتان لعبتا ادوارا مهمة خلال القرن الماضي على مستوى المنطقة ايضا. وكان لهذا التطور بالتالي ان تنفجر الاوضاع في العراق الذي كانت تحكمة الاسرة الهاشمية، ويقوم الجيش العراقي في 14 يوليو من العام 1958 بانقلاب عسكري قاده عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وبقية الضباط .. على اثره تم قتل الملك فيصل وكان صغير السن آنذاك ثم بقية الاسرة الحاكمة اضافة الى رئيس الوزراء نوري السعيد ..
حصل هذا الانقلاب في الوقت الذي كانت فيه الوحدة بين مصر وسوريا قد تحققت، واعتبر توقيته ضربة للوجود الاميركي والغربي عموما، ولهذا رد الاميركيون على الفور بانزال قوات عسكرية في لبنان الذي كان يعيش في لك الفترات حالة حرب داخلية، بين معارضة ترفض التمديد لرئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون الذي حاول الارتباط بالحلف الدولي حلف بغداد. فقد عرفت شواطيء منطقة الاوزاعي والرمول وبعض شطوط بيروت ذلك الانزال المفاجيء الذي جاء بناء على طلب من الرئيس اللبناني الذي أقلقه الانقلاب العراقي ورأى فيه محاولة للانضمام الى وحدة مصر وسوريا عندها يقع لبنان في مأزق كبير لايمكن الخلاص منه.
لكن الانقلاب العراقي لم يتمكن من العيش في هدوء واستقرار، ظل الوضع متذبذبا الى ابعد تقدير، فكان ان تعرض قائد الانقلاب عبد الكريم قاسم الى محاولة اغتيال قام بها صدام حسين الذي اصيب في رجله يومها لكنه تمكن من الهروب والوصول الى الاراضي السورية وبعدها الى لبنان فمصر حيث عاش لاجئا سياسيا.
لكن فشل المحاولة لم يعن توقف البحث عن اسقاط قاسم، فاذا بانقلاب آخر يقوده ضباط ايضا وفي طليعتهم شريكه عبد السلام عارف ينجح في الوصول الى السلطة والتمكن من محاصرة قاسم ومن ثم رميه بالرصاص داخل الاذاعة .. ولم يكتف الانقلابيون ايضا بما فعلوه، بل حملوا جثة قاسم اثناء الليل ورموها في مياه نهر دجلة.
ـ 17 يوليو
ترك الانقلاب العراقي اثرا عميقا في بلد كان هادئا كما تقول التواريخ، لكنه استجلب لاحقا انقلابا آخر بدأ في العام 1963 قاده حزب البعث لكن لم يعش طويلا، الا انه ترك وراءه مذبحة كبرى بحق الحزب الشيوعي العراقي حيث يقال ان اربعة عشر الفا منه تم اعدامهم اوقلتهم بدم بارد، وقد قاد تلك المرحلة القائد البعثي علي صالح السعدي الذي اصيب بالشلل لاحقا وعاش في بيروت لاجئا يندب حظه العاثر، وهو الذي قال قولته الشهيرة عند وقوع هذا الانقلاب ان حزبه ركب قطارا اميركيا، لكن الانقلاب لم يدم طويلا سقط بعد شهور قليلة، لينفتح المجال امام تجربة شبه ديمقراطية قادها الرئيس عبد الرحمن عارف.
في 17 يوليو 1968 وقع الانقلاب الأكبر الذي قاده هذه المرة حزب البعث ايضا، وهي التجربة التي عاشت طويلا في العراق وانتهت الى كارثة كبرى ادت الى احتلال العراق من قبل الجيش الاميركي.
صحيح ان احمد حسن البكر كان رئيسا للعراق منذ ان وقع الانقلاب الا ان صدام حسين كان فعليا يمسك بالبلاد الى ان اصبح الرئيس الفعلي في العام 1979 .. ليرتكب بعدها خطأين استراتيجيين مرة حين اخترع حربا ضد ايران دامت ثماني سنوات، ومرة اخرى حين احتل الكويت ادى ذلك الى فتح النار عليه طويلا ضمن حرب كانت مدا وجزرا ضده من قبل الاميركي الى ان تم اجتياح الاراضي العراقية من قبل الاميركيين والريطانيين واحتلاله، لكنه لم يدم طويلا حين ابدعت المقاومة العراقية فنونا من القتال ضد المحتل مما دفعه الى الانسحاب دون قيد او شرط.
ـ 23 يوليو في مصر:
في الثالث والعشرين من يوليو 1952 تحرك الجيش المصري بدافع وطني وقومي واستولى على السلطة في مصر .. لكن الشعب المصري اعطى الانقلاب العسكري صفة ثورة ومنح زعيمها وجدانا لم يمنح لأي زعيم مصري او عربي او عالمي.
لعب الرئيس جمال عبد الناصر دورا مميزا اعطى لمصر قيمة كبرى، ومنح العرب قيمة ايضا .. فلقد آمن بالأمة العربية وبالوحدة وبالقومية العربية وعمل ضمن هذا المفهوم، وصار لاحقا رقما كبيرا في سياسة الشرق الاوسط خصوصا بعد نصر احرزه عقب العدوان الثلاثي عليه عام 1956 .. آمن عبد الناصر بالتسيير الذاتي فبنى المصانع الضخمة والمعامل واقام سدا كبيرا هو سد اسوان، كما اقام نظاما اشتراكيا وهو ثمرة تجربة من الفكر العلمي.
واعتبر عبد الناصر الفلسطيني الاول لأنه تبنى تحرير فلسطين .. ونتيجة مواقفه وسياساته التي صنعت في المنطقة وجها مختلفا، حوصرت مصر اقتصاديا، لكنه ظل صامدا مؤمنا بما فعله ويفعله، مقرا بانه يقود مصر في الطريق الصحيح، طريق الوحدة والحرية والاشتراكية ومحاربة الاستعمار والقضاء على الاقطاع الداخلي وبناء جيش قوي..
وللتخفيف من تأثيره واشعاعه، ازداد التآمر عليه من قبل القوى الكبرى، الى ان تم الاعتداء على مصر في يوينو من العام 1967 حيث تم تدمير طائراته الحربية ومن ثم خاضت إسرائيل حربا اوصلتها الى الضفة الشرقية لقناة السويس بعد احتلال كامل صحراء سيناء. واعتبرت هذه الحرب حربا عالمية عليه وليست إسرائيلية فقط لأنها ثمرة تشابك مصالح استعمارية في المنطقة.
لكن عبد الناصر رفض الهزيمة وقرر في مؤتمر عقد في الخرطوم بالسودان لاءاته الشهيرة ان لاصلح ولااعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل وبذلك حطم الآمال الاميركية الإسرائيلية الغربية بامكانية خضوعه، ثم قرر بالمقابل استعداده لتحرير سيناء وبدأ فورا بترتيب جيش جديد مزود باعتى انواع الاسلحة، ثم خاض حرب استنزاف ضد القوات الإسرائيلية دامت ثلاث سنوات تمكن خلالها من وضع خطط لتحرير سيناء، ويذكر اللواء محمد فوزي في كتابه " حرب الثلاث سنوات " ان خططا وضعت من اجل تحرير الاراضي المصرية سميت " بدر 1 وبدر 2 " .. لكن القدر لم يسعف الرئيس المصري، حين توفي فجأة وهو يقوم بتهدئة احداث في الاردن بين الجيش الاردني والمقاومة الفلسطينية .. وبوفاته تغيرت مصر كليا حين تسلمها انور السادات ومشى في طريق مختلف ادى به الى زيارة القدس وتوقيع معاهدة كامب ديفيد مع الإسرائيلي مازالتتربك مصر الى الآن وستظل سجنها.
ـ حرب 33 يوما:
فيما كان الهدوء سائدا على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية، حصل مالم يكن متوقعا في 12 يوليو 2006 حين قامت مجموعة من حزب الله بالهجوم على الاراضي الفلسطينية وقصف دورية إسرائيلية وقتل من فيها ثم اسر جنديين إسرائيليين .. وفور وقوع العملية خرج الامين العام لحزب الله حسن نصرالله على الملأ للقول بان تسليم الاسيرين لن يتم الا بواسطة تبادل اسرى.
اعتبرت إسرائيل ان العملية بمثابة حرب، مالبثت ان بدأت التمهيد لها ثم علت وتيرتها حيث قام الطيران الإسرائيلي بتدمير الضاحية الجنوبية من بيروت التي تعتبر مقرات للحزب المذكور، تبع ذلك تدمير منهجي لقرى الجنوب اللبناني مما دفع مئات آلاف السكان من مغادرتها .. ثم حاول الإسرائيلي الدخول الى الاراضي اللبنانية من جديد بعدما كان قد انسحب منها عام 2000 ، الا ان معارك شرسة وضارية حصلت مع قوات حزب الله منعته من تحقيق امكانية الوصول الى اهدافه او التقدم على محاور ميدانية، اضافة الى انه تساقط له عدد من القتلى والجرحى .. وحين طالت المعركة، قرر الإسرائيلي ضمن آفاق عسكرية انتحارية من دخول الاراضي اللبنانية بتكثيف قواته الا ان قوات حزب الله منعته ثم انزلت بآلياته مذبحة كبرى حين دمرت له عشرات الاليات والدبابات ومنعته من الوصول الى اهدافه .. وعلم لاحقا ان الإسرائيلي هو من طلب وقفا لاطلاق النار ضاغطا على الولايات المتحدة ان تتحرك لهذا الهدف بعدما توصل الى نتيجة واحدة صعوبة مقاتلة الحزب المقاوم .. توقفت الحرب بعدما استمرت 33 يوما متواصلا وبمختلف انواع السلاح، واعتبرت يومها هزيمة كبرى للجيش الإسرائيلي، بل انها الهزيمة الوحيدة تقريبا التي حصلت له خلال وجوده الاستيطاني في المنطقة بعد معركة الكرامة في الاردن. ولم تكن تلك الحرب قد انتهت حتى بدأت الاصوات الرفضة لنتائجها في إسرائيل وبرزت على الفور محاكمة تلك الحرب من قبل قضاة كبار سميت لجنة فينوغراد حملت فيه قيادة الجيش والقيادة السياسية في إسرائيل مسؤولية النتائج التي حصلت في تلك الحرب.
وهكذا سقطت هيبة الجيش الإسرائيلي الذي كان يسمى بالجيش الذي لايقهر، فصار يقهر بالفعل، ومنذ ذلك التاريخ كثفت إسرائيل استعداداتها للثأر من الحزب اللبناني المقاوم، الا انها اكتشفت دائما استحالة هذا الأمر، لأن الحزب يملك القوة النارية التي تجعل من إسرائيل مسرحا لصواريخه وقد تجعل الحياة فيها مستحيلة اضافة الى التدمير الذي سيحصل .. فالقدرات الصاروخية لحزب الله هائلة وقوية وتعرف إسرائيل بمعلومات شبه دقيقة مايوجد لدى هذا الحزب من قدرات صاروخية وغير صاروخية، اضافة الى ان الامين العام لحزب الله طرح بشكل علني مسألة احتلال الجليل الفلسطيني الأمر الذي اضاف رعبا على رعب. ولم تزل الأمور الى اليوم على حالها، إسرائيل تنتظر الحرب والحزب المقاوم اللبناني ينتظرها ايضا وكل له حساباته لكن على مايبدو فان التوازن بين الطرفين بات يمنع قيامها في الوقت الحاضر ، مع العلم ان الإسرائيلي مصر على خوضها.
نحن اذن امام احداث كبرى حصلت كلها في شهر يوليو، فرغم سخونة الطقس في هذا الشهر، اضيفت سخونات كثيرة عليه .. ولاشك ان كل حدث من الاحداث التي مرت معنا قد ادى الى تغيير كبير .. لعل الثورة الفرنسية الكبرى كانت بمثابة الطلقة التي فتحت سماء الحرية للشعوب .. لكن 23 يوليو 1970 في عمان، قد احدث انقلابا في هذا البلد وادى الى تلك العظمة التي وصلتها عمان بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم .. ولعل ماحصل في العراق من متغيرات انقلابية كان له الاثر على منطقة الشرق الاوسط ادت الى ماأدت اليه من متغيرات كبرى في العراق ومن تأثير على المحيط ايضا .. ثم لن ننسى مافعلته حركة الضباط الاحرار في مصر عام 1952 من متغيرات هائلة على الصعيد المصري والعربي وحتى العالمي وكيف كانت تجربة ذات خصوصية مصرية عربية لم يتحملها الغرب فشنت عليه حصارات وحروب .. وفي النهاية ، كانت حرب العام 2006 بين حزب الله وإسرائيل ادت الى تغيير كبير في استراتيجية المنطقة حيث بات الجيش الإسرائيلي معطلا عن الفعل الذي كان يقوم به دائما.

إعدادـ زهير ماجد