قضايا
ـ نجح الأميركي في خلق فوضاه من خلال بث الإرهاب
ـ هل ينجح الإرهاب في السيطرة على المنطقة العربية !

إعداد ـ زهير ماجد:

مقدمة:
حين ننظر للتاريخ القريب من القرن الماضي وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية نشعر بالراحة النفسية التي تنعكس كتابة وتعبيرا عن شغف التمسك به، وحين نقترب من الحاضر يأخذنا الضجر والهلع والتفكير بسوء المصير والخوف على الاجيال .. فعل المقارنة ينعكس على الوجدان، فتراني احاول الخروج من شرنقة الواقع المحيط الذي لاحول له ولا قوة، كما تراني أتوسل ذاكرتي ان تظل تطن بماضيها كي لا أخسر الحلم الجميل .. وحين شاهدت جنازة طارق عزيز في الأردن كما أوصى، تراءت لي تلك السنوات الخيرة التي كان فيها العراق عملاقا، وكان بقية العرب إلى جانبه مازالوا على حلم التشبث بإمكانياتهم المتعددة المفتوحة.
ــــــــ
في كل الأحوال لابد الخروج من الحلم الى الواقع رغم صعوبته، كما لابد من التفكير المنطقي بان لكل عصر شكله وتركيبه وطبيعته، ومن المؤسف اننا وقعنا في زمن ذروة التكالب الاستعماري المباشر وغير المباشر، فالاحتلال الاميركي للعراق كان مباشرا، والولادة الاميركية للتنظيمات الارهابية الحالية احتلال اميركي مقنع باسم آخر وبشكل مختلف عن المباشر. رب سائل عن الاصرار في اعتبار اميركا من اخرج من رحمها تلك الولادات الإرهابية، والحقيقة ان مواليد بهذه القوة وهذا الحضور وهذا التبعثر لايمكن لها ان تولد من تلقاء نفسها، بقدر ماهنالك قوة عظمى بعثتها الى الحياة ووضعت فيها روحا كي تعيش وتنمو وتكبر، ولكن على حساب الاصيلين.
في كل الاحوال، اود من وراء هذه الكتابة ان اقارن بين ذاك الماضي الجميل والحيوي، وبين المعطى الحالي .. بين تلك الثورات والمقاومات التي غيرت وجه بلادها واضافت على البشرية اسرارها العملاقة لكي تكون تجربة وخبرة لمن يحتاج، وبين التوحش الحالي الذي يضرب المنطقة العربية ويجد له صدى في كل انحاء العالم.
ومن البعيد ذاك، تبدو الخمسينات من القرن الماضي وكأنها جمعت اكثر الثورات تألقا، وهي مقاومات دخلت التاريخ من بابه العريض لأنها تركت اثرا عميقا في مجتمعها، كما تركت بالتالي آثارا في مجتمعات أخرى .. وحين نتطلع اليوم اليها، نراها بالفعل عملاقة، جديرة بان يكون الاقتراب منها فهما لما زرعته في النفوس .. فالشعوب في النهاية صاحبة مصيرها وهي الأجدر بأن تتمسك بتجارب توصلت الى نتائج كبرى.
وأبعد من البعيد، تبدو الثورة الصينية التي قادها ماوتسي تونج رسالة لاتنسى في تاريخ امة عملاقة كالصين .. لايمكن النظر لهذا البلد في حالته اليوم وفي تقدمه الكبير وقوته الصناعية والاقتصادية دون ان نذكر المحطة الكبرى التي داست عليها الصين ووصلتها واعتبرت دائما الخميرة التي استولدت هذا التقدم.
عندما مشت جماهير الشعب الصيني خلال ثورتها في اطول رحلة ثورية عبر التاريخ، فانها انما كانت تحول قدرها الى واقع ملموس .. كانت المسيرة طويلة وتحتاج الى قناعة راسخة بجدواها، وحين نقول طويلة فيعني ان هنالك مايقارب العشرة آلاف كيلومتر، اضافة الى الصقيع والبرد واخطار السلطات آنذاك، فقد كان عسكر شان كاي تشك موجودا في كل بقعة في الصين، وقد قاوم بالفعل تلك المسيرة وانزل باصحابها مقتلا عظيما تجاوز ارقاما خيالية .. لكن الثوار اصروا على اكمال مسيرتهم دون تراجع او خوف او ملل .. كان على رأسهم قائدهم ماوتسي تونغ وزوجته، وحين ناموا ذات مرة في احدى القرى، هاجمتهم القوات الحكومية، وحين فتش ماو عن زوجته وجدها مشنوقة بجذع شجرة، فكتب يومها قصيدة رثاء بحقها لم تكن سوى اهداء الى الثورة الشاملة.
كان الصينيون آنذاك يتطلعون الى تجربة الاتحاد السوفياتي في ثورته البولشفية وفي شعارها الاخاذ الذي يقوم على دكتاتورية البروليتاريا ( العمال والفلاحين) .. كان ماو يستمد عنفوان ثورته من تلك التجربة السوفياتية رغم انه لاحقا اصطدم بستالين الى حد العداء بين البلدين الاتحاد السوفياتي والصين. لكن ماو كان يعرف ان بلاده زراعية بالدرجة الأولى، ولنجاح ثورته يجب التركيز على هذا المفنهوم، فالفلاحون هم عماد الثورة، وبالتالي هم من سيستفيد منها حكما، فلكل بلد خصائصه التي تختلف عن البلد الآخر، هكذا اقر ماو وهكذا فعل.
بعد مسيرة شاقة طويلة نالت العديدمن السنين، لكن الاصرار حتم الوصول الى الهدف النهائي فتمكن الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو من حكم الصين، وبالتالي بدأت تجربة من اكثر التجارب نموذجية لأنها ارتكزت على تطوير مفاهيم الاشتراكية بما يحتاجه الواقع الصيني، ولذلك دلالاته التي تؤكد ان فهم المجتمع يعني حكما ناجحا. ولهذا اصبحت التجربة الصينية نظرية ثورية متقدمة لمن يريد التجريب بناء عليها .. ورغم انها مرت بتجارب متعددة من الاخفاقات والنجاحات، الا انها أكدت قدرتها على ان تكون خميرة ماتلا وصولا الى الواقع الحالي الذي قلنا فيه ان الصين هي العالم الأكبر في السنوات القليلة المقبلة، وهي الاقتصاد الذي سيهز اقتصادات العالم بما فيهم الاقتصاد الاميركي ايضا.
ـ التجربة الفيتنامية:
لم يكد الشعب الفيتنامي يتخلص من الحكم الفرنسي حتى باغتته مشكلة استعمارية جديدة .. الفيتناميون ابناء ثورة مستمرة لم تهدأ، وقد توجت بمعركة كبرى عام 1945 ضد الجيش الفرنسي وسميت بمعركة ديان بيان فو وذهب ضحيتها اكثر من 45 الفا من الفرنسيين وعلى اثرها كان لفيتنام حضورها الوطني ، الا ان ذلك لم يستكمل، ففي منتصف الخمسينات، سجل الفيتناميون حراكا ضد الجيش الاميركي الذي دعم فيتنام الجنوبية واراد تحطيم سعي فيتنام لتوحيد الشطرين.
استعمل الاميركي جميع انواع سلاحه المتطور في حينه، لكن الثورة الفيتنامية زادت وتيرة ولم يكن بالامكان توقفها، اذ كانت نداءات زعيمها المحبوب هوشي منه تتغلغل في شرايين الفيتناميين وتحثهم على القتال، فيما كان قائدهم العسكري المخطط الكبير جياب يقدم الطرق التي كفلت بصمود شعبه وبانتصاره في النهاية ..
لقد وصل الحال بالشعب الاميركي الى الهروب من الجندية كي لايذهب الى فيتنام بعدما قتل الكثير من الاميركيين في تلك الغابات الاستوائية المتوحشة التي من كان يدخل اليها لايخرج ابدا. اما مشكلة اميركا الاخرى آنذاك فكان موقف شركات انتاج السلاح التي كانت تضغط على الحكومة الاميركية لعدم التوقف في الحرب كي لاتصاب مصانعها بالشلل وتؤدي الى توقف عمالها عن العمل. كانت حيرة اميركية بين الانصياع للشركات المنتجة للسلاح وبين الواقع الذي يتدهور دون توقف، وبين شلال القتلى من الجيش الاميركي، الثورة الفيتنامية ظلت ماضية في طريقها رغم سقوط اكثر من مليون قتيل وخراب شامل، ظل هوشي منه ينده على الفيتناميين ان قاتلوا بلاهوادة، وحين توفي ترك وصية لاطفال بلاده ان يكونوا بحجم المسؤولية المستقبلية لفيتنام، بين ليلة وضحاها، خرج الجيش الاميركي مذعورا تاركا وراءه اعوانه الذين لم يستطيعوا اللحاق بطائراته المروحية وهي تهرب مسرعة باتجاه الخروج من فيتنام التي كانت قد توحدت وتمكن الحزب الشيوعي الفيتنامي من الوصول الى هذه الغاية، بمساعدة من الصين في الاساس ، وكذلك من السوفيات ومن شعوب العالم الحر.
ـ التجربة الجزائرية:
وفي الخمسينات ايضا تجربة رائعة اسمها ثورة الجزائر .. كانت فرنسا قد اعتقدت ان استعمارها الذي وصل الى حد الفرنسة للجزائر لن يدفع الجزائريين الى ثورة كبرى بعدما كانوا قد قدموا ثورات محلية سرعان ماتم القضاء عليها .. لكنه حان الوقت بالنسبة للجزائريين الذين اسعفهم وجود قيادة عروبية في مصر بقيادة جمال عبد الناصر، اضافة الى توفر مناخ عربي جديد وكذلك مساعد على تحقيق النصر ..
اندلعت الثورة الجزائرية في العام 1956 وما لبثت ان توسعت، واصبح لها كيان وقوة وعزيمة شعبية، ثورة شارك فيها الجزائريون جميعا وبدون استثناء ، وشهدت جبال الاوراس كل جهود الثوار الذين جعلوا منها مركز قيادتهم .. وبالفعل، فقد نجح رهانهم على عبد الناصر الذي قدم لهم السلاح والمال وكل الاحتياجات الاخرى، في وقت كان الدعم الدولي بلا توقف .. وحين زادت فرنسا من حجم قوتها لمنع الجزائريين من تحقيق استقلالهم، زاد الثوار من قوتهم ايضا، وبدا صراع الارادات في أوجه، الى ان تسلم الحكم الجنرال ديجول الذي حاول ايضا لكنه اسقط في يده فمال الى اعطاء الاستقلال .. ويوم افاق الجزائريون بعد سكرة الانتصار، وجدوا ان اكثر من مليون شهيد قدموه على مذبح حريتهم، ليس بالهين ان تقدم هذا الرقم الكبير من اجل العبور الى الحرية .. صار للجزائر علمها الوطني كما صار لها لها نشيدها الوطني " قسما " الذي لحنه هدية منه الموسيقار المصري الراحل محمد فوزي. واصبحت الثورة الجزائرية علما كبيرا يحتذى به كلما تم الحديث عن كبريات الثورات في التاريخ . بل اصبحت الجزائر منارة قومية .. استقبل عبد الناصر اول رئيس لها بالاحضان، فقد كان احمد بن بلله اول من ترأس وفد الجزائر الى مؤتمر القمة العربية عام 1964 حين بكى على المنصة لأنه لم يكن يعرف العربية .. واول فعل قام به منع وجود اي مساح للاحذية في كل الجزائر، وقد كانت من المهن التي يعمل بها عدد كبير من الجزائريين.
ـ الثورة الكوبية:
وفي الخمسينات ايضا اندلعت ثورة مازالت قائمة الى اليوم، انها الثورة الكوبية التي قادها الزعيم فيدل كاسترو .. وتقول القصة ان ثمانين شخصا بينهم فيدل وشقيقه الرئيس الحالي راوول وتشي جيفارا ركبوا احدى السفينة متجهين الى هافانا لكن عاصفة شديدة ضربتها فتحطمت فنجا منها ثمانية فقط باعجوبة بينهم الذين وردت اسماؤهم والذين وصلوا الى الشط، ومع ذلك لم يشعروا بالتراجع، بل تقدموا نحو مهمة الاستيلاء على السلطة وفجروا ثورتهم التي عاشت في جبال سيرا ماسترا هرب بعدها رئيس البلاد باتستا امام الجحافل الثورية التي دخلت العاصمة وكل المدن الكوبية ..
اعتبرت كوبا منذ ذلك التاريح ( 1959 ) شوكة في عين اميركا كونها لاتبعد سوى ثمانين ميلا عنها .. وكان قد رفعت شعار مقاتلة الامبريالية واتخذت من الاشتراكية تجربة اقتصادية، الا ان اميركا فرضت عليها حصارا قويا ظل الى اليوم، ومع ذلك تجاوزتها تماما وتمكنت من ان تتعايش مع الحصار وان تتحول الى دولة مرموقة اقتصاديا، وان تصبح الاولى في العالم طبابة والمميزة علوما. وقد تحولت بالتالي الى قيمة معنوية اذا ماذكرت حركات التحرر الوطني.
ـ الثورة المصرية:
وابرز ملامح الخمسينات ماتحقق في مصر بقيادة الضباط الاحرار عام 1952 وبزعامة جمال عبد الناصر .. صحيح ان ماجرى كان انقلابا عسكريا على الملكية بقيادة الملك فاروق، الا ان الشعب المصري هو الذي اعطى ذلك الانقلاب معنى الثورة كما يقول الصحافي محمد حسنين هيكل .. وابرز دلائل تلك الثورة انها كانت عربية وافريقية وعالمية، لكنها لم تتخل عن مصريتها بما قدمته من خطوات تنموية في الداخل ادت الى ازدهار الصناعة بشكل كبير. وحين اتخذ عبد الناصر قضية فلسطين قضيته الاولى كما اتخذ الوحدة العربية امله وحقق واحدة منها مع سورية، كما انه خاض تجربة اشتراكية عميقة الجذور في وطنيتها المصرية، اضافة الى قضايا اخرى داخلية وخارجية، تم الهجوم عليه مرتين واحدة في العام 1956 كعدوان ثلاثي بريطاني فرنسي اسرائيلي ولكل من هذه البلدان اهدافه في ذلك الهجوم، ثم الهزيمة الأكبر التي مني بها الجيش المصري عام 1967 ، ثم محاولته استرجاع سيناء التي خسرها اثناء تلك الحرب بالقوة الا انه توفي قبل ان يبلغ مااراده .
ـ الثورة الفلسطينية:
وفي الخمسينات من القرن الماضي عام انطلاق ثورة فلسطينية لكنها اتخذت من العام 1965 يوم انطلاقتها الحقيقية .. الثورة الفلسطينية لم تكن سوى تجربة حاولت الاستفادة مما سبقها من ثورات وخصوصا الصينية والفيتنامية، وبشكل أخص الجزائرية لأن احد قادتها خليل الوزير (ابو جهاد) اتخذ من الجزائر مقرا له في البداية مستفيدا من خبرات قادتها وشعبها.
مع كل المصاعب التي مرت بها الثورات في التاريخ، الا انها كانت فوق ارضها تمارس حقها الثوري، باستثناء الثورة الفلسطينية التي لم تكن لها ارض، بل اتخذت من الاراضي المحيطة بفلسطين موقعا لها، وهي اراض تتبع للاردن ولسوريا وللبنان، مما وضعها دائما في خانة الاشكاليات التي عاشتها حتى العام 1982 حين اجتاحت اسرائيل لبنان ووصلت الى عاصمته بيروت ولم تتراجع الا بعد ان حققت انسحابا للقوات الفلسطينية منها.
اعلن رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات من الجزائر عام 1987 قيام دولة فلسطين، وفي العام 1993 وقع عرفات اتفاق ذل مع اسرائيل سمي باتفاقية اوسلو التي ترجمتها اسرائيل كما يحلو لها حيث ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية الى اكثر من ستماية ألف، فيما عدد المستوطنات بالعشرات، هو أمر ليس ملحوظا في الاتفاقية، وكان هنالك اقرار ان تعترف اسرائيل بدولة فلسطينية الا انها لم تعترف، ووضع نتنياهو شرطا لذلك هو اعتراف الفلسطينيين بيهودية اسرائيل الأمر الذي رفضه الفلسطينيون.
عانت الثورة الفلسطينية من الاغتيال الذي طال قياداتها، تماما كما حدث تقريبا للثورة الجزائرية، كل الصف المؤسس لم يعد موجودا باستثناء تقريبا ابو اللطف ( فاروق القدومي) الذي يرفض المجيء الى رام الله، اذ مازال يعتبر ان الكفاح المسلح هو الطريق لتحرير فلسطين، في حين يرفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هذا المفهوم رفضا قاطعا.
وما زالت فلسطين غائبة، قوافل الشهداء لم يعط نتيجة، والموقف الغاندوي ( من غاندي ) لن يحقق رجاء للشعب الفلسطيني بتحقيق دولته التي ان تحققت فستكون مقزمة الى درجة كبيرة. ولهذا يحتاج الفلسطينيون الى تجديد ثورتهم على قاعدة الكفاح المسلح، ان يعاد النظر بالعمل الوطني من جديد، فليس غير البندقية حلا في زمن اسرائيل التي تعيش احلى ايامها بسبب النكسات الكبرى التي تضرب اقطار الأمة.
ـ تشيلي:
ومن محققات القرن الماضي التي نالت حظوة ومازالت ابرز حالاته، ماتحقق في تشيلي من انتصار للاشتراكية في مطلع العام 1970 حين تسلم الحكم سلفادور الليندي في تشيلي، وفي السنوات القليلة التي امضاها، حقق ثورة زراعية كبرى وحاول القضاء على الأمية التي كانت متفشية في الريف التشيلي من خلال المغني التشيلي المعروف فيكتور جارا الذي كان يمارس تعليم الامية بواسطة الاغنية .. اما الرئيس الليندي فقد قام بتوزيع الاراضي على الفلاحين، ومنها الاراضي التي كانت عائلته تتملكها، لكن المخابرات الاميركية لم يرضها ان تكون حديقتها الخلفية مفتوحة لتجربة مشابهة لما هي حال كوبا، فقامت بعد ثلاث سنوات بالانقلاب على الليندي بواسطة الجيش الذي قادة بينوشيه حيث اغارت طائرة على قصر الرئيس فقتل بداخله. ودخلت تشيلي بعدها بتجربة ديكتاتورية ليس لها مثيل حيث قتل الآلاف وفقد الالاف ايضا. وبذلك وئدت ثورة كان لها ان تعمر لتفعل مافعلته كوبا واكثر ..
///ثورة الكاسيت:
وابرز ثورات تلك الفترة كانت ثورة الكاسيت كما سميت، وهي التي قادها الامام الخميني في ايران وعلى اثرها اقيمت الجمهورية الاسلامية الايرانية. تلك الثورة قيض لها ان تعيش في حين خطط لها ان تنتهي بعد سنة من نجاحها .. ابرز ماعاشته تلك الثورة الحرب مع العراق والتي انتهت بعد ثماني سنوات الى هزيمة لها.
///المقاومة الاسلامية:
وفي التاريخ المعاصر ثورة اللبنانيين ضد الاحتلال الاسرائيلي وما صنع من حزام امني لحمايته لكنه تحول الى وبال عليه. احتلت اسرائيل جنوب لبنان عام 1982 لكنها جوبهت بعد ايام بمقاومة تدرجت قوتها الى ان اصبحت اقوى مما اعتقد العدو .. صمدت تلك المقاومة 18 عاما الى ان حققت نصرا ادى الى انسحاب اسرائيل من الحزام. قتل للاسرائيلي اكثر من الف وجرح له آلافا خلال مدة احتلاله, وهو مادفع يومها وزير الدفاع آناذاك باراك من اعتبار البقاء مستتحيلا لأنه سيؤدي الى المزيد من قتل الاسرائيليين.
/// ثورة على الاميركي:
من الثورات التي لاتذكر كونها مازال تأثيرها قائما، هي ثورة الشعب العراقي على القوات الاميركية التي احتلت بلاد الرافدين، لكنها لم تستطع البقاء نتيجة الاصرار العراقي على طرد المحتل الاميركي الذي لم يتمكن من الصمود .. سقط للاميركي اكثر من سبعة آلاف قتيل واكثر من عشرين الف جريح وآلاف من الذين اصيبوا بالكآبة انتحر بعضهم، في حين يقال ان مليون عراقي تقريبا سقط نتيجة ذلك الاحتلال.
///اين منه اليوم ؟!
تلك باختصار محققات كان لها الاثر في معطاها الثوري، وفي مؤثراتها التي كتبت مرحلة مهمة من تاريخ العالم .. لقد كتبت تلك الثورات والمقاومات نصا تعتز به البشرية بل اعتزت بوجوده وترنمت ايما ترنيم لأنه حقق حلولا كبرى للشعوب والأمم وخلق توازينات بالمقابل.
اليوم تدخل الانسانية في مشروع نزع انسانيتها من الحياة، ونزع الوجدان الطيب، ونزع قدرة البشرية على بقاء الابتسامة على شفتيها. فعالم الارهاب يقتحم العالم العربي تحديدا .. تجربة لم تحصل من قبل مع ان التاريخ الاسلامي مليء بالصراع ضد الهجمات من خارج حدوده .. الا ان الواقعة الحالية تمايزت كثيرا، فالمشروع الارهابي يختلف عن كل مامر معنا لأنه عملية توحش وليس ثورة او مقاومة، بل هو قهر للوطنية والقومية، تعسف ضد الانسان العربي، قتل لروحه، ضرب على وتر نمو الاجيال التي بدل ان تستعيد عافية انتصاراتها، نراها مرغمة على الارتباك بمستقبلها، مذعورة وتائهة، لاتعرف اين المصير.
وحوش اليوم، اسقطهم الغرب الاميركي وامده الاوروبي بالموافقة واحتضنه التركي لأن حراكه من شأنه، وقدم له بعض العرب مايحتاجه من دعم ومال وسلاح ودواء وغيره، دون ان ننسى احتضان اسرائيل له .. فكل مايؤذي العرب يفرح الكيان الصهيوني، بل كل مايضر بالعرب يبعث الخير لاسرائيل التي لم يحصل في تاريخها ان عاشت افراحا كما تعيشها اليوم.
في الماضي اذن كانت ثورت ومقاومات، ضد محتل او غاشم، ضد نظام جائر تابع، اليوم قتل للروح الوطنية، ارهاب يصنع عناوين متدرجة تبدأ من قتل الانسان لتنتهي بقتله، وما بينهما قتل ايضا.
عالم الارهاب اليوم، يضرب عميقا، من المؤسف انه ينجح ويتمدد سواء وقف العالم ضده فهو يخدمه، فكيف حين يشاركه وجوده، وحين يقدم له الدعم الذي يتوخى من خلاله سيطرته على المنطقة ..
الوطن العربي اليوم في غاية البشاعة حيث طغمة من الارهاب تسعى للسيطرة عليه، لم يبق من حميمية الثورات التي مرت والمقاومات التي فعلت ذكرى يرفع لها القبعة احتراما. اليوم اجيال تعيش هلع الحاضر، هلع الصورة المتراكمة اليومية ..
في الماضي ثورات تعطي قيمة للانسان، حراك ناجم عن بحث المرء على التصحيح، اليوم قتل للصحيح، لايملك الارهاب مشروعا سوى ممارسات يراد لها ان تكون هي المشروع، اما مشروعه الحقيقي ففي خطط محركه الاميركي وغير الاميركي، الاميركي وحده من لديه مشروع مخبأ في اجندته .
///هل ينجح الارهاب؟
ربما في بداياته، لكنه فتح المنطقة على صراع طويل سيتعبه الى ان ينهيه .. هو يتصرف ضمن الغاء الآخر، لايريد أي آخر، لايفهم الحوار ولا المحاورة، فكيف يمكنه التعايش مع واقع قائم على السؤال والجواب ، على التساؤل وانتظار الاجوبة.
باختصار، يريد الاميركي ان يسحق المجتمعات العربية بقوى من داخله .. لكنه يصنعها بطريقة الفوضى، يريدها فوضى تخرق كل تنظيم مدني وانساني واجتماعي واقتصادي. بل يريد هذا الاميركي ان يقدم لاسرائيل هدايا عمر زائد تعيش عليه، فكلما تم تخريب الواقع العربي، ازدهرت اسرائيل .. يعترف الاسرائيلي بمقولة ان العربي الجيد هو العربي الميت، الأمر الذي يدعو الى تخريب المجتمعات العربية.
بين الأمس واليوم، أمس محترم، وحال اليوم مصبوغ بالدم والقلق والفوضى .. نجح الاميركي في زرع انتاجه، ونجح التركي في رعايته، ونجح الاسرائيلي في تقديم الدعم له، ونجح بعض العرب في السخاء الذي يقدم لذاك الارهاب رعاية وأملا في ان يسود اكثر من اجل ان لايبقى ظاهرة حية في الوطن العربي سواء كانت مقاومة حقيقية او ثورة.