تناولت في أعداد سابقة أهمية الخليج العربي، وحرص القوى الاستعمارية الأوروبية على استثمار تلك الأهمية في خدمة مصالحها الاستعمارية، وبدأت في استعراض أبرز القوى المحلية التي كان لها دور مؤثر في المنطقة قبل عام 1763م، وهو العام الذي تأسست فيه شركة الهند الشرقية الإنجليزية، والتي كانت من أهم محطات الاستعماري الأوروبي في منطقة الخليج، وتطرقت إلى مايتعلق بالقواسم وبنو ياس وبنو خالد، ونواصل في هذا العدد ذكر بقية القوى المحلية.
رابعا: العتوب
يوجد خلاف بين المصادر في تحديد الوطن الأصلي للعتوب، فبعضهم يرجعه إلى وسط الجزيرة العربية، في حين نجد بعض المصادر الأخرى تنسبهم إلى نجران أو حمير، ويذكر المؤرخ الكويتي عبد العزيز الرشيد أن هناك إهانات لحقت بهم في وسط الجزيرة، لذلك إرتحلوا من بلادهم سعياً وراء الإستقرار والاستقلال. ويذكر لوريمر حسب رواية نقلها من بعض شيوخ آل صباح، أن أجدادهم جاءوا إلى الكويت بعد أن طردهم العثمانيون من أم قصر على خور الزبير، وهو مكان قديم كانوا يتخذونه لقطع الطرق على القوافل المتجهة إلى البصرة أو القادمة منها، وكذلك لممارسة نشاطهم البحري ضد السفن العابرة في شط العرب1. ويذكر الشيخ القناعي، يوسف بن عيسى أن أول من سكن الكويت قبل آل صباح لفيف من البدو وصيادي السمك، ثم آل صباح وآل خليفة وآل زايد والجلاهمة والمعاودة، حيث نزل هؤلاء الكويت بعد إذن من أمير بني خالد الذي امتد حكمه من 1669م، حتى وفاته في عام 1682م، وكانت هجرتهم إلى الكويت على موجات متفرقة لأنهم حين تركوا قطر تفرقوا في البلاد، فمنهم من سكن مناطق في فارس، ومنهم من سكن ميناء قيس2، ومنهم من سكن الصيبة، ومنهم من سكن عبادان والمحراق، ثم أخذوا يتوافدون على الكويت، وتبعهم خلق كثير من عرب وعجم3.
وآل الصباح هم من جميلة بضم الجيم، ثم من الشلان، من فصائل قبيلة عنزة، وقد سموا بآل صباح نسبة إلى الشيخ صباح الأول بن جابر بن سليمان بن أحمد، قدموا إلى الكويت بعد الخلاف الذي حدث بينهم وبين أبناء عمومتهم في عنزة، مما أجبرهم على الخروج واللجوء إلى آل مسلم في قطر، والذين أجبروهم على الخروج من قطر بعد أن توجسوا منهم خيفة، وحدثت معركة بين الطرفين، انتصر فيها الجميليين، وبعد ذلك نزلوا في جنوب أراضي الكويت في منطقة تسمى قرين، ثم تفرقوا منها عام 1714م، إلى أن وصلوا في النهاية إلى موقع مدينة الكويت الحالية، وسكنوها بعد أن استأذنوا أمير بني خالد، فأذن لهم واستقروا بها4.
وظل تاريخ البحرين5 على امتداد القرن الثامن عشر حافلا بالاضطرابات، ومن غير المعروف من كان يحكم الجزيرة في مطلع ذلك القرن، فربما كانت خاضعة للفرس الذين تمكنوا من طرد البرتغاليين منها سنة 1602م، أو ربما كان عرب الأحساء على الطرف المقابل من الأرض الأم هم الحكام، ومن عام 1718م استولى الإمام اليعربي سلطان بن سيف الثاني على الجزيرة6، ولكنه لم يستمر فيها، فقد عادت إلى الفرس في عهد نادر شاه، وفي منتصف القرن انتقلت السيطرة إلى عرب الهولة7.
أما آل خليفة فقد تمكنوا من دخول البحرين والسيطرة عليها بعد أن هزموا قوات الشيخ نصر آل مذكور، الذين كانوا يسيطرون على البحرين، فنجح آل خليفة في اجلائهم نهائيا بمعاونة أبناء عمومتهم من آل صباح والجلاهمة.8.
بينما نزل الجلاهمة الكويت واقتسموا مع آل الصباح وآل خليفة أمور السلطة فيها، فكان للجلاهمة شؤون البحر، على أن انفراط عقد تحالف العتوب على أثر أزمة كعب بن عامر عند منتصف الستينيات من القرن الثامن عشر، بخروج جماعة آل خليفة من الكويت إلى الزيارة بقطر، وضع جماعتي آل صباح والجلاهمة في ظروف اقتصادية صعبة، شعرت معها "جماعة الجلاهمة" بعدم استطاعتها البقاء في الكويت فغادرتها واتجهت نحو الزيارة، حيث رحب آل خليفة ببني عمومتهم، في وقت كانوا يتطلعون فيه إلى بسط نفوذهم على البحرين.
غير أن الخلاف سرعان ما دب بين الجماعتين بسبب قلة المخصصات التي كان يحصل عليها "الجلاهمة" من بني عمومتهم، فتركوا الزيارة واتجهوا شمالاً إلى منطقة تعرف بالرويس، حيث عملوا على إعداد سفن لهم، وأخذوا يشنون غاراتهم على ممتلكات آل خليفة، الذي اضطروا بدورهم إلى الاستعانة بالمرتزقة لوضع حد لأعمال الجلاهمة. وقد أسفر النزاع المسلح بين الجماعتين عن مقتل "جابر بن عتوبي" شيخ الجلاهمة9.

هوامش :

1 - يتكون شط العرب من التقاء نهر دجلة والفرات عند قرية القرنة في العراق، ويعتبر النهر الوحيد الصالح للملاحة والذي يتصل بالخليج ويحمل إليه كل مياه صرف العراق العثماني، وكذلك جزءا كبيرا من مياه الصرف في عربستان الفارسية، ومن أهم روافده السويب او الشويب والقارون، وليس به جزر تستحق الذكر. انظر: لوريمر، ج. ج: مرجع سابق، القسم الجغرافي، ج 1، ص 121 – 122.
2 - قيس: جزيرة تقع على بعد 11 ميلا من الساحل الفارسي للخليج، يسميها الفرس كيش، وهي تقع بالقرب من مدخل الخليج العربي، سماها الملاح العربي المشهور ابن ماجد باسم "جزيرة الملوك"، وكانت تحمل أهمية تجارية، وقد سيطرت على مرور المراكب في الخليج العربي فترة من الزمن بعد سيراف، وقد نشب صراع طويل بين قيس وسلطنة هرمز، انتصرت فيه هرمز وقضت نهائيا على قوة قيس وألحقتها بها. انظر: ويلسون: الخليج العربي، ص 173.
3 - لوريمر، ج. ج: مرجع سابق، القسم التاريخي، ج 3، ص 1918؛ الرشيد، عبدالعزيز: تاريخ الكويت، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1978م، ص 40؛ القناعي، يوسف بن عيسى: مرجع سابق، ص 9.
4 - خزعل، حسين خلف: تاريخ الكويت السياسي، ج 1، دار ومكتبة الهلال، 1962م، ص 40 - 42.
5 - كان يطلق على البحرين قديما اسم (أوال)، وكانت أول في العصور الإسلامية جزيرة منتجة زراعيا، وكان اصطلاح كلمة البحرين يشمل قطر وواحات القطيف والحسا، كما يشمل جزر الأرخبيل البحريني، وبعض المراجع ترجح بأنها تشمل الجانب الغربي من رؤوس الجبال إلى مصب شط العرب، وتشتهر بمصائد اللؤلؤ، وقد وصفها القائد البرتغالي البوكيرك بأنها تتميز بكونها مكانا كبيرا لتربية الخيول، وأيضا لانتاج الشعير وأنواع الفواكه. انظر: لوريمر، ج. ج: مرجع سابق، القسم التاريخي، ج 1، ص 263، ص 304- 306؛ بطي، عبيد علي: مرجع سابق، ص 124.
6 - سلطان بن سيف الثاني: بويع بالإمامة بعد وفاة والده الإمام سيف بن سلطان في شهر رمضان سنة 1123هـ / أكتوبر 1711م، بنى حصن الحزم الذي يعتبر من أضخم الحصون في عمان، وعندما توفي في جمادى الآخرة عام 1131 هـ / مايو عام 1718م، وقع الخلاف بين اليعاربة مابين مؤيد لتولي ابنه سيف الإمامة والذي لم يبلغ الحلم، ومابين مؤيدي أخيه المهنا، وهو الخلاف الذي ظهر على أثره الصراع الهناوي الغافري في عمان. انظر: السالمي، عبدالله بن حميد: تحفة الأعيان، ج 2، ص 117-121.
7 - كيلي، جون بي، جون بي: بريطانيا والخليج 1795– 1870، ترجمة محمد أمين عبدالله، وزارة التراث القومي والثقافة، ج 1، مسقط، 1979، ص 50.
8 - طهبوب، فائق حمدي: تاريخ البحرين السياسي، منشورات ذات السلاسل، الكويت، 1983م، ص 34- 51.
9 - الخصوصي، بدر الدين عباس: دراسات في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ج 1، ط 1، منشورات ذات السلاسل، الكويت 1408هـ - 1996م، ص117.

محمد بن حمد الشعيلي
أكاديمي في الجامعة العربية المفتوحة
[email protected]