ترتسم في ذهن الصياد علامة استفهام وهو يهم لركوب بحر الباطنة في رحلة الرزق، يظهر وأن أحداً قد سبقهم إلى ترتيب "الليخ" والمصائد، وأزال عن وجه السيف أثر السيارة، مهّد للشمس وللأسماك والمراكب وجهة المجهول، وعلق الأمل من بعد صلاة الفجر مكان الفوانيس وأعمدة النور. هذا الحدث يتكرر في كل صباح مع العامل والفلاح وباعة الأسواق القديمة، لقد سبقهم "حمد" إلى مطلع النور، فرش القصيدة مكان البحر، ورفع التفعيلة عوضاً عن "العوّان" والفسائل اليبساء.
لم يرتد حمد الخروصي ثوب لغة الدخلاء، ولم يعرف السبيل إلى ربطات الأعناق، في كل شعرة من شعرات رأسه ذكرى لملعب وشارع وأصدقاء طفولة، هو المتهيئ للصدمات بتلك الابتسامة المختومة على محياه، كلما ابتسم حمد سمعته المقابر وأعشاب الجبل، وكلما حزن حمد تقرع البروق جرس المطر..
بكل بساطة، ولد حمد الخروصي شاعرا لأعياد البسطاء، لكل فرح منسي في دور الأيتام، افتتح دور الأوبرا في محاني التعساء، أهداهم المطارات وهي تهز رؤوسها، ومسقط في ريش الحمام..
لم يفسر فلسفة المعنى في قصيدة حمد الخروصي أحدٌ قبل الحرية وراية الوطن والضعفاء في السجون والمنافي، صحيح أنه كتب "الدعن" و"الخوص" و"مدينة الأموات"، ولكن، لم الحبيبات رقصن لكل هذه السوداوية وهنّ في ثوب الزفاف؟
حمد الخروصي شاعر جرب الموت في صيغ الحياة، وأحال الحياة لموته هو، إلى أن عاد من قبر القصيدة بالوطن الماجد، وشعب يرفع رايات النصر، يرز بيارقها في محافل المعنى وسديم البلاغة.
من الصعب أن نكتب عن حمد تحت تأثير صدمة الفقد الفاجع، غداً بعد الصلوات والأذكار والترحم على روحه الناصعة، عائدون إليك، إلى أدراجك العتيقة، وملفات "سائق التاكسي"، ودفتر محاضراتك فوق محركٍ داخل ورشة الكلية، سنعاود الحديث عن شخصية تجربة الشعر لدى حمد الخروصي، التي لم ولن تتكرر من وجهة نظري الشخصية لدى شاعر آخر، لأن حمد كتب حياته من المولد حتى الموت.. بالربطة التي تشبعت عطراً ومسكاً وهي تطوّق خاصرة باقة زهر الخلود.

جمال الشقصي