[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
يبدو أن قرارات المفوض العام الجديد لوكالة الأونروا (بيير كريهنبول) لم تكن مُجرد تحذيرات ودق ناقوس الخطر أمام الجهات الدولية المانحة ليُشعرها بهول الأزمة المالية التي تُعيشها وكالة الأونروا، بل إن مفاعيل هذه التحذيرات بدأت شراراتها تؤذي اللاجئين الفلسطينيين وتُصيبهم في مقتل.
ويندرج هذا الإعلان الخطير ضمن السيناريوهات التي يتخوف منها لاجئو فلسطين، والهادفة لإنهاء عمل الوكالة، وماتحمله من تعبير سياسي وفق قرار إنشائها عام 1949 كهيئة دولية معنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين، وتقديم الإغاثة لهم بجوانبها الثلاثة: الصحية والتعليمية والإغاثة الاجتماعية،إلى حين عودتهم إلى وطنهم فلسطين.
الحديث يتواتر في الفترة الأخيرة عن الأزمات الخانقة التي باتت تعترض طريق عمل وكالة الأونروا لجهة الجفاف المتواصل في مواردها المالية، فهل الأمر مجرد أزمة مُفتعلة تخفي وراءها أزمة سياسية كبرى في ظل المساعي الهادفة لإنهاء عمل الوكالة وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، أم أن المسألة المالية صحيحة...؟
لقد بدأت خطوات ملموسة ومحسوسة تتضح معالمها على الأرض عبر المساعي الخفية التي تقوم بها أطراف دولية نافذة للتخلصمنالشاهدالأساسي الأول علىقضية حق العودةواللاجئين الفلسطينيين، وهيوكالة اﻻونروا،وذلكعبر تخفيضخدماتهاوتجفيف مصادرها المالية، والسعي لشطب قيود من هاجر من فلسطينيي سوريا إلى بلاد الله الواسعة من سجلاتها الرسمية، وإنهاء صفة اللاجئ على من وصل من فلسطينيي سوريا إلى بلدان الهجرة القسرية في عموم بلدان القارة الأوروبية، وأستراليا، وغيرها من بلدان المعمورة باتجاهاتها الأربعة. وقد وصلت أعدادهم نحو (100) ألف لاجئ فلسطيني من سوريا، من مُختلف الفئات العمرية مع طغيان جيل الشباب، دفعتهم الأزمة العامة في سوريا للخروج من البلاد تحت وطأة جسامة الأحداث، وفقدان السكن والمورد الاقتصادي.
تزايد الحديث عن تقليص خدمات الوكالة بما فيها المالية والعينية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ترافق مع تصريحات المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين الأونروا (ببير كريهنبول) المعروف عنه بتعاطفه مع القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وذلك خلال الاجتماع الأخير (الخامس من حزيران/يونيو 2015) للجنة الاستشارية لوكالة الأونروا والذي يَضُم كبار الجهات المانحة والحكومات المضيفة والذي عُقِدَ في العاصمة الأردنية عمَّان حين قال "إن أكثر من خمسة ملايين لاجئ من فلسطين يواجهون اليوم أزمة وجودية على صعيد العديد من الجبهات تتمثل في الحرمان من الكرامة والحقوق واللتين ينبغي أن تتم معالجتهما". مُضيفًا "إن الأزمة المالية التي تواجهها وكالة الأونروا في ميزانيتها حاليًّاستكون بمثابة كارثة حقيقية تَحِل على اللاجئين الفلسطينيين، خاصة القاطنين في قطاع غزة وسوريا، فمُعدل تمويل مناشدة الأونروا الطارئة من أجل فلسطينيي سوريا لعام 2015 ما نسبته 27% فقط. ونتيجة لذلك فقد توجب علينا أن نقلص من وتيرة ومبلغ المعونة النقدية التي يتم توزيعها على اللاجئين في سوريا في حالات التعرض الشديد للمخاطر".
إلى هنا، إن الكارثة الكبرى حال تم تخفيض خدمات الوكالة ستكون على صعيد الخدمات التعليمية التي تُقدمها الوكالة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس (الضف الغربية + قطاع غزة + الأردن + سوريا + لبنان) حيث تم الإعلان عن إجراءات أبرزها زيادة القدرة الاستيعابية للصفوف إلى 50 طالبًا في الصف الواحد، وبالتالي هذا يقود إلى توقيف عدد كبير من الأساتذة مما سينعكس سلبًا على واقع الشباب وزيادة مستوى البطالة. والأسوأ منه، هو عدم وجود مناخ سليم للتعليم داخل الصف الواحد الذي سينعكس سلبًا على النتائج المرجوة وتدني مستوى التعليم لدى مدارس الأونروا.
ويجري الحديث على لسان أكثر من مصدر مسؤول في وكالة الأونروا عن إمكانية تأخير بدء العام الدراسي في مدارس الأونروا إلى بداية العام الميلادي الجديد 2016، تحت دعوى نقصان التمويل. وهنا ليس مستغربًا أن تدعو وكالة الأونروا موظفيها إلى التقاعد المُبكر لمن يرغب، والتلميح بعدم دفع رواتب موظفي التعليم في الوكالة لثلاثة أشهر، أكتوبر/ تشرين أول ونوفمبر/تشرين ثاني وديسمبر/كانون أول 2015.
لقد تعرضت وكالة الأونروا خلال أكثر من ستة عقود من عملها لأكثر من انتكاسة مالية نتيجة عدم إيفاء الدول المانحة بالتزاماتها، وأدى ذلك إلىتقليص في الخدمات يعاني منه اللاجئ الفلسطيني سواء على مستوى الاستشفاء أو التعليم أو الإغاثة. لكن لم تصل يومًاإلى حد التهديد بوقف برنامج من برامجها بشكل نهائي إن لم تغطِّ الدول المانحة العجز المالي والتعهد باستمرار تقديم الخدمات، ونتحدث هنا عن برنامج التعليم، وكذلك التهديد بوقف البرنامج الصحي.
إن مناشدات الأونروا الطارئة من أجل كل من سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة تعاني أيضًا من نقص في التمويل، حيث لم يتم تمويلها إلا بما نسبته 27% و30% على التوالي، الأمر الذي يقوض من مقدرة الوكالة على تقديم الخدمات خصوصًامع ارتفاع مستوى عدم الاستقرار وزيادة مخاطر التطرف، هو وضع يواجه لاجئو فلسطين فيه ما يمكن اعتباره بالعديد من السبل تحديات وجودية. فالتغاضي عن ضعف واحتياجات لاجئي فلسطين في سوريا يُعَد مخاطرة لا يمكن للعالم أن يتحمل تبعاتها.
من هنا أهمية بذل كل الجهود في حشد الموارد للوكالة على المستوى السياسي في العواصم الرئيسية، وإجراء اتصالات عاجلة بزعماء العالم لحثهم على توفير التمويل اللازم، والضغط من أجل وضع مسألة تمويل الأونروا على أرضية جديدة وصلبة تمامًا، للمحافظة على كافة الخدمات الرئيسية التي تقدمها الوكالة، والإبقاء على استمرارية عملها وتجنيبها الأزمات المالية السنوية، ومعالجة الوضع الهيكلي المالي للوكالة بطريقة أكثر استدامة، وإذا عجزت الدول المانحة عن الإيفاء بالتزاماتها المالية لسبب أو لآخر، يصبح واجبًا على الأمم المتحدة وحرصًا منها على الأسس والمبادئ التي انطلقت لأجلها، أن تبادر لتغطية العجز المطلوب من صندوقها المركزي، وأن تسارع لإنقاذ سمعتها أو ما تبقى من سمعتها بسبب "تغليبها المصالح السياسية على حساب مصالح قِيَم العدالة الدولية ومبادئ حقوق الإنسان"..!
أخيرًا، يردد لاجئو فلسطين اليوم أن وكالة الأونروا ليست للبيعأو الشطب والإلغاء, ويجب أن تظل على رأس عملها في خدمة اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم لأرض وطنهم وفق قرار تأسيسها.وهنا يترتب على الأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي اعتماد ميزانيات دائمة للوكالة من صندوق الأمم المتحدة الأساسي، والكف عن وضعها تحت رحمة الدول المانحة.