[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
انتشر على المواقع الإلكترونية مقطع فيديو يظهر فيه جماهير نادي سيسكا صوفيا البلغاري تطارد لاعبي فريق أشدود الإسرائيلي خلال مباراة ودية تحضيرية بين الفريقين، وقد تملَّك الجماهيرَ الغضبُ جراء التدخل غير الأخلاقي لفريق أشدود تجاه أحد لاعبي سيسكا صوفيا، وحسب المقطع نجحت الجماهير في الإمساك بأحد أعضاء الجهاز الفني للفريق الإسرائيلي بعد فرار اللاعبين للمدرجات هربًا من بطش الجماهير الغاضبة.
صحيح أن المقطع يؤكد مدى الانحطاط الأخلاقي والسلوكي للشخصية الإسرائيلية أيًّا كانت سياسية اقتصادية أمنية رياضية أو... أو...، ومن الممكن أن يحصل منها مثل هذه التصرفات غير الأخلاقية مع أحد رعايا الدول الغربية أو أحد مسؤولي أنظمتها الداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وليس مع الشعب الفلسطيني والعرب وحده، إلا أن المقطع عند عكسه على الواقع الفلسطيني والعربي وما حدث مؤخرًا من جريمة إرهابية صهيونية قامت بها قطعان المستوطنين الإرهابيين بحرق أسرة "دوابشة" في بلدة دوما بالضفة الغربية راح ضحيتها الطفل "علي" البالغ من العمر عامًا ونصفًا ووالده الذي لحق به أمس الأول، نجده يسلط الضوء على مدى ما وصل إليه الراهن العربي والفلسطيني معًا من تردٍّ واستخذاء وانبطاح، ومدى ما أصاب الضمير العربي من تبلد، وما حل بالوعي العربي من تغييب، وما جرى من تزييف للحقائق جراء "الحريق العربي" الذي أطاح بكل القيم والأخلاق، وقتل المشاعر والأحاسيس والغيرة، ومفاخر العروبة من النخوة والشجاعة والمروءة وإغاثة الملهوف. كما يعكس الموقف الشجاع والغيرة لدى الجماهير البلغارية، التكامل اللافت بين أذرع الإرهاب في فلسطين المحتلة وخارجها؛ بين إرهاب الدولة للمستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل" وبين منتجاتها وحلفائها من العصابات والخلايا الإرهابية، حيث غدت المنطقة اليوم مرتعًا خصبًا لهذا الإرهاب الذي يزداد يوميًّا تكاملًا وتشابكًا، وغدت المنطقة تشهد عروضًا شتى وتنافسًا غير مسبوق بين قطعان الإرهاب والتطرف والتكفير، وبين فتاوى حاخامات التطرف والإرهاب والتكفير داخل فلسطين المحتلة وخارجها.
هذا التكامل بين أذرع الإرهاب أخذت صفحاته تتبدى على أكثر من حدث، ويثبِّت ركائزه على صعد شتى، معطيًا مفارقات صارخة ومفجعة، يمكن أن نلحظ مفارقتين منها:
المفارقة الأولى: إنه في الوقت الذي كانت فيه ذراع الإرهاب الصهيونية تمتد لتحرق أسرة سعد دوابشة على أرض فلسطين المحتلة بالبنزين، كانت ذراع الإرهاب الموصوف لدى متبنيه وداعميه بـ(الثوري) في سوريا تمتد لتطول السوريين بالسلاح الكيماوي باستخدام مادة الكلور في حي جوبر بريف دمشق واتهام الجيش العربي السوري باستخدامه. والأشد مرارةً وألمًا، والأكثر إثارةً للسخرية، هو أنه في الوقت الذي كان مجلس الأمن الدولي يجتمع فيه للتصويت على مشروع القرار لتحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية بما فيها مادة الكلور في سوريا والذي صوَّت عليه بالإجماع يوم الجمعة الماضية، كان كيان الاحتلال الإسرائيلي يقوم بتأمين عصابات المستوطنين الإرهابيين المرتكبين لجريمة حرق أسرة دوابشة، خوفًا عليهم من أي ردات فعل انتقامية من قبل الفلسطينيين الغاضبين، تحت كذبة محاكمتهم. وقد بانت هذه الحقيقة واضحة عبر مشاهد المسرحية الإسرائيلية الدعائية، حيث ظهر الإرهابيون وكأنهم في جلسة علاقات عامة أو زيارة لأحد مرافق ما يسمى بالمحكمة، ويتبادلون الضحكات والقهقهات مع من يسمون بالقضاة والمدَّعين والحراس. وبدل أن يتنادى الجمع في مجلس الأمن الدولي لردع الإرهاب الصهيوني ولجمه عن إيذاء الشعب الفلسطيني، شجع الإرهابين الصهيوني والموصوف بـ(الثوري) لدى متبنيه وداعميه. فالحديث عن استخدام السلاح الكيماوي في إدلب وجوبر ـ هذا إن لم تكن العصابات الإرهابية هي من استخدمته كما استخدمته من قبل في خان العسل وجوبر والغوطة ـ هو محاولة لاستجرار اتهامات الماضي والنبش في دفاتر الفبركات الإعلامية لرفع الروح المعنوية المنكسرة لهذه العصابات، ولقطع الطريق على أي حل سياسي للأزمة في ظل تضافر الجهود الراهنة نحو ذلك. كما أن صمت مجلس الأمن الدولي عن جريمة حرق أسرة دوابشة، وعدم الإتيان عليها ولو في معرض التنبيه، فيه تشجيع واضح إن لم يكن تأييدًا مطلقًا للإرهاب الصهيوني.
المفارقة الثانية: بينما ينجح كيان الاحتلال الإسرائيلي من خلال مسرحيته الهزلية بادعاء اعتقال قطيع هنا وآخر هناك من المستوطنين الإرهابيين، والتستر عليهم وتأمين حمايتهم، وحماية عموم الإرهاب الصهيوني، يعود حلفاؤه وعملاؤه من الباب الخلفي لدعم الإرهاب الموصوف بـ"الثوري المعتدل" وحمايته بمظلة طيران، معللين ذلك بأنهم هم من ربوه وأرضعوه فنون الإرهاب والقتل والتخريب في سوريا وضد شعبها، تحت كذبة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي الذي شُكل من أجله تحالف دولي يؤدي هو الآخر اليوم عروضًا مسرحيةً وأفلامًا ولا أروع في الأراضي السورية والعراقية.
وفي الحقيقة، إن هذا النجاح في تشبيك أذرع الإرهاب؛ الصهيوني والموصوف بـ(الثوري) وتكاملهما، يأتي نتيجة لأمرين؛ الأول: النجاح في بذر بذور الطائفية والمذهبية، وتقسيم شعوب المنطقة على هذا النحو، وتأجيج الفتن والعداء والكراهية بينهم. والثاني: نجاح الدعاية السياسية والإعلامية الصهيو ـ غربية والتابعة والعميلة في تظهير إيران على أنها العدو الأول والأزلي والأوحد لشعوب المنطقة، وكل الشرور التي تكتوي بها المنطقة هي من تدبير الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والمثير للسخرية الفاضحة للسذاجة والغباء والحماقة هو أن أي كارثة أو مصيبة يرتكبها إرهاب الدولة الصهيوني أو الإرهاب (الثوري) "داعش والنصرة والجيش الحر وأحرار الشام والفتح والجبهة الإسلامية وغيرها" بحق مكون من المكونات المجتمعية في سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان أو غيرها، هو من تدبير إيران.