[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
احتفل المصريون أمس بافتتاح قناتهم الجديدة التي ستعمل بجانب قناة السويس الأم، في حفل شارك فيه ممثلو أكثر من 90 دولة .. وتم إنجاز هذا العمل في وقت قياسي استغرق عاما واحدا بناء على طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يعد أول رئيس مصري يحدد موعدا لإنجاز مشروع قومي ضخم لم تشهده مصر منذ بناء السد العالي قبل أكثر من نصف قرن، ويتم الانتهاء من المشروع في موعده دون تأخير، وهو عمل أبهر العالم وأشاد به عدا جماعة الإخوان التي سعت بكل الطرق للتشكيك في العائد الاقتصادي من هذا المشروع أو بالقيام بعمل إرهابي يفسد فرحة المصريين بهذا الإنجاز الضخم.
وفي الواقع هناك أكثر من فائدة ستعود على مصر من وراء هذا المشروع، حيث من المتوقع زيادة إيرادات قناة السويس من العملة الصعبة من 5.4 مليار دولار في العالم 2014 لتصل إلى 13.2 مليار دولار بحلول العام 2023، ما سيعمل على تحسين موقف ميزان المدفوعات المصري، كما سيعمل على تدعيم احتياطيات النقد الأجنبي وتدعيم الموازنة العامة للدولة وتخفيض عجز الموازنة، فضلا عن إعادة هيكلة الاقتصاد المصري الذي شهد تدهورا في السنوات الأربع الأخيرة .. فالعائد من قناة السويس حاليا يقتصر على رسوم عبور السفن فقط إلا أن مشروع تنمية محور القناة سيساعد على تفعيل دور القطاعات الإنتاجية وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وفي الإيرادات العامة للدولة، ومن المنتظر زيادة عوائد قناة السويس بنسبة 259% نتيجة عدد السفن التي ستقوم بالمرور في القناة وهي حاليا بمتوسط 49 سفينة يوميا.
أن تنمية محور قناة السويس سيساعد كمركز صناعي وتجاري ولوجستي عالمي على تواجد الشركات والمؤسسات الداعمة والمرتبطة بها لتصبح مركزا صناعيا متكاملا به العديد من المشروعات والصناعات القادرة على المنافسة سواء على المستوى المحلي أو العالمي .. وبالتأكيد فإن هذا المشروع سيساعد في حل مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل جديدة تقدر بنحو مليون فرصة عمل .. كما أن هذا المشروع يراعي البعد المكاني للتنمية، وسيعمل على التحكم في النمو العمراني المستقبلي من خلال تنمية محاور عمرانية جديدة، ما يؤدي إلى تحقيق ثلاثية التقدم والنمو وهي "التنمية الاقتصادية" و"التنمية البشرية" و"التنمية المكانية"، وهو ما يعرف بالمثلث الذهبي للتنمية، فضلا عن توطين الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وزيادة حجم الاستثمار العربي والأجنبي في مصر.
وإذا كان لمشروع قناة السويس الجديدة عوائده الاقتصادية طويلة الأجل فإن لهذا المشروع الكثير من العوائد في الأجل القصير أهمها أن هذا المشروع قتل فكرة خط السكة الحديد الإسرائيلي المزمع إنشاؤه وهو "اشدود ـ إيلات" لمواجهة تزاحم السفن داخل قناة السويس, واستعادة أهمية القناة كخط ملاحي دولي يربط الشرق بالغرب, وإصلاح الاضطرابات التي شهدتها مصر على مدار السنوات الأربع الماضية وزيادة مصداقية النظام السياسي واستعادة ثقة المستثمريين المحليين والأجانب, كما أن هذا المشروع أثبت أن مصر دولة مؤسسات حيث نجحت الدولة في إدارة المرحلة الانتقالية وإقامة مشروعات كبرى، ما أدى لاستعادة النشاط الاقتصادي .. كل ذلك على الرغم من عدم وجود برلمان منتخب.
هناك أيضا بعد غير اقتصادي لا يقل أهمية، وهو البعد الاجتماعي حيث تجمع الشعب المصري حول فكرة تحولت من مجرد خيال إلى واقع ملموس .. فكرة كان الشعب مؤمن بها وأسهم فيها .. فالقناة تم إنشاؤها بأموال وأيدٍ مصرية خالصة .. وتعد قناة السويس الجديدة رمز استعادة ملامح الشخصية المصرية التي عانت على مدى أربعة عقود من الضعف والهوان للدرجة التي جعلتها ترتضي بالأمر الواقع حتى ولو كان يتسم بالمرارة .. كما أن المشروع كشف بوضوح عن إيجابيات الشخصية المصرية من إصرار وعزم وتحد في المواقف الصعبة، وظهرت تلك الإيجابيات في العمل على إنجاز هذا المشروع عكس التراخي والتكاسل الذي كنا نراه في مواقف المصريين خلال السنوات الماضية .. فمشروع القناة هو نتاج عمل جماعي والعمل كان تحت شعار الوطن وإنجازه هو تكريس لفكرة الوطن التي كانت أحيانا تتلاشى.
ولكي يكتب لهذا المشروع القومي النجاح التام المرجو منه مطلوب توفير منظومة تنظيمية وتشريعية تتسم بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم .. فمن الناحية التشريعية يجب العمل على تمتع السفن العابرة بميزة تفضيلية على شكل مزايا ضريبية وجمركية ورسوم مخفضة وفقا لأعداد السفن المارة بالقناة أو عدد مرات عبور السفن خلال مدة زمينة معينة .. وأيضا تعديل البنية التشريعية لقوانين النقل البحري بما يتواكب مع التشريعات الحديثة المعمول بها في العديد من دول العالم .. بالإضافة إلى ضرورة وجود القوانين المكملة لقانون الاستثمار لترويج وتسويق مشروعات تنمية محور قناة السويس .. أما من الناحية الإدارية والتنظيمية فيجب إنشاء كيانات إدارية جديدة تتلاءم مع طبيعة هذه المشروعات وتراعي التطورات الحديثة في العمل الإداري.