[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” .. يجدر بنا أن نسوق بعض الملاحظات التي نستنتجها من هذا الحدث الهام: أولها أن العلاقات الدولية بأسرها شهدت إعادة رسم خارطة عالمية جديدة وذلك من خلال اندراج الصين وروسيا في عملية التفاوض وصياغة الاتفاق جنبا إلى جنب مع الدول الغربية الليبرالية الأربعة الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهو مؤشر شديد الأهمية.. ”
ــــــــــــــــــــــــــــ
بعد جهود دولية دامت إثني عشر سنة من المفاوضات العسيرة بين الست دول القوية من جهة (وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا زائد الصين الشعبية وروسيا. وهو ما يجعل عبارة 4 زائد 2 أدق وأصح من 5 زائد1!) وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة ثانية تم التوقيع على إتفاق متكامل متعدد البنود يقع في مائة صفحة نعته أغلب المراقبين والإعلاميين بأنه إتفاق تاريخي اعتمده مجلس الأمن يوم الاثنين الماضي بشكله النهائي فأعطاه الصبغة القانونية الدولية واستمعنا الى توضيحات هامة قدمها وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمام لجنة الكونجرس يوم الخميس الماضي بقصد اجتناب تحرك الكتلة الجمهورية ضد الإتفاق وربما إبطال كل ما جرى والعودة الى مربع الانطلاق ومما قاله الوزير الأميركي أن إيران كانت على وشك امتلاك السلاح النووي في غفلة من المجتمع الدولي لولا هذا الإتفاق وقال أيضا أنه لا بديل عن الإتفاق سوى الحرب. مؤكدا أن أبرز ما ينص عليه الإتفاق هو فرض الرقابة الدولية على المنشأت النووية الإيرانية بشكل دوري وناجع وفجئي وطمأنة دول الشرق الأوسط بأن هذه المنطقة الحساسة ستظل خالية من السلاح النووي (ما عدا السلاح النووي الإسرائيلي غير المعلن والمسكوت عنه في نوع من التواطئ الدولي الذي يشبه النفاق مما يجعل تخوف ناتنياهو من سلاح نووي إيراني أمرا في غاية الغرابة!) بالمقابل فإن طهران سترفع عنها تدريجيا تلك العقوبات الموجعة وستعمل كما وعدت على تأكيد ثقة العالم فيها بسن سياسات أكثر إعتدالا لأنها ستكون سياسات لا تنطلق من ردود فعل متسرعة ولا عشوائية ولا عدوانية كما كان الحال في عهدة أحمدي نجاد الرئاسية. ولعل هذا الإتفاق إذا ما صدقت النوايا يطوي صفحة قديمة من العلاقات الدولية عموما ومن العلاقات بين إيران وجيرانها العرب لتحل محلها صفحة أنصع و أسلم توفر للمنطقة بأسرها مناخا جديدا من الأمن والسلام الدائمين ولم لا من التعاون الإقتصادي والتنسيق الأمني و التكامل الطاقي وتكون المرحلة القادمة على الأقل مرحلة استعادة الثقة المفقودة تمهيدا لشرق أوسط جديد لا بمعنى المحافظين الجدد ولكن بالمعنى الحقيقي الناتج عن إعادة النظر جذريا كل من موقعه في منظومة الصراع الطائفي وتغذية الإرهاب وتصدير الثورات وسن تكتيك الخداع واستعمال الأيدي القذرة هنا وهناك لتمرير مشاريع مشبوهة. ويجدر بنا أن نسوق بعض الملاحظات التي نستنتجها من هذا الحدث الهام: أولها أن العلاقات الدولية بأسرها شهدت إعادة رسم خارطة عالمية جديدة وذلك من خلال اندراج الصين وروسيا في عملية التفاوض وصياغة الاتفاق جنبا إلى جنب مع الدول الغربية الليبرالية الأربعة الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهو مؤشر شديد الأهمية يؤكد أن عصر الحرب الباردة بعد أن أعلن موته مع تحطيم جدار برلين في نوفمبر 1989 قد تم دفنه في جنازة مهيبة يوم 14 يوليو 2015 في فيانا عاصمة النمسا. فالغرب المنتصر بالديمقراطية والليبرالية حسب نظرية المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما فتح الباب لغريمين تقليديين روسيا والصين لكي تشاركا في كل تفاصيل الملف النووي الإيراني وهو ما أعطى في الحقيقة بعض الضمانات السياسية والاستراتيجية للمفاوض الإيراني لأن محمد جواد ظريف عبر كل الأشواط الماراثونية للمفاوضات وجد نفسه إزاء أربعة قوى غربية ولكن أيضا إزاء قوتين عظميين حليفتين أو على أقل تقدير ليستا عدوتين لم تقبلا في السابق شروط واشنطن وحلفائها الأوروبيين في الملف النووي الإيراني إلى أن دخلت موسكو وبعدها بيكين على الخط منذ سنتين عندما شعر الغربيون أن لا حل يرجى من مفاوضات طويلة بدون إشراك كل القوى العظمى التي تملك حق النقض في الأمم المتحدة وبإمكانها تعطيل أي مسعى أميركي وغربي خاصة ومعضلة أوكرانيا ما تزال قائمة ومنذرة بالأخطار.
وفي الواقع إذا كان هذا التواجد الروسي الصيني مفيدا جدا لطهران فهو بلا شك أكثر فائدة لواشنطن وبرلين وباريس ولندن لأن الإتفاق سيكون قابلا للتنفيذ بضمان غربي وروسي وصيني ويؤمن ذلك اعتماده من قبل مجلس الأمن وهو بالفعل ما حصل. كما أن روسيا والصين فرضتا حماية مصالحهما في إدارة المفاوضات لأن الخطر النووي أكان إيرانيا أم كوريا شماليا أم باكستانيا يهم كل شعوب العالم وأساسا العملاقين الروسي والصيني. فنحن اليوم على أعتاب إنفراج عالمي إذا ما قرأنا الحدث بعيون المؤرخ ولكن التاريخ علمنا أن لكل دبلوماسية مواقف معلنة ونوايا خفية ونحن لا نرجم بالغيب بل سنتابع تطبيق بنود الإتفاق بتفاؤل. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالعلاقات بين إيران وجيرانها العرب وهو الأمر الذي يهمنا نحن مهما كانت مواقعنا الجغرافية أو الأيديولوجية من طهران علينا ألا نتوقع الكثير من التطمينات التي قدمتها واشنطن للعرب وألا نضخم من تصريحات الرئيس باراك أوباما يوم الاربعاء الماضي لبرنامج (دايلي شو) حين صرح أن إيران ستبقى بالرغم من الاتفاق دولة معادية مضيفا أن السبب هو معاداتها لإسرائيل وللولايات المتحدة وللسامية ومشاركتها في تغذية الفوضى لدى جيرانها.
مطلوب من العرب التريث وعدم تحميل هذه التصريحات أكثر مما تحتمل لأنها جاءت مباشرة كرد دبلوماسي قوي على ما قاله المرشد الأعلى لإيران و قائد الحرس الثوري الإيراني هذا الأسبوع في غمرة الإحتفالات الشعبية في الشارع الإيراني بما سمي هناك (النصرالإيراني) لأن هاذين الرجلين حاولا التخفيف مما يسمى النصر بالدعوة لمواصلة الكفاح لتحقيق المصالح الإيرانية وقال المرشد خاميناي أن ثوابت السياسة الخارجية لطهران لن تتغير جراء هذا الإتفاق ! العرب مدعوون اليوم بعد توقيع الإتفاق إلى قطع خطوة دبلوماسية جدية بعقد إجتماع بغاية تنسيق المواقف العربية إزاء إيران بدون تصعيد أو مزايدة لكن بحزم و تصميم لأن التأثير الإيراني المباشر ساهم أو تسبب في تعفن الأوضاع في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية مما يطرح باستمرار ملف انتشار الفتن الطائفية التي لم تكن موجودة في الشرق الأوسط منذ عقدين لولا السياسات الإيرانية التوسعية و تخبط العرب بدون موقف استباقي.