[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
ظهر في العراق الشعر الحر الذي قاده الشاعر الكبير بدر شاكر السياب اواخر النصف الاول من القرن العشرين، وقبل ذلك ظهرت القصة القصيرة والرواية، وظهر جيل الستينات الشعري الذي ترك بصمة واضحة ومهمة في الابداع الشعري العراقي، وجاء جيل السبعينات الذي تمكن من إضافة لمسات واضحة ومهمة في الشعر العراقي والعربي وتوالت اجيال الثمانينات وشعراء حقبة الحصار، ثم جاءت الالفية الجديدة، لكن لم نألف موجة ارتدت المأساة العراقية كما هو واضح في ظاهرة أو موجة وربما تبلور مدرسة في المستقبل اطلقت على نفسها "مليشيا الثقافة"، وهؤلاء الشعراء لم تظهر اصواتهم في وسائل الإعلام المحلية، ويبدو أنهم قد وقعوا تحت مطرقة التعتيم التي تفترش الارصفة والمنتديات في العراق، ومهما قيل عن هذه الموجة أو المدرسة وربما الظاهرة فإنها قد ارتدت لباس المأساة العراقية، وتريد أن تتنفس في عوالمها القاتمة المشتتة الضائعة شعرا وكلمات وتنثر قصائدها، لم أقرأ بيانا يفلسف افكار وتوجهات هذه المجموعة التي اطلقت على نفسها " مليشيا الثقافة" لكن اتيحت لي الفرصة لقراءة بعض تصريحاتهم خلال مقابلة صحافية مع عدد منهم، ويقول مازن المعموري، وهو الشاعر الأكبر سنا في المجموعة، على أن تسمية "مليشيا الثقافة" جاءت "لتشكل خطابا ثقافيا يحاول أن يقدم محاولة لتخطي القيم القديمة لأنساق الثقافة الأخلاقية البائدة". ويصف العموري الثقافة القديمة بأنها "صنعت لنا شاعرا مؤسساتيا لا يستطيع سوى أن يكون ذيلا للسلطة".
تذهب "مليشيا الثقافة"، وهي مجموعة من شعراء محافظة بابل العراقية، إلى أماكن لا تخطر على بال أحد لقراءة قصائدها، محاولة خلق نوع جديد في إلقاء الشعر، إذ تعتبر أن "الخراب هو جمهورها". ويلطخ هؤلاء الشعراء وجوههم وأجسادهم بالطين، ويُعرون نصف أجسادهم تحت الشمس الحارقة في مواقع قد تعرضهم للأمراض أو الموت، غير أنهم يجدون أن ما يفعلونه هو احتجاج ليس على ما يحدث في العراق من دمار وقتل وفساد فحسب، بل هو صرخة أمام العالم أجمع.
الطريقة التي يقدم فيها هؤلاء الشعراء افكارهم تلامس بقوة قاع الأوضاع في العراق، وقد يرى البعض سوداوية في اعماق هؤلاء الشعراء لدرجة دفعتهم إلى هذه الانغماسات في جوانب غير معتادة في الاساليب الثقافية، لكنهم يطلقون صرخة قد لا تجد صدى لها بدون هذا النوع من الغوص، الذي يبدو للوهلة الأولى غريبا، وقد يراه البعض من زاوية تتجاوز حقبة ما بعد حداثة الحداثة، وقد يطلقون صرخة مكتومة ربما تصل إلى الحافة وقد تتهاوى بين سهوب واضطرابات وفوضى نعيشها جميعا.
لكن المفروغ منه أن مثل هذه الصرخة وإن توقفت وإن توقف مطلقوها عند هذه الحافة، فإنها قد أدت بعضا من المسؤولية الملقاة على المثقف والمبدع الذي يكتم صرخته طويلا لكنه يطلقها حتى وإن كانت بصوت متحشرج أو مبحوح، ولا بد من القول إن هؤلاء المبدعين قد قالوا كلمتهم بأفضل الطرق وارقاها.