[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
هل طرأ شيء جديد على ماهية وحجم مخاوفنا من مجموعة إكراهات داخلية وخارجية أم هي نفسها التي كانت سابقا - وقد تناولناها في مقالات سابقة؟ وإذا كانت هناك مستجدات، فهل تلتقي الرؤى المستقلة والحكومية أم أن سمة الاختلاف والخلاف لا تزال قائمة ؟ تتضح لنا الآن خارطة الاكراهات الداخلية والخارجية بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ولا خلاف ولا حتى اختلاف بين المتأملين فيها ـ فوقيا وتحتيا ـ إذا ما استندوا لمعايير الموضوعية والشفافية والمهنية التي تجرد الرؤية والتحليل من العواطف والمجاملات السياسية والخلفيات الثيولوجية (الدينية)، شريطة تبني التحليل المقارن لحقبتين زمنيتين مرت بها بهما بلادنا في عصرها الذهبي الحديث، وربطهما بالمستقبل، وهما، حقبة ما قبل عام 2011، وحقبة ما بعد هذا العام، عندها ستلقي الرؤى عند تحديد خارطة بالمخاوف التي سوف تشغل البلاد والعباد مستقبلا ، لكنها قد تختلف حول أولوياتها أي تراتبياتها.
ومن منظور التأكيد مجددا على مسألة جوهرية، نقول أن الاختلاف سيكون مرده عدم الأخذ بتلك المعايير، عندها ستبدو للمتأمل السياسي السلطوي الاكراهات الخارجية أكثر استدعاء من نظيراتها الداخلية رغم نجاح معركتنا الدبلوماسية على الصعيد الخارجي، فقوى التطرف والإرهاب تهدد الوجود الخليجي، دولا وشعوبا ـ كداعش وأخواتها مثلا ، وهي على مشارف حدود بلادنا الجنوبية، غير تلك التي تظهر بألوان بيضاء لكنها مبطنة باللون الأحمر، وهي متواجدة في عدة دول عربية ، وتلكم المخاوف حقيقية ، لكن درجة قلقنا منها ليس بتلك الدرجة المرتفعة والمقلقة لكثير من دول المنطقة، لسبب واحد، وهي القوة الاحترافية والردعية لمؤسسات بلادنا العسكرية والأمنية، وتجربتها التاريخية في مجال تأسيس الأمن والاستقرار وديمومته من جهة وتناغم منظومتها الأمنية والعسكرية وانسجامها في ظل وحدة سلطتها من جهة ثانية، وقوة شعبيتها الداخلية، والثقة التي تحضي بها في مجال تأدية واجباتها الوطنية، من هنا، لن يحملنا القلق إلى رفع درجة مخاوفنا الى مستوى الفوضى التي تحدث للأسف في بعض الدول أو تلك المتوقعة في أخرى، وإنما الماهية المتوقعة للمخاوف سوف تكون في العمل الفردي الطائش والانعزالي حتى لو لم تكن بلادنا مستهدفة في حد ذاتها، فجغرافيتنا السياسية تفرض علينا الآن إكراهات القاعدة وداعش ومستقبل تداعيات التدخلات الإقليمية في الشأن اليمني، والصراع الخليجي الخليجي المباشر وبالوكالة على الأراضي اليمنية المجاورة لبوابتنا الجنوبية، فأبرز الجماعات الإرهابية قد أصبحت تتخذ من المناطق اليمنية الجنوبية مقرا لها، كما يتم تشكيل قوة يمنية جديدة على الحدود بفكر إيديولوجي مضاد لفكر إيديولوجي إقليمي متجذر، ويبدو لنا المشهد، وكأن اليمن الشقيق سيكون محكوم إقليميا صراع ثلاثة أفكار إيديولوجية متأصل فيها العداء، كما تبدو جغرافيتنا الخليجية الخليجية على أعتاب حرب مذهبية بالوكالة تنم عن رؤية سياسية غير مدركة بحجم المخاوف الناجمة عن التحولات الإقليمية العالمية الجديدة بعد الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الكبرى، ولا عن سيطرة قوتين إقليميتين أحدهما وراءها دولة (..) والأخرى وراءها جماعات إرهابية دموية على المشهد في المنطقة، وتهددان فعلا الوجود الخليجي بالتدرج، ولو ركز التحليل غير المجرد عليها فسوف يدرجها في صدارة هرم المخاوف دون غيرها، وهذا ما حاولنا تفنيده عبر وضعه في سياقات قوة الدولة وقوة تماسك المجتمع ورهاناته على الاستقرار أي أن ذلك يشكل مخاوف حقيقية لكنها لا تتصدر القائمة، فدولتنا القوية أو قوة دولتنا تتعامل معها الآن بتلقائية طبيعية كإكراه خارجي يستلزم مراقبته والتعامل معه أولا بأول، وهذا يرجح المخاوف الداخلية أكثر من الخارجية، أو على الأقل يتزامنان في آن واحد، وهى كلها أي المخاوف سوف تتعلق بمعيشة المواطنين في ظل الأزمة النفطية التي تشير كل المؤشرات والمعطيات الى تفاقمها إذا ما استعادت إيران قدرتها الإنتاجية النفطية بعد رفع العقوبات، وقد قدمنا في أربعة مقالات سابقة، رؤى تستحق الدراسة لقضية ترشيد الإنفاق دون المساس بالمكتسبات الاجتماعية ومسألة تعزيزها، وهذه المسألة قد أصبحت حتمية وعاجلة في ظل حالة تأخير الترقيات وصراعاتها القضائية، ولن تكون تلك الرؤى مقبولة كلها أو حتى بعضها إلا إذا اقتنعنا سياسيا بها، ولن تصل درجة اقتناعنا السياسي إلا إّذا اعتبرناها تتصدر المخاوف الوطنية، وان تداعياتها قد أصبح لها إكراه سياسي محدد ومنظور، مما يستوجب علينا العمل فورا للحيلولة دون حدوثه، وهنا ينبغي أن نطرح التساؤل التالي، الى مدى وعينا النخبوي السياسي يدرك الماهيات والأبعاد والخفيات لتلك المخاوف الداخلية؟
من الأهمية القصوى أن يعرف صناع القرار السياسي الإجابة على ذلك التساؤل المهم جدا، والعاجل جدا، فالإجابة سوف تضعهم أمام تحديد المخاوف وأولوياتها بصورة مباشرة، وكذلك ستضعهم مباشرة أمام أسبابها ومسبباتها، ومن وراءها؟ لن نتوسع في هذه الجزئية المهمة، فهى جوهر مقالنا المقبل بمشيئة الله، لكن، دعونا نتأمل، ونذهب به أي التأمل الى ابعد مدى من خلال المشاهد التالية: بعض الشخصيات المقربة من وزراء (...) ودرجة قرابتهم ليست عائلية وإنما نفعية ونفسية ـ شللية الوزراء - يتحدثون في جلسات المقاهى الخاصة عن تغييرات قريبة لمدراء عموم في محافظة ظفار، وكأنهم صناع قرار، ليس من منظور دواعي التغيير والتطوير والتحريك التي تحتمها المصلحة العامة، وإنما وفق منظور مصالحهم الخاصة ... الخ فكيف نقرأ هذا المشهد ؟ والمشهد الثاني (والاهم جدا) يكمن في بشارة شخصية اقتصادية كبيرة جدا بإقصاء شخصية وطنية بامتياز ـ والشاهد على ذلك أفعاله- من منصبه بعد أشهر قليلة، والشخصية المبشرة بالإقالة تدير مؤسسة وطنية مستقلة، وقد تمكنت رغم حداثة تأسيسها الذي لا يتجاوز الخمس سنوات من تعزيز روابط العلاقة بين المواطن ووطنه، وحققت نجاحات محلية وإقليمية وعالمية مبهرة .. فلو أقصيت فهذا معناه رجعونا للمربع الأول، ولو أقصيت بالتأكيد ستحدث بلبلة اجتماعية كبيرة .. ولو أقصيت سنفقد أيماننا بذواتنا .. فهل سيكون جزاء أبناء الوطن الأوفياء والمخلصين الإقصاء يا وطن ... ؟ من هنا ينبغي إعادة النظر في مخاوفنا العمانية .. للموضوع تتمة.