من الأمور التي لم يجد المرء لها حتى الان تفسيرا منطقيا تلك الأعداد من الخبراء الذين يقبعون خلف مكاتب العديد من الأجهزة الحكومية وهم ليس لهم عمل او شغلة ومشغلة كما يقال اللهجة الدارجة ، بعضهم من انتهت صلاحيته فكرا وعمرا وبعضهم تجده أسبوعيا مراجعا للمراكز الصحية لمعالجة كومة الأمراض المزمنة التي ابتلى بها شافاه الله وعافاه ، والسؤال المطروح لماذا لاتزال هذه الأجهزة الحكومية تصر على الاحتفاظ بهؤلاء الخبراء منتهي الصلاحية ؟ أليس ذلك هدر للمال العام اذا ما قدرنا ان اقل راتب يأخذه خبير وافد يتراوح بين الف وخمسمائة وألفين ريال عماني ؟ أولا توجد جهة مركزية تقيم هذا الوضع الذي اصبح بحجم الظاهرة ؟ ربما اثرت بشكل او باخر على استيعاب المزيد من أبناء الوطن في هذه المؤسسات من ناحية وعلى مستوى الخدمة التي تقدم ، على اعتبار لو كان لدينا على سبيل المثال ٣٠٠ خبير من هذا النوع من الخبراء وكل خبير تنفق عليه الحكومة ٢٠٠٠ ريال شهريا سيكون حجم الإنفاق الكلي الشهري ٦٠٠٠٠٠ الف ريال وفي السنة ٧٢٠٠٠٠٠ ريال سبعة ملايين ومئتا ريال ، أليس هذا المبلغ كفيل لحل أزمة توظيف اعداد من الكفاءات الوطنية او تصريفه في أمور انفاق اخرى المجتمع بحاجة ماسة اليها خاصة وان كافة اجهزة الحكومة بدأت في اتباع سياسة الترشيد في الإنفاق وشد الحزام على حساب احيانا مكافأة الموظف وأحيانا آخر متابعة وانجاز الاعمال ميدانيا .
لا ننكر بان هناك خبراء ومستشارين من الوافدين في الحكومة فاعلين ويقدمون خبرات تسهم في تطوير العمل والاداء المؤسسي وتساعد من جانب اخر على بناء العديد من القوى الوطنية العاملة في هذه المؤسسات ، الان ان هناك مجموعة تمر عليها ايام بل شهور لا تقربها ورقه تسجل عليها معلومة او يحال لها ملف او مشروع تبدي عليه ملاحظتها او تبدي فكرة او مقترحا تطويريا ، فهل وصلنا الى هذه الدرجة من اللامسؤولية بالاحتفاظ بمثل هذه الخبرات غير المجدية لأداء مؤسساتنا ؟ ولماذا هذه المجاملات والمحسوبية على حساب مقدرات أمة ؟ اولا تقتضي الامانة الوظيفية ليس عند رؤساء الوحدات بل عند من يعملون لديهم هؤلاء الخبراء إنهاء خدمات من تنتهي صلاحيته ويصبح ليس له عمل او غير قادر على تقديم شي مفيد ؟ لعدة أسباب لعل بعضها بحكم التقدم في العمر فهناك من الخبراء من تخطى حاجز ربما الثمانين او الخبرة التي يمتلكها لم تعد قادرة على التجاوب مع التقدم التقني الحديث او ان ما كان تحت يديه من عمل توقف لسبب ما وتصر الجهة المعنية الاحتفاظ به مجاملة او تدخل داعم لاستمراره .
في الوقت الذي اذا ما وصل الخبير العُماني سن التقاعد ببلوغه الستين عاما يحال اليه ، هذا اذا لم تكن لديه حظوة في الحصول على الخمس سنوات المستثناة التي تلي ذلك ، فلماذا هذه الازدواجية في آليات التعامل الاداري مع هاتين الحالتين الخبير الوافد يمكن ان يستمر الى ما فوق السبعين عاما بعضهم دون عطاء بينما الخبير او المستشار الوطني حده الستين ؟ وبالتالي فان اهمية ان تراجع مثل هذه الممارسات التي لا تزال تتبع من خلال الاحتفاظ بخبرات منتهية الصلاحية في اجهزة الدولة المختلفة ضرورة تتطلبها المرحلة الراهنة ، وذلك لكي تسهم في دعم توجه الحكومة لترشيد الإنفاق بدلا من ان يكون الترشيد مقتصرا فقط لدى البعض على الشاي والقهوة وغيرها من المصروفات التي لاترقى الى تلك التي تصرف على أمور اقل ما يقال عنها انها ليست ذات عائد او قيمة مضافة على الخدمات او الأداء المؤسسي الخدمي او بالإمكان استبدالها بخيرات اخرى اقل كلفة .
ما سبق ليس تجني على خبرات سبق لها وان أسهمت في مرجلة ما من عمر نهضة عمان الحديثة بدور كبير في تنمية البلد فلها كل الشكر والتقدير ، الا ان الاحتفاظ بها دون عطاء مستمر يعد مجاملة على حساب مسار تنمية يفترض ان تعتمد على فكر متجدد وعطاء مستمر من كل من تنفق عليه الدولة مقابل ذلك ؟ لذا آن الاوان ان يعاد النظر في سياسة الاحتفاظ بخبرات وافدة دون عطاء .

طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية