[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
لذا فإن أي تدخل عسكري أو مدني إيراني بهدف قلب ما يجري اليوم من اندفاع لتصحيح المسار ولمنع الفساد وبتر أذرعه المسرطنة، يمكن أن يقود إلى واحدة من نتيجتين، لا تقل إحداهما عن الأخرى خطورة وتلويحًا بسفك الدماء، وهما: (1) تفجر حرب أهلية بين المستفيدين والمثرين من الحكومات السابقة، من ناحية، وبين الكادحين الذين كانوا الضحايا النهائية، للممارسات الفاسدة التي أتت على ثروات العراق ومستقبله، و(2) قلب العراق إلى ساحة صراع (بل وربما حرب مسلحة حقيقية)..

عندما استيقظ العراقيون صباحًا قبل بضعة أيام على نبأ سفر السيد نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية المعزول، إلى طهران انتشرت الأقاويل والإشاعات حول مسببات وأغراض هذه الرحلة غير المتوقعة، خاصة بعد أن تزايدت المطالبات الشعبية بمنع سفر المسؤولين العراقيين السابقين والحاليين لحين جرد خسائر العراق المالية الأسطورية الأرقام والتحقيق في مآلاتها عبر قنوات الاختلاس والفساد الإداري والمشاريع الخيالية، بمعنى المشاريع التي لا تتعدى الحبر على الورق.
وإذا كان هناك من حاول الترويج لفكرة أنه قد "هرب"، خشية الإجراءات المنتظرة أعلاه، فإن هناك من قال بأنه قد "لبَّى" دعوة من منظمة غير رسمية لحضور أحد أنشطتها. ولكن بغض النظر عن الافتراضين، العصيين على البرهنة، أعلاه، للمرء أن يطرح افتراضًا جديدًا في محاولة جادة لتفسير تلك الرحلة المفاجئة، إذ يمكن أن يحاول السيد المالكي سحب أقدام الجمهورية الإيرانية الإسلامية إلى الصراعات الداخلية في العراق. هذا ما يمكن أن يحدث إذا ما "استجار" السيد المالكي بالحكومة الإيرانية على سبيل استدراجها إلى أخطر ما يمكن أن يفجر الوضع في العراق الملتهب اليوم. لذا فإن أي تدخل عسكري أو مدني إيراني بهدف قلب ما يجري اليوم من اندفاع لتصحيح المسار ولمنع الفساد وبتر أذرعه المسرطنة، يمكن أن يقود إلى واحدة من نتيجتين، لا تقل إحداهما عن الأخرى خطورة وتلويحًا بسفك الدماء، وهما: (1) تفجر حرب أهلية بين المستفيدين والمثرين من الحكومات السابقة، من ناحية، وبين الكادحين الذين كانوا الضحايا النهائية، للممارسات الفاسدة التي أتت على ثروات العراق ومستقبله، و(2) قلب العراق إلى ساحة صراع (بل وربما حرب مسلحة حقيقية) بين الولايات المتحدة الأميركية، من ناحية، والجمهورية الإسلامية، من الناحية المقابلة. النتيجتان تنبئان بمخاطر على الوضع داخل العراق الذي سيكون هو "كبش الفداء"، ثم على مسألة بقاء النظام الإقليمي القائم منذ حوالي قرن.
من المنظور الأول، هناك احتمال خطير للغاية يفيد بأن أموال العراقيين وثرواتهم التي اختفت على حين غرة، إنما عبرت الحدود الشرقية على نحو منتظم باتجاه إيران، أي لمساعدتها على البقاء والمقاومة طوال سني العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. ولإيضاح الصورة على نحو أكثر تجسيمًا. ربما تكون القيادات الشيعية التي اندفعت ممتطية الدروع الأميركية لتملأ فراغ السلطة الذي تركه سقوط نظام البعث، قد حاولت رد جميل إيران التي جهزتها بالملجأ والعون والتسليح طوال مرحلة حكم البعث، عن طريق خرق العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل العالم الغربي عبر تمرير أموال وثروات العراق إلى طهران. مثل هذا الاحتمال وارد جدًّا، بمعنى أن أي تدخل إيراني للعبث في الشأن العراقي الذي يغلي اليوم تحت درجة حرارة مرتفعة للغاية، يمكن أن يميط اللثام عن أن الحكومات العراقية السابقة كانت ترفد إيران من أموال العراق، مستغفلة بذلك واشنطن التي عاونتها على القفز إلى سدة الحكم، وضاحكة على ذقون حكومات العواصم الغربية، هذه الحكومات كانت تتوقع تطيير مساعدات ومواد ممنوعة من بغداد إلى طهران فعلًا، إلا أنها لم تكن لتتوقع أو تشك قط أن تضحي حكومة عراقية بأموال العراق ومستقبل أجياله، مقايضة لإيواء أعضائها بضعة عقود عندما كانوا "يناضلون" من أجل الحرية بين أسواق طهران وأزقتها.
لهذا السبب، سيكون أي عبث إيراني في الشأن العراقي داميًا، بل ويمكن أن يستدرج قوى عالمية إلى المنازلة ثقيلة في العراق. لنتذكر دائمًا أن أسخن موضوع للجدل والجدال في خضم الترشيحات للرئاسة الأميركية اليوم هو موضوع مبررات ونتائج الغزو العسكري الأميركي سنة 2003، إذ يشير أغلب المرشحين إلى أن هذا الغزو كان خطًّا تاريخيًّا، باستثناء السيد "جيب بوش" شقيق الرئيس السابق، جورج بوش الابن.
والحق، فإن ما يؤلم الإدارة والسياسة الأميركية بقسوة اليوم، هو الشك الوسواسي الذي يفيد بأن واشنطن قد غزت العراق سنة 2003 كي يثبت هذا البلد الغني دائرًا في فلك طهران. هذا الشعور باستبدال نظام البعث المباد بنظام ذي هوية ثيوقراطية يتبع خطى نظام الحكومة الإيرانية، إنما يحبط كافة المؤسسات الأميركية التي راحت تشعر بعبء استغفالها وفوز طهران، بدلًا عن واشنطن، باليد العليا في العراق. فيا للمأساة! لذا فإن أخطر الافتراضات المحتملة هو تحرك الإدارة الأميركية (وربما قواتها المسلحة) لإعادة الأمور إلى نصابها، كما كانت يوم سقوط نظام البعث. لا يمكن للولايات المتحدة أن تعترف بعجزها في الحفاظ على العراق الذي يتوسط الشرق الأوسط ويشرف على رأس الخليج العربي ومنابع النفط الغزيرة على سواحله الغربية والشرقية.
وخلاصة القول، هي إن أي تدخل إيراني في الشأن العراقي الملتهب اليوم يمكن أن يقود الولايات المتحدة لتدخل مقابل، فيبقى الشعب العراقي بين مطرقة "المارينز" وسندان "الحرس الثوري".