[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” أوباما وعلى ما يبدو طلب من الرئيس التركي ضبط الحدود التركية مع سوريا مثلما ذكرت الأنباء. ردة فعل داعش بعد التوقيع تمثلت في هجوم "سروجي" الإرهابي وهو ما أعطى أردوغان سببا مباشرا آخر لبدء حربه وبلا هوادة. ساهم في ذلك بالطبع وصول سياسة أردوغان مع المشرق العربي ودول الجوار إلى طريق مسدود..”
ـــــــــــــــــــــــــ
التغير الدراماتيكي في المواقف التركية يثير الاهتمام بين سؤالين هما: هل الحرب على داعش حقيقة أم تضليل مقصود؟ وهل حقا يريد الرئيس التركي أردوغان ضرب داعش ؟! إذ بعد المساعدة العلنية لداعش والنصرة وكل التنظيمات الأصولية المتطرفة, ها هي تركيا تقوم ومثلما يركز إعلامها بقصف معسكرات داعش!. صورّت تركيا أنها كسرت سياسة ما ادعته من حياد!.أربع سنوات سهلت لداعش التسلح والتنظيم واستيطان الحدود التركية مع سوريا. وساعدت في عبور الإرهابيين لتلك الحدود لممارسة جرائمهم وذبحم وموبقاتهم في سوريا. أعلنت تركيا قبل عشرة أيام بدء حربها على داعش , وأنه عدو وقامت بقصف معسكراته في الاراضي السورية والتي خبرت تفاصيلها جيدا. كما روّج الإعلام التركي ومهد للخطوة الدراماتيكية وسياسية التغيير بـ المكالمة الهاتفية الطويلة لأوباما مع أردوغان بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني وفرض مستجداته على عموم المنطقة.
أوباما وعلى ما يبدو طلب من الرئيس التركي ضبط الحدود التركية مع سوريا مثلما ذكرت الأنباء. ردة فعل داعش بعد التوقيع تمثلت في هجوم "سروجي" الإرهابي وهو ما أعطى اردوغان سببا مباشرا آخر لبدء حربه وبلا هوادة. ساهم في ذلك بالطبع وصول سياسة أردوغان مع المشرق العربي ودول الجوار إلى طريق مسدود وبخاصة نتيجة الامتعاض الشعبي التركي ومعظم الأحزاب المعارضة من هذه السياسة التابعة لواشنطن وحلف الناتو .. هذه السياسة قصيرة النظر وهي كانت تحرص على توتير الأجواء بدلا من تدعيمها مع دول الجوار. راهن اردوغان على إسقاط النظام السوري وفشل! راهن على حكم الإخوان المسلمين في مصر وفشل. كما قام بتوتير الأوضاع مع العراق, ويحاول التدخل في ليبيا وتونس!. بالتالي كان من الطبيعي أن يحصد حزبه "العدالة والتنمية" الشوك في الانتخابات التشريعية التركية الأخيرة, والتي فقد فيها الحزب أغلبيته المطلقة في البرلمان, وأصبح من المستحيل على هذا الجزب تشكيل الحكومة التركية دون التحالف مع أحزاب أخرى, والتي ستفرض شروطها بالتأكيد عليه في المجالين الداخلي والسياسة الخارجية.
اردوغان وتر الأجواء داخل حزبه وافتعل معارك مع مؤسس الحزب عبدالله غول وهو رئيس تركيا سابقا. باختصار لم يُبق الرئيس التركي, صديقا واحدا لا له ولا لحزبه. لذا بات يخطط لانتخابات جديدة يقوم قبلها بتحسين صورته وتلميعها. نعم لقد أصيب "السلطان العثماني" بالغرور وصولا إلى الحد الذي سيقتل فيه الأخير صاحبه!. ذلك يتطلّب أيضا إعادة النظر بإدارته ملف داعش. فسياساته الداعمة لداعش، أو المتغاضية عنه، لم تحقق أهدافها المعلنة وغير المعلنة. قمعَ أردوغان مظاهرات الجماهير التركية ,, ويريد تغيير قواعد الحكم في تركيا من خلال استفتاء على توسيع صلاحيات الرئيس وهو ما زاد في غضب الجماهير التركية عليه .. فقواعد الحكم مستقرة فيها منذ أرساها أتاتورك. كل ذلك من أجل مجده الشخصي وطموحاته السلطانية العثمانية!.اعتقد أردوغان أنّه سيساهم في رفع مجد تركيا ليذكره التاريخ كأتاتورك, خاب ظنه وها هو يجني حصاد الفشل.
على صعيد آخر: نسي أردوغان الحرب على داعش وحول طائراته ومدافعه من الحرب عليها إلى الحرب على "حزب العمال الكردستاني" في كل مواقعه, في تركيا وسوريا والعراق باختراق شماله والتعدي على سيادته ! بدخولها الحرب على الأكراد، تفتح تركيا فصلاً جديداً في تاريخها بعد اتفاق سلام أبرمته مع زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان, الذي ما زال يعاني السجن في زنزانته الصغيرة! هذا الفصل الجديد سينطوي على تعقيدات كبرى، لن يكون الداخل التركي في منأى عنها، اذ يرى مراقبون أن "الهمّ" الداخلي سيطغى على أهداف الحملة العسكرية في حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و"فريقه في أنقرة". وفي هذا السياق تندرج حملات اعتقال واسعة تقوم بها أجهزة الأمن التركية، أعقبت الهجوم الانتحاري في منطقة "سروج" الحدودية، تستهدف مواطنين يساريين أو أكراد يشتبه في علاقتهم بحزب العمال الكردستاني.
من جهة ثانية يعتبر مراقبون كثيرون أن "حلفاء الأمس" لم يعودوا كذلك، بعد انفصام "حبل الود" أخيراً بين تنظيم "داعش" وحكومة العدالة والتنمية، ليبدأ كلٌّ من الطرفين تعبئة "الرأي العام" ضدّ الطرف الآخر.
هذا إضافة إلى توتير العلاقة مع الأكراد. التغيير في تركيا ليس مرتبطا بأردوغان . سينتجه الشعب التركي الذي منعه من إحالة تركيا لنفوذه، وكذلك الدولة لتي أخذت تتحرك لحماية إرثها السياسي وهويتها الحضارية من نزعاته السلطوية. إن ما تباهى به أردوغان مراراً بأنه وحزبه استطاعا التوفيق بين مفهومي الإسلام والعلمانية في حكم تركيا، بات معرضاً للطعن في صحته، فالذي تبين أن حزبه مثل غالبية الأحزاب التي تسلمت السلطة في بلدانها، مليء بالفساد والمفسدين. بات في حكم المؤكد أن تغييرات دراماتيكية ستمر بها تركيا قريباً, وتحديداً ستطول الحزب الحاكم
( حزب التنمية والعدالة) وزعيمه أردوغان, الذي ومنذ مظاهرات تكسيم في اسطنبول بدأ نجمه في الأفول.
فضائح فساد كثيرة تستشري في الحزب طالت وزراء مهمين وأبنائهم بمن فيهم ابني أردوغان نفسه.
هذه السياسة الغائمة والتخبط ستوديان بأردوغان وحزبه إلى الهاوية وأفول نجمه بالتأكيد, وقد بدأ.