[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
الذين قاتلوا جمال عبدالناصر في نهاية الخمسينات والستينات من القرن الماضي إنما أرادوا قتل الأفكار التي رفعها وكذلك الرمز الذي حمله، هم اليوم يعيدون الكرة مع سوريا العروبة، وهم من دفعوا صدام حسين لحرب مع إيران، بل هم أيضا مع وشوشوا (أي همسوا) من أجل احتلال الكويت كي تكون نهايته .. وليس غريبا إن مارسوا كل أنواع دعم الحلف الأطلسي لإنهاء معمر القذافي، ثم هم من شجعوا إسرائيل ووقفوا معها في حربها ضد حزب الله عام 2006.
يكاد ينطق زمننا المعاش بذاك الزمن الذي ما زالت آثاره في عقولنا وعلى الورق السري والمباح وسيظل محفوظا في أرشيف المنطقة منقولا من جيل إلى جيل، ويجب تشجيع كل من يتصدى لتلك الفكرة كي يوثقها بحرفيتها، لأن القتلة لم يتغيروا، بل لم يبدلوا جلودهم أو يلبسوا قفازات وإنما جاهروا بمواقفهم إلى الحد الذي أعادوا إلينا صورة ذاك الماضي بتفاصيله.
لكن قتل الفكرة والرمز أنتج قيما إنسانية كبرى، فحين اجتمع الكفار على الرسول العربي من أجل إيذائه وقتله، بلغت دعوته حقيقتها .. الأفكار النبيلة لا تموت مهما شد عليها القتلة سيوفهم، والرموز الذين غيروا تاريخا بكامله لصالح شعوبهم وأممهم لا يموتون .. صحيح أن العرب أكثر من يقتلون زعماءهم أحياء وأمواتا، ففي القاهرة إلى اليوم لا نجد نصبا لعبدالناصر، هكذا حدثني يوما أحد الكتاب الألمان الذي أكد لي أنه حتى الكرسي الذي كان يجلس عليه بيتهوفن ما زال له قيمة وتمايز، فما بال من صنعوا فكرا أو قيما كبرى.
العالم الحقيقي يعيش برموزه، هي مساهمة من الأجيال في تبني الخلاصات الإنسانية التي تعنيهم في الصميم. من المؤسف أن العرب تكرارا، يصفقون لرمز ثم يلعنونه أمام صنوف من الكلمات المؤثرة، ولذلك هم أمة صوتية كما يقول عبدالله القصيمي، هم يستهلكون من الأوكسجين ما لا تستهلكه البشرية جمعاء لأن اللغة العربية تحتاج للكثير من الشهيق والزفير كما وصفها ناقد ياباني.
التركيز على بشار الأسد إنما هو دعوة لتصفيته كرمز للمكان ولفكرة يجب أن تعمل الأمة كلها على أن لا تموت. ومع ذلك فإن الرئيس السوري أسقط الحزب الذي يمثله وهي الفكرة حين طولب، لكنهم يريدون نبش من صنعوها حتى من قبورهم، فكلمة العروبة مثلا يجب أن يلاحق من أطلقها سواء كان ميتا أو حيا، وكلمة القومية العربية أيضا، وكل كلام يؤذن للأمة الواحدة، بل باتت الجمل التي تطالب بقتال إسرائيل مطلوبا ملاحقة صاحبها واعتقاله وسجنه أو إنهاء وجوده.
لكن، من الصعب على هؤلاء الوصول إلى غايات من هذا النوع لأن مدرسة العروبة والقومية العربية عاشقة للتراب العربي ومتجذرة فيه تجذر جذور الشجر في التربة. بل من الصعوبة بمكان أن يغيروا مفهوم الهواء الذي نتنفسه لأن أوكسجينه ما زال ممتزجا بأنفاس الأصلاء من هذه الأمة وهم من يشكلون ذلك المفهوم. فلا خوف على أمتنا، هكذا نراها وهي تتعذب فتطوي أشرارها كي تخلص من وجودهم، ولا يفرحن أحد بالصورة الحالية لأنها خادعة.