الوطن ـ (المنامة):
فيما دعى اتحاد غرف دول مجلس التعاون إلى انتقال مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة جديدة من العطاء والإنجاز لخدمة مسيرة العمل الاقتصادي الخليجي المشترك خاصة بظل التحديات التي يواجهها وفي مقدمتها تراجع الإيرادات النفطية، ركز لاجتماع الخير لوزراء المالية الخليجيين على دراسة تعميق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس من خلال تقييم الوضع الراهن للتكامل الاقتصادي بين دول التعاون والمطلوب لتعميقه، وتم تكليف عدد من اللجان لدراسة هذا الأمر.
وأدت التطورات الإيجابية الناجمة عن تطبيق الاتحاد الجمركي إلى تحقيق نتائج اقتصادية مهمة على مجلس التعاون، حيث شهدت التجارة البينية لدول المجلس زيادات متتالية بلغ حجمها نحو 121 مليار دولار في العام 2013 بمعدل نمو بلغ 37 بالمائة عن عام 2012. كما أدى تزايد دور السوق الخليجية المشتركة بدول المجلس إلى تحقيق نتائج إيجابية يستشعرها المواطنون الخليجيون، حيث زاد عدد المواطنين الخليجيين الذين تنقلوا بين دول المجلس خلال الفترة من 1995 و2013 من 4،5 مليون إلى أكثر من 18 مليونا. كما تظهر الأرقام بأن هناك زيادات متتالية في عدد المواطنين الذين يستفيدون من العمل في القطاع الأهلي إذ ارتفع عددهم من نحو 12 ألفا إلى نحو 17 ألف موظف في القطاع الأهلي خلال الفترة من 2002 إلى 2013 وفي القطاع الحكومي زاد عددهم من 10 آلاف موظف إلى 18 ألف موظف خلال الفترة من 2000 إلى 2013.

كما شهدت السنوات الماضية تزايدا ملحوظا في عدد المستفيدين من قرارات السماح بفتح فروع للشركات الخليجية حيث بلغ عدد التراخيص الممنوحة لمواطني دول المجلس لممارسة الأنشطة الاقتصادية أكثر من 40 ألف رخصة وفق إحصاءات عام 2013 بينما بلغ تملك مواطني دول المجلس للعقار في الدول الأعضاء أكثر من 20 ألف حالة تملك، وارتفع عدد الشركات المسموح بتداول أسهمها لمواطني دول المجلس إلى أكثر من 600 شركة مساهمة برأسمال بلغ نحو 226 مليار دولار فيما بلغ عدد المساهمين الخليجيين في هذه الشركات نحو 290 ألف مساهم.
وبضوء هذه النتائج الايجابية يدعو خبراء لتصعيد وتيرة التعاون والتكامل الاقتصادي الخليجي حيث إن دول مجلس التعاون هي تكتل اقتصادي واحد، وانخفاض أسعار النفط يؤثر على كافة دول الخليج، ولكنه ليس نهاية المطاف، مؤكدين أن دول المجلس لديها من الخبرة الكافية للتعامل مع تذبذب أسعار النفط ارتفاعا وانخفاضا، وقد تكيفت على هذه التقلبات، خاصة أنها تمتلك البدائل الكافية، فضلا عن طرق المعالجة.
وفي ظل فرضيات أسعار النفط الحالية، سوف تنخفض إيرادات صادرات النفط المتوقعة في 2015 بمبلغ قدره 287 مليار دولار (21% من اجمالي الناتج المحلي) في دول مجلس التعاون الخليجي و90 مليار دولار ( من إجمالي الناتج المحلي) في البلدان غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وسوف يؤدي تراجع أسعار النفط إلى تحول فائض الحساب الجاري منذ فترة طويلة في البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى عجز يبلغ 22 مليار دولار (%1 من إجمالي الناتج المحلي) في 2015.
علاوة على التطورات السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية المتوترة واستمرار تداعيات الأزمة العالمية وتراجع إيرادات النفط، يرى هؤلاء ان اقتصاديات دول مجلس التعاون تشهد في الوقت الحاضر بيئة اقليمية ودولية متغيرة. فعلى الصعيد الدولي ازداد ترابط اقتصاديات دول العالم مع تسارع وتيرة العولمة وما يتصل بها من تعاظم اهمية قطاع الاتصالات والمواصلات من ناحية، وظهور منظمة التجارة العالمية وانضمام معظم دول العالم اليها وما سيترتب على ذلك من تراجع الحواجز الجمركية وغير الجمركية وانفتاح اسواق اقتصاديات العالم بعضها على البعض الآخر.
اما على الصعيد الاقليمي، فإن هناك سعيا ومحاولات تبذل لإنشاء سوق خليجية موحدة. وهناك جهود دؤوبة لتذليل عقبات تطبيق الاتفاقية الاقتصادية الموحدة على الرغم من ان الجغرافيا الخليجية تشكل الإطار الموضوعي المناسب لسوق خليجية اقتصادية مزدهرة.
ان حركة ما تسمى بالعولمة الاقتصادية ما زالت حتى الآن تتسم بطابع التكتلات الاقليمية. وعليه، اصبحت الدول الاقتصادية المتشابهة في هياكل اقتصادياتها تدخل في روابط اقتصادية متينة على غير ما كانت تشير اليه نظريات اقتصاديات التجارة التقليدية الى اهمية اختلاف الهياكل الاقتصادية لتحقيق الروابط الاقتصادية والتجارية.

ولكن يبدو انه ما تزال هناك قناعات في بعض اوساط القطاع الخاص او القطاع العام لم تتبلور بوضوح حول الاهمية الاقتصادية الكبيرة للسوق الخليجية الموحدة. وربما يرجع عدم تبلور هذه القناعات الى عدم المعرفة الواضحة بالمترتبات الاقتصادية المستقبلية التي ستنتج عن تلك السوق على اقتصاديات كل دولة على حده وخاصة ما يتصل بمستقبل مؤسسات القطاع الخاص . وكذلك، فإن عدم هذا الوضوح يرجع الى عدم الاستعداد الكافي او عدم وجود الرؤى الاقتصادية الواضحة حول كيفية التعامل وخاصة لمؤسسات القطاع الخاص في حالة ظهور السوق الخليجية الموحدة. وما ترتب على ذلك من حالات الانتظار والترقب لأدوار نشطة من قبل المؤسسات والاجهزة العامة للدول تجاه ما يمكن ان تتخذه من إجراءات إدارية او قانونية وما قد يترتب على ذلك من تطورات سيتم التعامل معها في حينها بالشكل المناسب . ولكن الترقب والانتظار لن يؤدي الا لرفع التكلفة في اعادة هيكلة هذه المؤسسات او ربما القطاعات الاقتصادية وربما تكون فرص اعادة الهيكلة قد اصبحت من الصعوبة القيام بها.

لذلك لا بد للاقتصاديات الخليجية وتجاه المستجدات الاقتصادية الجديدة من المزيد من تعميق الروابط الاقتصادية بينها لحماية برامج النمو من تداعيات الصدمات الخارجية المتكررة.