[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
”اليوم تتعرض شعوب الإقليم المغاربي إلى عملية مدبرة من الاختراق الاستعماري التوسعي أداتها بذر الفتنة وزرع التفرقة بين شعوبنا والتمهيد إلى الاستيلاء الناعم على خيارات دولنا تحت شعارات زائفة تجدد الفكر الأيديولوجي الصليبي والصهيوني المزدوج الذي يخطط له "خبراء اليمين العنصري المتطرف" والسياسيون المحترفون لدى الغرب والخدم الأوفياء للوبيات حاقدة وذات مطامع ونهم.”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سعدت بسماع تعليق الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي هذا الأسبوع على محاولات بعض اللوبيات تعكير العلاقات الأخوية القوية بين تونس والجزائر وهو صوت حزم من رجل دولة واع بالخزعبلات الإقليمية والعالمية التي تستهدف إقليمنا بأسره بدق إسفين الفتنة. فبالرغم من أن محاولة توحيد شعوب المغرب العربي الخمس (ليبيا تونس الجزائر المملكة المغربية موريتانيا) فشلت سنة 1989 منذ ولادة الاتحاد المغاربي على أيدي زعماء ذلك الزمن وبالرغم من أن العواصف الهوجاء زلزلت شعوبه وأضعفت دوله أو أربكتها منذ ما سمي بالربيع العربي منذ 2011 فإن هذا الإقليم يقع جغرافيا وتاريخيا في قلب ثلاث قارات جاورتها الأيام والمحن وهي أوروبا وإفريقيا وآسيا مما يضع الإقليم المغاربي أيضا في قلب التحولات الكبرى على مستوى السياسة والحضارة ومما يجعله كذلك هدفا لكل المطامع الأجنبية والتدخلات الاستعمارية والمخاطر الإقليمية في لعبة الأمم الجديدة. فالمغرب العربي بسبب منزلته الاستراتيجية الحاسمة وثرواته الباطنة والظاهرة سيبقى محور الصراعات المعلنة والخفية بين العمالقة والمتعملقين لأنه البوابة الرئيسية لمناطق الأزمات والثروات معا إلى جانب حدوده البحرية مع الغرب وحدوده الصحراوية مع القارة الافريقية التي تشكل حسب اتفاق الخبراء مستقبل الإنسانية في الطاقة والمعادن والغذاء والمياه.
وحين نقرأ كتب التاريخ من ثلاثة الاف عام ندرك أن قدر هذه الشعوب هو أن تتوحد وتتفاعل فقد كانت بالفعل أمة مغاربية واحدة منذ العصر الفينيقي وأبطاله الذين قهروا روما وسادوا البحر الأبيض المتوسط وهم أبطال مغاربيون أمثال حنبعل وأميلكار ومنذ العهد الروماني بعده وعاصمته قرطاج سيدة البحر، كما اشترك المغاربيون في كتابة تاريخ البربر الأوائل من عهد الكاهنة إلى عهد ماسينيسا إلى أن جاء الفتح الإسلامي المبارك وأسس مدينة القيروان عاصمة مملكة إفريقية التي أعطت اسمها إلى كل القارة الإفريقية وانطلقت فتوحات القيروان الإسلامية المغاربية إلى الأندلس وإلى جنوب أوروبا وإلى القارة السمراء فأنشأت حضارة تدين بالإسلام وتنشره بالحكمة والموعظة الحسنة وإشاعة السلام والعلم وتأسست بيت الحكمة في القيروان منارة للطب والصيدلة والفلك والجغرافيا والرياضيات والقضاء. هذا هو الأساس العتيد الذي أقيم عليه الإقليم المغاربي متماسكا متينا صلبا يجمع شعوبه في وحدة صماء اشتركت في مقاومة الغزاة والصليبيين والمستعمرين من الهمجية القادمة آنذاك من بلاد الفرنجة كما اشتركت في تحرير الأرض المغاربية من مطامع الهيمنة والابتلاع ومحق الهوية تحت شعارات "تمديننا وإلحاقنا بقشور الغرب"!
اليوم تتعرض شعوب الإقليم المغاربي إلى عملية مدبرة من الاختراق الاستعماري التوسعي أداتها بذر الفتنة وزرع التفرقة بين شعوبنا والتمهيد إلى الاستيلاء الناعم على خيرات دولنا تحت شعارات زائفة تجدد الفكر الأيديولوجي الصليبي والصهيوني المزدوج الذي يخطط له "خبراء اليمين العنصري المتطرف" والسياسيون المحترفون لدى الغرب والخدم الأوفياء للوبيات حاقدة وذات مطامع ونهم. وآخر هذه الأسافين التي حاول أن يدقها بين أبناء الإقليم المغاربي ما صدر عن الرئيس السابق لفرنسا (نيكولا ساركوزي) من تصريح خارج عن كل السياقات الدبلوماسية والأعراف السياسية حينما زار تونس وقال في تصريح صحفي ما معناه أن تونس تعاني من قدر جوارها لأنها تقع حسب رأيه بين الجزائر وليبيا وظهر الرجل بمظهر المتأسف على جوار تونس والمشفق على الشعب التونسي ليصل إلى الاستنتاج الذي هندسه له مستشاروه وهو قوله بأن كل الأزمات التونسية والمغاربية سوف تحل وتنفرج في إطار اتحاد البحر الأبيض المتوسط! وهنا مربط (كدت أقول الفرس... بل مربط الحمار في هذا السياق) وتحليلي المتواضع كراصد ميداني للسياسات الأوروبية والفرنسية تحديدا هو أن ساركوزي صاحب الطموحات المتجددة في العودة لقصر الإيليزيه وصديق إسرائيل والليبرالي الذي كان أول مرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية يستعمل نفس أساليب اليمين المتطرف والجبهة الوطنية العنصرية لكسب أصوات الناخب الفرنسي محدود الثقافة حين أثار في الرأي العام الفرنسي خوفا من الشباب الفرنسي ذي الأصول العربية المسلمة وطالب بكنسهم بالة ضخ الماء بقوة (الكارشير) مثلما تكنس النفايات ومن موقعه كرئيس أيضا لم يكف عن إتخاذ الإجراءات لتوسيع ظاهرة الإسلاموفوبيا وتعكير مناخ اجتماعي فرنسي سليم تعايشت صلبه كافة الأعراق والأديان وهو من منظور موضوعي لم يقدم عليه أي مرشح قبله لا من اليمين ولا من اليسار بل تمسك جميع السياسيين الجادين بما يسمونه روح الجمهورية أي التعلق الكامل بدستور فرنسا وتقاليدها وقيمها الجمهورية الشهيرة من حرية ومساواة وأخوة. ونذكر أن ساركوزي في نهاية عهدته الرئاسية أطلق مبادرته بإنشاء اتحاد البحر الأبيض المتوسط يجمع بين كل الدول المطلة على هذا البحر وبالطبع بما فيها إسرائيل بل الغاية الأولى كانت كسر عزلة الدولة العبرية رغم احتلالها للأراضي العربية وهي مدانة من مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة بأكثر من خمسين قرارا لم يطبق منها بند واحد! ولم تحظ هذه المبادرة بأي قبول أو تفهم لذلك السبب ولأن الجزائر طالبت عديد المرات رؤساء الجمهورية الفرنسية بمجرد الاعتذار عن 130 سنة من الاحتلال الرهيب والإبادة الممنهجة التي فاقت المليون ونصف المليون شهيدا منذ أحراق قرى كاملة وقبائل مدنية بأسرها إلى تعذيب المقاومين وقتلهم تحت التعذيب باعتراف موثق من الجنرالات (ماسو) و (أوساريس) و (بوجو) و(سالان) ثم صدر قانون 31 يوليو 1968 ليمنح هؤلاء الجلادين عفوا تشريعيا عاما شاملا عما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية في الجزائر ثم لا تنس أيها القارئ الكريم تجارب فرنسا لقنبلتها النووية في قلب الصحراء الجزائرية منذ 1958 واستعمال المواطنين الجزائرين كفئران مخابر لدراسة الإشعاعات الذرية وما خلفته هذه الجريمة من ضحايا مشوهين إلى اليوم! الخلاصة والعبرة كما قال الرئيس الباجي هي أن وحدة التاريخ ووحدة المصير في المغرب العرب العربي أقوى من مؤامرات اللوبيات المشبوهة.