أسئلة كثيرة تتقافز لدى الكثير من المتابعين عن الأسباب التي دعت القوى الداعمة للإرهاب إلى الحديث عن الجانب الإنساني وضرورة إدخال المساعدات الإغاثية لجموع الشعب السوري في هذا الوقت بالتحديد الذي يتقدم فيه الجيش العربي السوري في المناطق المحاصرة من قبل العصابات الإرهابية وتطهيرها منها، وتخليص سكان تلك المناطق من الممارسات الإرهابية التي ترتكبها تلك العصابات بحقهم.
وتتكاثر علامات الاستفهام وتتناسل حول الموضوع الإنساني الذي يستعد مجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع قرار بشأنه يدعو إلى إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، خاصة وأن الحديث عن ذلك جاء أثناء وبعد جولتي مؤتمر جنيف الثاني وبعد ما حصل في مدينة حمص القديمة بخروج المدنيين الذين اتخذتهم العصابات الإرهابية دروعًا بشرية لها، ونهبت ما بقي لديهم من طعام وشراب وبشهادة المدنيين أنفسهم الفارين من جحيم إرهاب العصابات داخل أحياء حمص القديمة.
طبعًا ليس هناك إنسان يؤمن بقيمة الحياة ويقدر معنى الإنسانية ويعلي شأنها ويعظم أمرها ويتمتع بفطرة سليمة وسوية أن يقف ضد إنقاذ حياة أولئك الأبرياء المجوعين، ويمنع عنهم حقوقهم، ولكن ما يزيد الأمر استفهامًا وريبةً في الوقت عينه هو أن القوى الداعمة للإرهاب ضد سوريا وشعبها أنها تتحدث عن الحاجة الملحة لإدخال المساعدات الإنسانية وترفض الحديث عن الإرهاب وتجريمه، ولولا الضغط الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن وتلويح موسكو باستخدام حق النقض ضد مشروع القرار الأميركي ـ الأوروبي لما تم تعديل المشروع وتضمينه مكافحة الإرهاب؛ إذ لا يمكن أن تنجح عملية إدخال المساعدات وسط انتشار واضح للإرهاب والإرهابيين واستمرار دعمه وتجنيد المزيد من الإرهابيين والتكفيريين والمرتزقة، علمًا أن الحكومة السورية قائمة بدورها في إيصال الاحتياجات الإنسانية إلى مواطنيها، وكثيرًا ما تواجه صعوبات لإيصالها بسبب إرهاب العصابات المسلحة. فالمعلومات الواردة من داخل مدينة حمص التي أدخلت إليها قوافل الإغاثة تشير إلى أن العصابات الإرهابية سيطرت على عدد من القوافل وسرقت المواد الطبية من سيارة إسعاف، وبالتالي الذي يبدو هو أن القوى الداعمة للإرهاب اتخذت معاناة المدنيين المحاصرين داخل حمص القديمة وسيلة لإنقاذ عصاباتها الإرهابية خشية من انهيارها بل وانتهائها.
في الحقيقة لا بد من إنعاش الذاكرة الجمعية وتذكيرها بالمواقف التآمرية في بدايات الأزمة السورية لربما تراكمات الأحداث أو طغيان الفبركات التي نسجتها القوى الداعمة للإرهاب وماكينات إعلامها قد أصابت خلايا الذاكرة من أجل تنسيتها الأدوار الأولى التي لعبتها قوى التآمر على سوريا وشعبها، فالكوارث الإنسانية التي يعانيها الشعب السوري اليوم هي من صنع القوى المتآمرة التي تتحدث الآن عن وجوب إدخال المساعدات الإغاثية، وذلك حين فرضت عقوبات اقتصادية ظالمة وجائرة بحق الشعب السوري ولو كان بإمكانها منع الأوكسجين عنه لفعلت وإن كانت حاولت أكثر من مرة تلويثه بالإيعاز إلى أدواتها الإرهابية باستخدام الأسلحة الكيماوية في خان العسل والغوطة وحي جوبر، فالمواطن السوري الذي يعتمد على أرضه في طعامه وشرابه وملبسه حرمه المتاجرون بحقوقه وبدمائه من أبسط الأدوات الداخلة في فلاحة أرضه وزراعتها، بل إن العصابات الإرهابية التي رعتها قوى التآمر قامت بحرق المزارع والأرض ونهب صوامع الحبوب والصيدليات والمستشفيات، وتفكيك مصانع مدينة حلب وبيعها خردة للأتراك، وبدل أن ترفع القوى المتآمرة عقوباتها وتدخل المساعدات الإنسانية، شجعت الإرهاب وجندت الإرهابيين والتكفيريين ومولتهم وسلحتهم.
نعم من حق الشعب السوري أن يعيش وينعم بالحرية ويحصل على طعامه وشرابه دون منة أو تفضل من أحد، ومن الواجب أخلاقيًّا وقانونيًّا وشرعيًّا على القوى التي دعمت الإرهاب ورعته وراهنت ولا تزال تراهن عليه لتدمير سوريا أن تعود إلى صوابها ورشدها، وأن لا تسعى إلى توظيف القرار الأممي ـ إذا ما حظي بالإجماع في مجلس الأمن ـ في حماقات واستخدام معاناة الشعب السوري ستارًا لإنقاذ عصاباتها الإرهابية، ولأجل إطالة أمد المؤامرة.