تعرفت على علي الزويدي ليس في نزوى حيث نشأ وتعلم في المدرسة أو في مسقط حيث عمل واستقر، وليس عبر كتاباته في الصحف أو المنتديات الإلكترونية. وإنما تعرفت عليه بعيدا عن الوطن، في الولايات المتحدة الأميركية في فلوريدا، أثناء الدراسة الجامعية بعد انتقالي من ولاية كاليفورنيا سانديجو، إلى فلوريدا، حيث التقيته هناك، ولابد من سرد أولا كيف انتقلت من كاليفورنيا إلى فلوريدا في أقل من سنة.
بداية اتفقنا نحن تسعة من الأصدقاء بعد تخرجنا من الثانويه العامة على الذهاب إلى أميركا وبالتحديد إلى ولاية كاليفورنيا، من أجل الدراسة الجامعية، بعضنا على حسابه الخاص والبعض الآخرعلى حساب البعثات الدراسية، وكان معظمنا ممن درس في مدرسة السلطان الخاصة بالسيب .
وصلنا إلى الولايات المتحدة الأميركية والتحقنا بالدراسة هناك، وبعد فترة وجيزة أدركت تعذر الدراسة في هذه الأجواء التي كنا فيها، فقد كنت ألتقي بالأصدقاء في عمان مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع وصرت ألتقي بهولاء الأصدقاء التسعة في أميركا يوميا صباحا ومساء، نذهب إلى الجامعة معا ونتغدى معا، ونجلس في شقة احدنا يوميا معا، ونذهب للسهر في الاجازات الاسبوعيه سويا، حتى اننا اجرنا حافلة للتنقل معا.
وفي كل يوم تجمعات وجلسات وطبخ كبسات ومزاح وضحك، وانتبهت قبل فوات الاوان لهذا الوضع غير المناسب برغم ما فيه من راحه وانبساط وكأننا في رحله استجماميه. ولـكن من جاء للدراسة والاستفادة من العلم واللغة في ارقى دولة في العالم، فلن يستفد شيئا على هذا النهج، ولن يستطيع فيما بعد ان يخدم وطنه ونفسه بما تعلمه لانه لم يتعلم شيئا.
صحا الاصدقاء التسعه صباحا ليجدوني غير موجود ، فقد ملأت سيارتي بأغراضي ورحلت من ولاية كاليفورنيا الى ولاية فلوريدا ولم ابلغ احدا منهم الا شخصا واحدا عن وجهتي حتى لا يؤثروا على ما عزمت عليه من رحيل عنهم. اربعة ايام متواصله قضيتها في الطريق الى فلوريدا من التاسعه صباحا الى التاسعه مساء وعندما يأتي المساء في هذا الوقت ابحث عن اقرب فندق للعشاء والنوم ، حتى ابدأ الترحال من جديد في التاسعه صباحا من اليوم التالي.
وصلت الى فلوريدا هذه الولايه التي لا اعرف بها أحدا، والتحقت بالجامعه التى حصلت على قبول للدراسة فيها. وبدأت أتعرف على زملاء من الأميركيين والأميركيات وتعرفت على المجتمع الأميركي من خلالهم وكذلك تعرفت على زميل إماراتي يدرس معي في نفس الجامعه والتخصص، وكنت ازوره احيانا في منزله وكان علي الزويدي يقيم معه في نفس المسكن، وهذا شيء متبع بين الطلبه الجامعيين في الغربة، يتشاركون الإقامة في منزل واحد للتوفير في المصاريف.
ووجدت علي الزويدي شخصية هادئة لطيفة، صوته خافت إذا تكلم وضحكته غير صاخبة إذا ضحك، يبتسم في معظم الاحيان، ويهوى الحوار والمناقشة في الشئون العامة.
وصرنا نلتقي نحن الثلاثه بين وقت وآخر، مع التركيز في حياتنا في اميركا على التحصيل الدراسي الذي جئنا من اجله والذي يعد فرصة كبيره لم تتوفر للكثير.
وكان علي الزويدي يدرس في الجامعة المجاورة لجامعتنا في مجال هندسة الطيران، بينما كنت أدرس في مجال العلوم السياسية، وبعد انتهاء المرحلة الجامعية وعودتنا الى البلاد، عمل علي الزويدي في الطيران المدني العماني وكان قدري أن أعمل في وزارة الإعلام. وبعد الالتحاق بالوظيفة الحكومية استمرت لقاءاتنا في عمان بين وقت وآخر.
وكأي شاب عماني يبدأ حياته العملية في ذاك الوقت، أتى علي الزويدي من نزوى للعمل في مسقط، واستأجر شقة صغيرة متواضعة في السيب، وقد زرته هناك ووجدت الأوراق والكتب متناثره في أرجاء الشقة، يقضي معظم وقته في القراءه والاطلاع، حتى انه ابلغني بأنه احيانا يبقى في شقته لأسبوعين دون ان يخرج منها الا الى العمل والعوده اليها. ولم نكن نعرف في ذاك الوقت أي شيء عن الكتابة وهمومها ولم نكن بدأنا خطواتنا الاولى في دروبها بعد، الى ان بدأت ارى مقالات المهندس علي الزويدي تظهر في الصحافة المحلية بجريدة عمان في بداية التسعينات وألهمتني مواظبته على الكتابة واستمراريته في طرح المواضيع الهامة على المشاركة انا ايضا في الكتابة عبر بريد القراء ولكن باسم مستعار بقصد التدرب على كتابة المقالات الصحفية والتطور الثقافي الذاتي.
كان المهندس علي الزويدي من الاشخاص القلائل الذين اخبرتهم عن كتاباتي في الجريدة وكنا نتواصل هاتفيا لنتحاور حول بعض المقالات المطروحة في الصحافة المحلية في نفس يوم صدورها ومناقشة ردات فعل القراء المتوقعة حيالها.
لم ينقطع تواصلنا انا والمهندس علي الزويدي، فكان يزورني في البيت والمكتب واحيانا نخرج معا لمطعم او مقهى. وذات مرة اخبرني عن معاناته في البحث عن الزوجه المناسبة ليبدأ حياته الأسرية معها، الى ان توفق في الزواج من فتاة بحرينية وهي التي اصبحت أم أولاده. ومع الوقت كون علي الزويدي نفسه وبنى بيتا في الحيل على مقربة من برج الصحوة. وأول شخص أرى لديه (لاب توب) هو المهندس علي الزويدي وكان يخزن فيه الصور الشخصية والأفلام والبيانات والمعلومات. وبدأ علي الزويدي يكتب في المنتديات الإلكترونية في سبلة العرب التي أصبحت سبلة عمان وكان يكتب تحت اسم بن دارس، وانقطع بذلك شيئا فشيئا عن الكتابة في الصحافة المحلية. لأنه كان يعتقد بأن عالم الإنترنت عالم أرحب ويستطيع أن يقول ما يريده حتى ولو وقع في المتاعب جراء ذلك.
كان علي الزويدي ذلك الحالم بعالم أفضل، المهموم دائما بقضايا الوطن، ولم يكن يسعى لشهرة أو منصب أو مال، كل ما كان يريده ان يقول كلمته، يكتب ما يؤمن به ثم يمضي.
شارك المهندس علي الزويدي ضمن الهيئة التأسيسية للجمعية العمانية للكتاب والأدباء بعد أن عرف بأني في رئاسة هذه الهيئة، وبذل جهدا كبيرا ضمن الهيئة التأسيسية للحصول على الاعتراف الرسمي لهذه الجمعية، وقد واجهتنا مصاعب في هذا المجال وانما تم الاعلان عن الاشهار الرسمي للجمعيه في 2006 ، عام مسقط عاصمة الثقافة العربية، وأقيم احتفال تدشين كبير، وكان المهندس علي يشرف على هذا الحفل ضمن بعض أعضاء مجلس الإدارة، وكان سعيدا جدا لإشهار الجمعية. وقمت برئاسة الجمعية بعد اشهارها مباشرة كأول رئيس للجمعية العمانيه للكتاب والأدباء بالإضافة إلى أعضاء مجلس الاداره الذي كان علي الزويدي من ضمنهم. وبقينا في ادارة المجلس فترة معينة الى ان تم اتاحة المجال للاخرين لمواصلة المشوار الذي أسسناه وبدأناه. بعد هذه المرحله لم ننقطع انا والمهندس علي الزويدي عن التواصل وانما استمرت لقاءاتنا بين وقت واخر ولو على فترات متباعده، إلى ان حصل البعاد الاخير حين وافته المنية التي لا مهرب منها لكل حي عاجلا ام آجلا ، و" كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ".
رحل عنا المهندس علي الزويدي مبكرا ونحن لا نشعر بقيمة الأشخاص بيننا إلا عند رحيلهم . رحم الله علي الزويدي وأسكنه فسيح جناته.


نمير بن سالم آل سعيد