[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

في الوقت الذي تهز فيه الأزمة النفطية مضاجع كل الدول النفطية، وتزداد حالة الاهتزاز بصورة تصاعدية ومقلقة جدا، وقد تمس الأنظمة نفسها .. يهز تصاعد الحوادث المميتة على طريق أدم ـ ثمريت مستقبل السياحة الخريفية في محافظة ظفار، وتهزها كذلك الصعوبات التي يلاقيها السائح والزائر في الوصول إلى محافظة ظفار والخروج منها، ويهزها كذلك قلة المرافق السياحية .. فكيف نتطلع لكي تكون السياحة أحد المصادر البديلة لقطاع النفط، ذلكم مشهد لا بد أن يطرح من هذا المنظور، لأن وراءه فكرا ينبغي أن يتغير، وكان ينبغي أن يتغير لكنه لم يتغير حتى الآن، فكرا جعل بلادنا رهينة لمورد اقتصادي واحد طوال أكثر من (45) سنة، وكان بإمكانه أن يحرر بلادنا من الهزات النفطية، ويؤمنها من أية تداعيات مقبلة.
كانت أمام هذا الفكر عدة خيارات لم يستغلها، وهي خيارات تتوفر لدول قلائل فقط، أبرزها السياحة والزراعة والثروة السمكية والصناعة والتعدين والموانئ والخدمات اللوجستية.. الخ. وقد كانت السيولة المالية متاحة لنقل اقتصاد البلاد من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي عن طريق توظيف الموارد النفطية، وهذا لم يحدث، بل حدث العكس، وهذا ما نلمسه في تنويع وتعدد مصادر ثروات من ائتمنوا على أمانة التنوع الاقتصادي، بحيث لو بحثنا في مصادر اقتصاداتهم الخاصة، فسوف نجدها تعتمد على عدة مصادر وليس مصدر واحد كما يعتمد عليه اقتصادنا الوطني، فكيف نجحوا في تنوع اقتصادياتهم مقابل إخفاقهم في إيجاد قاعدة التنوع لاقتصادنا الوطني؟ والآن، إلى أين سوف يقود هذا الإخفاق بلادنا في ظل أزمة نفطية كل مؤشراتها وخلفياتها تشير إلى استفحالها؟ فبعض التقارير تحدد (10) دولارات سعرا مستقبليا للنفط في حالة عودة طهران لإنتاجها السابق، وحتى لو استبعدنا تلك الصورة السوداوية، فإن محدودية العمر الزمني لنفطنا (..) وهذا الكل يعرفه ـ (يجبرنا) على العمل الجاد والصادق ومنذ الآن على تحضير بلادنا لمرحلة ما بعد النفط، لكن ـ للأسف ـ فإن هذه المعرفة أو العلم بالأثر المستقبلي لا يقابله تصحيح للخطأ أو استدراكه، بل العكس ديمومته وترسيخه، كما لا يقابله وجود إرادة حقيقية وواضحة لمواجهة نضوب نفطنا خلال (...) عاما المقبلة، لا يوجد ما يجعلنا نطمئن على المستقبل، بل العكس، بدليل، ما يعانيه قطاع السياحة في محافظة ظفار من هزات سنوية قوية سوف تنفر السائحين وتثير تحفظاتهم على عدم تكرار رحلاتهم السياحية ـ برا أو جوا ـ مثل حوادث الموت على طريق أدم ـ ثمريت، ورغم أنها ظاهرة خريفية دائمة، إلا أنه يبدو أن الخريف الحالي سوف يدخل في قاموسه رقم أعلى الحوادث المميتة التي تحدث على ذلك الطريق خلال الخريفيات الماضية، ففي الخريف الحالي شهد مصرع العديد من الأسر منها عمانية وإماراتية وبحرينية. (نعم) أسر بكامل أفرادها، كبارا وصغارا، قد لقوا مصرعهم على هذا الطريق .. ومهما كانت المبررات .. فالطريق قد أصبح مؤهلا لسلب الحق في الحياة ـ والأعمار بيد الله ـ وذلك لرداءته وعدم ازدواجيته من ولاية أدم إلى ولاية ثمريت وتنتشر به الحفر ويستخدمه الذاهبون والقادمون مما يسبب إرباكا عند السائق، فأبسط الأخطاء سيؤدي على الفور إلى اصطدام العربتين وجها لوجه .. كما أن الحيوانات السائبة كالأبقار والجمال تفاقم من مخاطر هذا الشارع المتهالك، فكيف نترك هذا الطريق يؤدي سنويا إلى إزهاق أرواح الزوار والسياح..؟ ولن نجد عمانيا ولا خليجيا إلا ويتحدث عن طريق الموت، ويتساءل عن الأسباب التي تقف وراء عدم تنفيذ وعود ازدواجيته حتى الآن؟ ويطرحون تساؤلات كبيرة حول الصمت الرسمي لتأثير هذا الطريق على السياحة الخريفية؟ خاصة وأن الأغلبية من السياح يأتون برا، والطريق بتلك سلبيات، وتلك التداعيات، قد أصبح يضرب السياحة في العمق مثلما تضرب الأزمة النفطية التنمية في الدول النفطية، كما لم تعد للتصريحات حول ازدواجية هذا الطريق ذات مصداقية من كثرتها.
حتى لو فتحنا نافذة صغيرة على السياحة "جوا" فسنجد فيه إشكاليات كبيرة كذلك، فهناك صعوبات كبيرة تعترض مجيء ومغادرة الزائرين والسياح، فرغم عدد الرحلات الكبيرة والذي قد يصل في اليوم إلى أكثر من (15) رحلة للطيران العماني، إلا أن هناك صعوبة بالغة في الحصول على مقعد، وقد تستنزف هذه الصعوبة أسبوعا من إجازة السائح والزائر، فكيف نريد تشجيع السياحة؟ وكيف نتطلع من قطاع السياحة إلى أن يكون مصدرا للدخل؟ والمتضرر كذلك، المواطنون في ظفار ـ سواء ساكنوها أو العاملون فيها ـ الذين قد تجبرهم الحاجة الضرورية للسفر لمسقط خلال أربع وعشرين ساعة ... فلن يجدوا المقعد في حينه .. وينتظرونها أحيانا لمدة أسبوع، لن نتحدث عن بقية الإشكاليات القديمة والجديدة، كتأخر الحقائب ولا تعطل خراطيم الطائرة فجأة رغم حداثتها .. فكلها تضرب سمعة السياحة الخريفية، وبالتالي قطاع السياحة في بلادنا على اعتبار أن الجزء يؤثر في الكل، فلماذا نسخر الملايين على الترويج السياحي إذا كنا غير قادرين على أن نؤمن للسياح مقومات السياحة الأساسية؟ إننا نسير قطاع السياحة بالبركة والتمنيات .. بنفس الفكر الذي يسير قطاع النفط .. وهذا الفكر سوف يدخل البلاد الآن في مرحلة التفكير في التقشف .. لكن ماذا سيكون الوضع إذا ما تدهورت أكثر أسعار النفط؟ وكيف سيكون الوضع كذلك إذا ما وصلنا إلى مرحلة نضوب النفط دون إيجاد البدائل له؟ تساؤلان يختزلان المشهد المستقبلي من جهة، ويضعان القرار السياسي في سياق المسؤولية الوطنية العاجلة. من هنا ينبغي الإسراع في تطوير وتأهيل الأداء الحكومي "المترهل والمتراخي" أو تغييره إذا كان يعجز أو يقف عقبة في التأهيل والتطوير، فالمرحلة بحاجة إلى عقول وجلسات عصف ذهني، تخرج لنا بحلول غير نمطية وغير تقليدية، يحس بها الوطن والمواطن، وإلا، فإن العلاقة القائمة بينها ستؤثر فيها اهتزازات تلك الأزمات الكبيرة، ولن نجد فكرا عقلانيا رفيعا يقف وراء العراقيل التي تحد أو تؤثر على حركة السياحة برا وجوا كتلك التي أوضحناها سابقا، وبالتالي، ما هكذا تصنع السياحة في بلادنا، وبالتالي، ما هكذا يكون نتائج الوعي السياسي بخطورة تذبذب الأسعار النفطية ومخاطرها المستقبلية، ولا بخطورة نضوب النفط في الآجال الزمنية المقبلة، وكلها تعكس أننا لا نسير في الطريق الصحيح نحو إيجاد البدائل للنفط، فهل سيظل الوضع كما هو عليه؟ لا بد من عقد جلسات عصف ذهنية معمقة حول أسباب الإخفاق وكيفية إحداث نقلة نوعية مبرمجة زمنيا وفق خطط على عشرين سنة مقبلة، ويكون مسؤولا عنها فريق عمل وطني مهني ومتخصص ومتفرغ ولديه هاجس الدولة الأولى "التنويع الاقتصادي" ويتم متابعتها كل ثلاث مرات في السنة من قبل هذا الفريق وتحت رقابة مجلس عمان بثنائيته البرلمانية "الدولة والشورى" بالاستعانة بخبراء من دول آسيوية وعالمية لها تجارب ناجحة ليس في صناعة التنوع وإنما في سرعة تحقيقه، وإلا، فهل تجربتنا في مجال التنوع سوف تصنع لنا خلال تلك السنوات مصادر دخل بديلة للنفط؟ الإجابة مفتوحة.