إن التنمية في بلادنا تظل دائمًا وأبدًا في صدارة الأولويات لما لها من دور كبير وفعال في الارتقاء بالمجتمع وتطويره، ولا يمكن أن تنجح في تحقيق هذا الهدف الأسمى إلا إذا أخذت التنمية في الاعتبار جميع جوانب الحياة الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية بما يؤدي إلى شمولية التطوير الذي لا يتم هو الآخر إلا إذا تكاملت المؤسسات المعنية بتلك الجوانب، بحيث تعمل جميعًا جنبًا إلى جنب على دفع عجلة التنمية عبر تقديم خبراتها ومقترحاتها ووجهات نظرها.
وقد تكرس مفهوم التنمية البشرية لدى النهضة المباركة التي قادها بكل حكمة واقتدار حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في النظر إلى الإنسان العماني على أنه هدف التنمية الشاملة لكونه المحرك الحقيقي للحياة في مجتمعه بكل تفاعلاتها وتجلياتها ونتاجاتها، فهو منظِّم هذه الحياة ومجددها ومطورها، وبالتالي كان لا بد من العناية بتنميته في مجتمعه بجميع أبعاده الاقتصادية والثقافية والأدبية والفكرية والمعرفية والعلمية والسياسية، وتنمية اتجاهاته وميوله، ولذلك اعتبرت النهضة المباركة أن تحقيق ذلك يبدأ من الوفاء بحاجة الإنسان في النمو والنضج والإعداد للحياة، فكانت حركة التعليم المجاني والتشجيع عليه والمسارعة إلى إنشاء المدارس والجامعات والكليات والمعاهد، وكذلك فتح مجال العلاج المجاني وإنشاء المراكز الصحية والمستشفيات المرجعية التخصصية، ضرورة أملتها طبيعة المرحلة، كما أنها شرط من شروط التنمية للاستفادة من الطاقات الهائلة المخزونة في هذا الإنسان.
ولما كان الإنسان العماني هو جوهر التنمية البشرية التي تعتبر أن النمو الاقتصادي وسيلة لضمان رخاء المجتمع، فقد حرصت القيادة الحكيمة على أهمية إيلاء الموارد البشرية الرعاية والعناية الكافيتين واللازمتين، وإطلاق حركة تنويرية شاملة تعليمًا وتأهيلًا وتدريبًا من أجل توسيع الخيارات المتاحة أمام مواردنا البشرية بما يحقق تنمية سليمة وصحيحة، وقد قطعت السلطنة في هذا المجال شوطًا كبيرًا وملموسًا.
وفي هذا الإطار يأتي مؤتمر "عُمان للموارد البشرية والتعمين 2014م" الذي انطلقت فعالياته أمس والذي يتناول على مدى يومين كيفية المواءمة بين إدارة الموارد البشرية وأداء الأعمال وصولًا لتحقيق أفضل النتائج وترسيخ مفهوم الأداء العالي داخل المؤسسة.
إن تنظيم هذا المؤتمر من الأهمية بمكان لا سيما أنه يأتي في الوقت الذي يشهد حركة نشطة في عملية التوظيف في القطاعين العام والخاص وتسكين الباحثين عن عمل في الوظائف المتاحة، وأكثرها نشاطًا في القطاع العام، ما ترتب عليها تكدس وظيفي في بعض المؤسسات الحكومية، وكذلك صرف أموال كثيرة بالنظر إلى مستوى العائد من الإنتاج. كما يأتي تنظيم المؤتمر في الوقت الذي تواجه فيه عملية التوظيف تحديات نتيجة قلة وضعف المعروض من الوظائف في القطاع الخاص، وعدم مواكبة التعليم سوق العمل مع تزايد ملحوظ في عدد المخرجات وارتفاع نسبة الباحثين عن عمل، ما أدى إلى توسع الفجوة بين تزايد حاجة سوق العمل في بعض الوظائف والمهن واستمرار الجامعات والكليات في طرح التخصصات التي تشبع بها سوق العمل ويعاني أصحابها من قلة المعروض من فرص العمل المتاحة لهم.
وما من شك أن التنمية الإدارية تصب في اتجاه الاهتمام بالموارد البشرية، ولما كان التعليم هو إحدى الوسائل الفعالة في رفد التنمية وإعلاء أركانها، فإن الاهتمام بمسيرة التعليم وبمحاور العملية التعليمية كان حاضرًا منذ بواكير النهضة المباركة، ويعد الاهتمام بالمعلم الذي نحتفل اليوم جميعًا بيومه (يوم المعلم) أحد الجوانب المضيئة لكونه أحد الأركان الأساسية للعملية التعليمية، بالإضافة إلى تطوير المناهج ومواكبتها سوق العمل لما لذلك من أثر كبير في رفع المستوى العلمي والتعليمي. ولا أحد يجادل في أن دور المعلم يختلف عن أدوار المهن الأخرى كالطب والمحاماة والهندسة في أنه يتعامل مع أفراد في مرحلة التشكيل والتكوين وتنقصهم الدراية والخبرة، والمعلم بالنسبة لهم هو النموذج والقدوة والمثل الأعلى، وهذا الموقف يضفي حساسية خاصة على دور المعلم، كما أن الأفراد الذين يتعامل معهم المعلم لا صلة لهم في اختياره، فالطالب ليست لديه الفرصة في أغلب الأحيان لاختيار المعلم واسع الأفق للتدريس له. ويعتمد المعلم في دوره على مقومات شخصيته وعلى علمه وثقافته واتساع أفقه بحيث تنبع من كونه أهلًا للرأي، وهذا يتطلب من المعلم خصائص شخصية واجتماعية معينة تؤهله للقيام بدوره والتأثير في طلابه، ولذلك لا بد من الارتقاء بالمعلم والاهتمام بإنمائه مهنيًّا فهو يستحق كل الشكر والتقدير والاحترام، والذي ننتهز الفرصة لنقدم له التهنئة القلبية في يومه.