[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
يدرك الرئيس عباس تماما: أن عقد مجلس وطني دون التشاور مع فصائل منظمة التحرير وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التنظيم الثاني في الساحة الفلسطينية من فصائل منظمة التحرير, والتي ناضلت ضد اتفاقيات أوسلو وتداعياتها, والتي طالبت في كل ما صدر عنها, بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ولمؤسساتها كافة, وهي التي أول من رأى خطأ التصور من قبل من وقعوا أوسلو: بأن السلطة الفلسطينية في عرف قادتها, هي البديل للمنظمة.

على ما يبدو, أن الأمور تتجه لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله, خلال أيلول/سبتمبر القادم على أبعد تقدير, وبمن حضر! الاجتماع سيحضره (وفقا لأحد مستشاري عباس), أعضاء المجلس الوطني المتواجدون في الضفة الغربية (وهم بالكاد خُمس أعضاء المجلس), وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح, ووجوه وطنية يختارها الرئيس الفلسطيني بالطبع. بداية, فإن الأسئلة التي تطرح نفسها بعنف, حول الهدف من هذه الدعوة وسرعتها... هل سيستقيل عباس؟ هل سيقوم بحل السلطة؟ هل هناك ضغوطات أميركية ـ صهيونية على السلطة من أجل التهيئة لخطوة سياسية قادمة؟ ثم ما الذي استجد من متغيرات سياسية تستدعي عقد المجلس؟ وغير ذلك من الأسئلة الممكنة والكثيرة.
حول دورة المجلس المنوي عقدها, لا بد من التوضيح: أنها ستكون الدورة الأولى في تاريخ المجلس التي يتم عقدها دون توافق وطني فلسطيني, حتى مع تلك المنضوية في إطار منظمة التحرير! فعزام الأحمد وأثناء لقائه الأخير مع بعض التنظيمات الفلسطينية المنضوية في المنظمة, في العاصمة اللبنانية... كان يُبلّغُ رسالة, أكثر من قيامه بأخذ رأي التنظيمات, وهو ما حدا بالأخيرة إلى مهاجمة الخطوة ..هذا أولا. ثانيا أن عقد الدورة الجديدة للمجلس الوطني يأتي في ظل واقع فلسطيني قاسٍ ومؤلم وحزين, وفي أسوأ حالاته: انقسام سياسي وجغرافي, انسداد الآفاق بشكل كامل أمام الشعب الفلسطيني من خلال, نهج التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض (ولا شيء غيره!) الذي اختارته قيادة السلطة, كنهج استراتيجي لها في التعامل مع الصراع مع العدو, وتداعياته في فتح شهية العدو الصهيوني للمزيد من التنازلات الفلسطينية, ومن خلال (على ما يبدو) أنه طلاق نهائي بين سلطتي رام الله وغزة (المُحتلتين كلاهما عمليا), وتلفت النظر إليها على هذا الصعيد: الحركة السياسية النشطة للأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس, مؤخرا, واجتماعه بأردوغان وتوني بلير, وما رشح عن هذه الاجتماعات وعن مصادر إسرائيلية وفلسطينية, بأن سلطة غزة ماضية في حركتها السياسية لعقد هدنة دائمة مع العدو, وربما إقامة دولة, مقابل رفع الحصار عن القطاع وممر مائي له, يربطه مع قبرص, وبمعزل تماما عن الضفة الغربية... لا سيّما أن الصهاينة يودون, إما أن يبتلع البحر غزة, أو أن يتخلصوا منها ومن كثافتها السكانية الكبيرة, وأهلها (المزعجين لهم), بفصلها نهائيا عن الضفة الغربية. من زاوية ثانية: لا نبالغ القول إن قُلنا: أن شهية الإخوة في حماس, كبيرة لإقامة دولة تحت سلطتهم! هذا ما تشي به تصريحات قادة من حماس ونقلته صحيفة الحياة اللندنية (لأحمد يوسف الجمعة,14 آب/أغسطس الحالي), تصريح سامي أبو زهري الناطق الإعلامي باسم حماس حول عقد الأخيرة للقاءات ثنائية مع التنظيمات الفلسطينية في غزة, التصريحات الأخيرة (الخطيرة , والكاشفة لاستراتيجيية حماس, والمزعجة بالطبع للحركة!).
ثالثا, يدرك الرئيس عباس تماما: أن عقد مجلس وطني دون التشاور مع فصائل منظمة التحرير وعلى رأسها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التنظيم الثاني في الساحة الفلسطينية من فصائل منظمة التحرير, والتي ناضلت ضد اتفاقيات أوسلو وتداعياتها, والتي طالبت في كل ما صدر عنها, بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير ولمؤسساتها كافة, وهي التي أول من رأى خطأ التصور من قبل من وقعوا أوسلو: بأن السلطة الفلسطينية في عرف قادتها, هي البديل للمنظمة (والغريب: أن "إعادة الاعتبار للمنظمة" هو أحد أهداف الرئيس! ذلك ما رشح في بيان مكتبه للتهيئه لعقد المجلس)... كما عدم التشاور مع الإخوة في حركتي حماس والجهاد الإسلامي, سيكرّس الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني! رابعا, يدرك الرئيس: أن التشاور والتوافق بين الفصائل الفلسطينية, في هذا الواقع الفلسطني والعربي المُحبط, هو قضية إيجابية بحد ذاته .. فما بال لو جرى التوافق أيضا على عاصمة عربية لعقد الدورة على أرضها, فسلطات الكيان لا تسمح لأربعة أخماس أعضاء المجلس الوطني بالدخول لوطنهم, وحتى لو سمحت بدخول بعضهم, فهي خطة لاستدراجهم .. إما لاعتقالهم أو تفجيرهم ... وهذه هي تجربة القائد الفلسطيني الكبير أبو علي مصطفى, الذي تأتي ذكرى اغتياله بتفجير مكتبه بثلاثة صواريخ, نهاية الشهر الحالي آب/أغسطس.
خامسا, نود التساؤل: ولماذا يقتصر الحضور على قيادة فتح فقط, لماذا أيضا ليس كل قيادات التنظيمات الأخرى! سادسا: وهذه النقطة مرتبطة بالسابقة وفحواها: لا يجوز ضرب دستور المجلس الوطني, ولا تعليق قوانين حضوره على الرف! فمن الخطأ والخطر التصور بأن المجلس هو حكر أو مزرعة لهذا التنظيم أو ذاك! أهذا هو احترام رئيس السلطة التنفيذية, للسلطة التشريعية!؟ ثم إن المادة التي اعتمد عليها الرئيس للدعوة لعقد المجلس الوطني هي "الظروف الطارئة", فأين هي هذه الظروف؟ . سابعا, التمسك بالديموقراطية هو نهج متكامل وليس "فهما مزاجيا فرديا متسلطا" في تقديره لظروف الانعقاد! من المُفترض أن ينعقد المجلس االوطني مرة كل 4 سنوات! فلماذا لم يحترم الرئيس هذا الأمر!؟ الدورة الأخيرة للمجلس كانت في عام 1996. وفي عام1998 تم دعوة المجلس الوطني, في غزة, وبحضور الرئيس كلينتون للاجتماع وقد جرى تخصيصه لإلغاء الميثاق الوطني... لم يتمكن عديدون من قادة وفصائل المنظمة من الحضور, وقد كان "همروجة" و"فوضى", وحضره المرافقون والسائقون وأعضاء الأجهزة الأمنية وغيرهم (ومع الاحترام الكبير لكل هؤلاء.. لكنهم لم يكونوا أعضاء في المجلس) واعتُبرت القرارات صحيحة, ليس بالعدّ وإنما بالتصفيق وهذه مسألة مخالفة لقانون المجلس! ثم لا تنسوا: أن الرئيس عرفات الذي وقع اتفاقيات أوسلو وملحقاتها, حوصر في المقاطعة 3 سنوات! وأن قرار علاجه قبل وفاته رحمه الله, كان مرهونا بالموافقة الإسرائيلية!.. هذا يقودني إلى تساؤل ردّدته مرارا: هل يعرف الرئيس عباس ومؤيدوه حقيقة الكيان؟ ثم إن الرئيس عباس, فردي في قراراته ولا يلتزم لا بقرارات مجلس وطني ولا مجلس مركزي, والدلائل كثيرة... فمثلا في اجتماع المركزي الأخير تقرر وقف التنسيق الأمني مع العدو.. هذا لم يتم! قرار الرئيس بإعفاء عبد ربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية لم يُبحث في اللجنة التنفيذية ولم يُستدع المعني حتى للدفاع عن نفسه! لستُ بالطبع من المُعجبين بعبدربه(وقد كتبت ذلك في الوطن) وقلتُ في نهجه السياسي, ما لم يقله مالك في الخمر. أقولها بملء الفم وسأظل أرددها: الفردية لم ولن تُنتج سوى عمى الألوان في محاكمة الحدث, ومجابهة استهدافاته.
ثامنا, لن يستقيل الرئيس ولن يقوم بحل السلطة, وأسبابي كثيرة كتبتُ عنها في مقالات سابقة في العزيزة "الوطن". تتجه النية ومثلما يقولون لانتخاب 7 من أعضاء اللجنة التنفيذية بدلا من المتوفين, ولربما يجري انتخاب هيئة رئاسية جديدة للمجلس... كل هذا ممكن, غير أن المؤكد: أن هناك خطوة (طبخة) سياسية جديدة, ربما تكون أحد المسامير الأخيرة في نعش المشروع الوطني الفلسطيني... الذي لن يموت بالتأكيد, وسيظل شعبنا يحمله نبراسا, وشعلة مضيئة في ظلام الليل الحالك الحالي! لم لم يُقدّم شعبنا شهداءه وكل, على مدى قرن زمني وما ... من أجل حق منقوص! لن نقبل إلا بحقوقنا في أرضنا من النهر إلى البحر... يوما ما, ستتم هزيمة المشروع الصهيوني, وسينكفئ كل المستوطنين الذين جلبهم من مختلف أنحاء العالم لاحتلال أرضنا! لا أقول شعرا... ولا أحلم ... رغم أن الحُلم مشروع تماما! فالهذف الكبير يبدأ بحلم, وخطوة ثم خطوة ثم خطوة... ويتحقق. قصيرو النفس دائما يُردّ عليهم.. بواقع تجارب حركات التحرر الوطني.. وحقائقه, وبالتاريخ ودروسه.
في النهاية .. أود التوضيح: يلومني كثيرون على قسوة مقالاتي في نقد السلطة الفلسطينية!, ما أود قوله, أولا إنني أقسو لأن الواقع بالنسبة لشعبنا, في الوطن بأجزائه وفي الشتات, أكثر قُسوة, ولأن السلطة في وادٍ وشعبنا في وادٍ آخر. ثانيا, أتمثل بالمقولة العربية في وصف المستحيل "كمن يحلب النملة"! عباس يبدو هكذا! يراهن على " طيران السلحفاة" لأن من يراهن على المفاوضات مع الكيان .. يبدو تناما كالمقولتين السابقتين, تجربة 22 عاما من المفاوضات لم تكن كافية لعباس ليغير استراتيجيته!, المرحوم ياسر عرفات أدرك متأخرا أنه أخطأ في رهانه, وأنشأ كتائب الأقصى, التي أذاقت العدو الصهيوني ويلات كبيرة.
الرئيس عباس وفي أول قراراته بعد تسلمه لمنصبه, أكد على نهج المفاوضات كخيار استراتيجي للشعب الفلسطيني, أمر بجمع كل أسلحة الفلسطينيين وأمر بسجن كل من يثبت بأن لديه سلاح. سياسة أوسلو ونهجها لم تجلب للفلسطينيين سوى الدمار والكوارث وفتح شهية العدو للمزيد من التنازلات الفلسطينية, والمزيد من الاشتراطات التعجيزية على الفلسطينيين, ثم إن قمة المأساة, أن تحارب عدوا لا تعرفه.. أو تعرفه وتتجاهل حقيقته! عباس إما لا يعرف حقيقة الكيان أو يتجاهلها!