فرقعة! هكذا بدأت الثورة الكوبية. وهكذا صارت " الثورة الدائمة " التي قادها فيدل كاسترو الآن على وشك التلاشي في صمت.
على نفس القدر من الأهمية، الفاصل توشك زلة أميركا التاريخية في الأراضي الكوبية أيضا أن تختفي.
وتظهر استطلاعات الرأي الأميركية تأييدا جديدا لتطبيع العلاقات مع كوبا. وصرح عدد من كبار السياسيين في الولايات المتحدة مثل تشارلي كريست في وسائل الإعلام الرئيسية بالدعوة الآن لإحداث تغيير في سياسة نصف قرن من الخصومة والتحريض الأميركي ضد هذه الجزيرة الصغيرة. فلقد أصبحت مصافحة الرئيس باراك أوباما مؤخرا للرئيس الكوبي راؤول كاسترو لفتة مذيبة للجليد شعر بها العالم.
لقد أضحت حتمية تطبيع العلاقات مجرد مسألة توقيت، هل تأتي قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016؟ أو أنها سوف تنتظر فقط حتى وفاة فيدل كاسترو البالغ من العمر 87 عاما ، والذي صار الآن أكثر انعزالا في أواخر أيامه؟
بغض النظر عن كيف ومتى، من المنتظر أن تكون نهاية القطيعة الرسمية بين الدولتين ضربة قاضية لأكبر مبررات ثورة كاسترو المستمرة.
إذا كان في انتهاء الحرب الباردة أي إشارة، فسوف يؤدي التطبيع إلى ابتهاج أولي لزيادة جمع شمل الأسرة. وسوف تحاول العائلات والشركات استعادة الممتلكات المفقودة التي أممت بعد الثورة، وقد تجهض المفاوضات الدبلوماسية الشامل أي معارك قانونية طويلة، وسوف تفسح النشوة المبكرة المجال أمام واقع عملي، وسوف تواجه كوبا عملية انتقال مؤلمة، بغض النظر عن نوع نظام ما بعد كاسترو - سواء ديمقراطيا منتخبا أو لا قدر الله ديكتاتورية عسكرية – وسيعاني الكثيرون من خلال التغييرات.
كوبا لديها بالفعل صعوبة في دعم نظم الرعاية الطبية والتعليم، ومهما كان نوع المساواة الاجتماعية الموجود حاليا إلا أنه يستند على تقاسم الندرة والحرمان. لحسن الحظ، من المنتظر أن يؤدي تطبيع العلاقات وإنهاء الحصار الطويل، إلى إغراق أسواق هافانا بالمواد الغذائية الضرورية وغيرها من السلع .
في البداية، سيتم دعم بعض السلع لتخفيف وطأة الصدمة الأولي. ولكن الدعم دائما ما تكتب له نهاية، والنظام يدرك هذا جيدا. في عام 1996، كنت أعمل في الصحافة وأكتب تقارير من كوبا خلال " الفترة الخاصة " التي كانت تتميز بنقص الغذاء والتضحية. في ذلك الوقت، انهار الشريك الاستراتيجي و الداعم المالي لكوبا، وهو الاتحاد السوفيتي، ولم تجدد خليفتها الروسية الصفقة لإرسال الوقود المدعوم في مقابل السكر.
للمحافظة على التفوق الأميركي بعد التطبيع - كما فعل الرئيسان رونالد ريجان وجورج بوش الأب في نهاية الحرب الباردة - سيكون من الضروري السماح للمواطنين الكوبيين العاديين، وكثير منهم يعيشون في مستوى الفقر، الحفاظ على كرامتهم والكرامة الوطنية. ستكون رقصة حساسة لكي يتم تشجيعهم ودعم التغيير، من ناحية، ولمنع الارتداد والاستغلال المربح لبلد غير متطور في هياكله المالية والاستثمارية الحديثة، كما هو الحال في شرق أوروبا ما بعد جدار برلين.
الممتلكات وجمع شمل الأسرة قضايا بسيطة بالمقارنة بضرورة إطلاق سراح السجناء السياسيين الباقين في كوبا، بما في ذلك عامل الاغاثة الأميركي آلان جروس .
احتجاز السجناء السياسيين المتبقين في معسكرات العمل الكوبية الذين تجرأوا على التحدث علنا ضد القيادة أو الحزب أو فشل الجماعية في توفير التغذية والاحتياجات الأساسية، وقمع الدين أو استهداف القوى المؤيدة لاقتصاد السوق والتي ليست في خدمة النخبة الحاكمة – هذه الأمور يجب أن تنتهي، ولابد من اعادة الحرية للسجناء الباقين، بمن فيهم جروس، والتعبير عن رأيهم .
وطالما أن الأمر يتعلق بالسجناء في كوبا، فعلى أميركا أيضا تنظر في أمر خليج جوانتانامو. معتقل جوانتانامو صار أبعد من مجرد أمر مزعج الحرج. انه نفاق واضح ، وهراوة تستخدم من قبل دول أخرى لضربنا بسبب موقفنا الأخلاقي في مجال حقوق الإنسان. فالمعتقلون في جوانتانامو متهمون بالانتماء لتنظيم القاعدة والإرهاب ، وهي تهمة أكثر خطورة من السجناء السياسيين في كوبا. فهم ليسوا سواء وليس هناك مقارنة. ولكن الشيء الوحيد الذي يبرز باعتباره استثناءا في سجل الأداء الأميركي في حقوق الإنسان هي الممارسة المظلمة السابقة لأساليب الاستجواب " المعززة" في جزيرة كوبا. هذه الممارسة لم تكن مجرد خطأ . بل كانت تعذيبا.
لقد اعاد الرئيس باراك أوباما الزام نفسه مجددا خلال خطاب حالة الاتحاد لهذا العام باغلاق سجن جوانتانامو. لقد حان الوقت لاغلاق هذا الفصل المظلم في التاريخ الأميركي خارج نطاق القضاء ودفن بقايا النقاش حول التعذيب. السيناتور الاميركي جون ماكين، وهو أسير حرب سابق في فيتنام، سيكون الشخص المثالي للسفر إلى كوبا واغلاق السجن، والتأكد من نقل السجناء إلى دول أخرى أو، إذا كان ذلك ممكنا ، إدخالهم في منظومة القضاء الأميركي .
هذا الاقتراح ليس حلا تبادليا، ولكن التماثل والرمزية في الإجراءات يمكن أن تدخل كوبا مرة أخرى إلى مجتمع الأمم التي تحترم حقوق الإنسان، وتحول جرح أميركا المفتوح إلى ندبة يمكن أن تتلاشى في نهاية المطاف.

ماركوس كونالاكيس
زميل زائر بمؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد الأميركية
خدمة ام سي تي – خاص بالوطن