[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]
لا نزال لم نستوعب الفكرة، فكيف بعد ما تحولت إلى توجه؟ والتوجه ينقصه التطبيق الآن؟ والقضية تدور حول وجود توجه بوقف أو الحد من قوة مسيرة التوظيف في القطاع الحكومي التي انطلقت منذ عام 2011، وقد كشفنا عنه أي التوجه في مقال لنا الأسبوع الماضي تحت عنوان،، وقف التوظيف الحكومي .. خطأ استراتيجي،، وتساءلنا عن البديل؟ وكانت اجابتنا، أن القطاع الخاص غير مستعد للشراكة الاستراتيجية لأن يكون بديلا فوريا ناجحا لاستيعاب حركة التوظيف البديلة، والنتيجة المترتبة، سوف تكون تراكم أعداد الباحثين عن عمل سنويًّا إلى أن تشكل لنا قضية جديدة قد تعرقل مسيرتنا التنموية الشاملة، وهذا لا يعني ابدا، أننا نطالب باستمرار نفس نهج ومسار التوظيف الراهن، وإنما الحل نجده في البحث عن القطاعات الحكومية والعمومية التي تحتاج لكم عددي من الباحثين عن عمل، وتحسين وضع الشركات العمومية وشبه العمومية من حيث الإدارة التي أغلبها بين أجنبية أو محلية غير متحمسة للتعمين وتوظيف العنصر الوطني، لأسباب عديدة، منها، تفهم من سياقات المحاكمات التي تعج بها محاكمنا بتهم الفساد، ودون ذلك، فإننا نرتكب خطأ استراتيجيًّا جديدا، لا يجب أن يكرر نفسه من جديد، فالتوجه (نكرر) ينبغي أن لا يرى النور مهما كانت التكلفة المالية.
ومن يقف وراء ذلك التوجه، فهو يغرد بعيدا عن مرحلتنا الوطنية، وأنه غارق في الارقام المجردة والتحذيرات الخارجية، دون الاعتداد بالتداعيات السياسية، كما أنه يعيش في جزيرة منعزلة عن العالم، فمن يتابع احداثه أي العالم سوف يدرك مدى الأولوية العالمية ،، السياسية ،، لقضية توفير فرص عمل للشباب، فالرئيس الاميركي أوباما خصص جل خطابه السنوي للشأن الاقتصادي، ودعا إلى جعل عام 2014 عاما لتوفير فرص العمل، وماذا يعني ذلك؟ يعني أن أكبر دولة في العالم قد أصبحت تدرك خطورة عدم تأمين الحق في العمل على مستقبل أي نظام يتسلم الرئاسة في أميركا، بل ربما أكثر من ذلك، وقد يتعلق الأمر بأن تكون قضية الباحثين عن عمل العامل الحاسم لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، وقد يذهب تأثيره إلى أكبر من ذلك، كأن يتعلق الأمر على المدى غير المنظور بمستقبل هذه الدولة العظمي ككيان سياسي جامع ومحتوي ولايات فيدرالية، ووزن وشخصية كل واحدة منها بمثابة دولة كبيرة قائمة بذاتها، ويعني كذلك، التركيز على حياة الناس وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم، وهذا التركيز قد جاء بعد مفارقة تثير كثيرا من السخرية في دول تشن الحروب من أجل تغيير الأنظمة بغية تحقيق المساواة الاجتماعية، وهي تقع في مستنقعاتها، فقد زادت ارباح الشركات الأميركية، وارتفعت اسعار الأسهم إلى مستويات غير مسبوقة، ورغم كل ذلك لم يطرأ على مرتبات الاميركيين أي تغيير ملحوظ، بل تعمق انعدام المساواة، ولم يكتف اوباما بهذه الخطاب، وإنما سارع إلى عقد اول مؤتمر اقتصادي برعاية الحكومة الاميركية لجذب المستثمرين وتوفير فرص عمل للأميركيين، حضره أكثر من الف رجل اعمال من مختلف انحاء العالم، وقد اعتبر اوباما قضية توفير فرص العمل، قضيته الأولى، وماذا ينبغي أن تعني لنا هذه الجزئية الأخيرة؟ تعني مدى نضوج الفكر السياسي العماني وقدرته الاستشرافية على تحديد الاولويات، حيث اعتبر التعليم وتوفير الفرص اولويتين كبريين للحكومة لمواجهة الاكراهات التي تفجرت عام 2011، والنتيجة؟ كسب المجتمع بأكمله أي ليس الشباب فقط بل والكبار، وتحولت بوصلة الشوارع من المظاهرات المطالبة بالحقوق إلى التأييد والدعاء لعاهل البلاد بالعمر المديد، وقد جاء الآن اوباما بعد أكثر من ثلاث سنوات على الاستشراف العماني يعتبر توفير فرص العمل اولويته الاولى، ويدق ناقوس الخطر على الطبقة الوسطى الأميركية، ويتعهد بحمايتها، والتعهد هنا له ما يبرره للاقتصاد الرأسمالي، فزوال الطبقة الوسطى أو حتى جعلها أقل ،،عددا،، من الطبقة الفقيرة، فذلك خطر على الاقتصاد نفسه، فالطبقة الوسطى في أي دولة هي صمان امان للاستقرار والأمن، ودونها ستكون بوصلة الصراع من القاعدة إلى القمة أي رأسية، أي ليست أفقية، وكل السياسات العالمية تسعى إلى الحفاظ على هذه الطبقة، وجعل الامكانية متاحة لأفراد الطبقة الفقيرة للانضمام إليها وليس العكس، فكيف إذن، نفكر في التراجع إلى الوراء بعد صحة مرئياتنا السياسية واستفرادها بالرؤية في تواقيتها الزمنية المناسبة؟ ولو عرف ذلك التوجه التطبيق، اتعرفون مع ماذا سوف يلتقي ؟ ومتى نتوقع تداعيات هذا الالتقاء؟ من البديهي التوقع ـ كما قلنا سابقا ـ التراكم العددي للباحثين عن عمل، وهذه الأعداد سوف تلتقي مع ولادة طبقة فقيرة في شريحة الشباب يتم تأسيسها الآن من خلال مرتبات الدرجات المتدنية (16،17،18) التي لم تعرفها أية زيادات ملحوظة أثناء عملية توحيد جداول المرتبات التي استفاد منها اصحاب الدرجات المرتفعة فقط ـ كما ذكرنا ذلك في مقال سابق ـ فعملية التوحيد وبعيدا عن فلسفتها الرسمية المعلنة، قد جاءت لتزيد المرتفع ارتفاعا، وتحافظ على المنخفض في القاع رغم أنه من مصلحة البلاد خلق الاستقرار الوظيفي للعاملين العمانيين في هذه الدرجات المتدنية، وهذا يعني أن التوحيد لن يخلق لها الاستقرار، وحتى عملية اعادة تسكين المؤهلات العملية لم تأت في قوة الزخم السياسي لعملية التوحيد، وإنما ارجعت تسكينها لدرجات أقل من السابق، فهل التطور ينبغي ان ينقلنا إلى الامام أم إلى الخلف؟ في حالتنا إلى الخلف، لكن المبدأ القانوني والإنساني يحتمان النقلة التقدمية، وهذا لم يحدث، وإذا ما حاولنا أن نفتح نافذة صغيرة على القطاع الخاص للزوم التحليلي الموضوعي التلقائي حتى نكون صورة شموليته لقضية التداعيات المستقبلية، فإن فيه أي القطاع الخاص أعدادا كبيرة من الشباب تشتغل على مرتبات غير آمنة، إذن، هناك مشهد وطني مستقبلي قد أصبحت معالمه وملامحه واضحة الآن، مشهد فيه كمجموعة كبيرة من الإكراهات سوف تلتقي في مرحلة زمنية (ما) وتحدث لنا أكبر مشكلة سياسية، لن نذهب أكثر مما ذهبنا إليه في استدعاء الالتقاء وتداعياته، فمن خلال ما تقدم قد أصبح معلوم الآن، والدور الآن على الجهات الحكومية، فما هي فاعلة لتفكيك ذلك المشهد المخيف؟ ينبغي أن يكون شغلها الشاغل الآن عدم وصول بلادنا إلى ذلك المشهد جزئيًّا أو كليًّا، وهذا لن يتأتى الا باستمرار قوة التوظيف مع مراجعة مساراتها وتطبيقاتها، وهذا لن يتأتى كذلك الا بتحسين مرتبات الدرجات الدنيا في القطاعين الحكومي والخاص.
ولم يعد يقتصر الاهتمام السياسي بقضية توفير فرص العمل على دولة أميركا كما قد يفهم من سياق الاستشهاد بها، بل الدول الكبرى كلها قد اصبحت توليها جل الاهتمام والرعاية، فأوروبا مثلا، واذا أخذنا مثالا آخر، فلن نجد أفضل مثلا نقدمه هنا لدعم حجتنا، سوى اتفاق زعماء أميركا وكندا والمكسيك في قمتهم الأخيرة مؤخرا، على إعطاء الأولوية لخلق فرص العمل، فهل تتراجع بلادنا؟ من هنا (نكرر) على سلطتنا السياسية ان لا تلقي آذنا مصغية للمروجين لتوجه التراجع أو الحد من عملية التوظيف، فكل المؤشرات والدلائل تشير بفصيح العبارة على أن قضية توفير فرص العمل للشباب ومشاكل الأيدي العاملة الوطنية مع الشركات الكبيرة ستكون من بين كبرى الإكراهات التي ستواجه بلادنا قريبا، ولعلنا نذكر هنا، بإضراب عمالي مقرر يوم السادس والعشرين من الشهر الحالي ضد إدارة إحدى الشركات الكبيرة في ظفار للمطالبة كما يقولون بتحقيق مطالب اساسية، ترفض الشركة تلبيتها .. وتلكم الاستدلالات كلها من أجل التأكيد على الأهمية السياسية لتوفير فرص عمل امنة للشباب، وعدم وقف الاستحقاق السنوي لها وذلك بغية الحفاظ على النجاحات التي حققناها في معركة كسب القلوب ليس في مجال توفير فرص العمل والتعليم فقط وإنما في مجالات واسعة.