[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
واكبت الدورة السابعة مطالبات التطوير والتحسين التي شهدتها السلطنة في فبراير 2011م, واستجاب جلالته ـ أبقاه الله ـ لمطالب شعبه, وكان كريمًا عندما زاد عليها, بتوسيع صلاحيات مجلس الشورى التشريعية والرقابية, وإنشاء مجالس بلدية ينتخب أعضاؤها بالاقتراع السري المباشر لأول مرة في تاريخ السلطنة, وأوكل إليها الكثير من الاختصاصات الخدمية التي كان يقوم بها من قبل أعضاء مجلس الشورى, وشمل التطوير كذلك منح صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة لمجلس الدولة من أجل ترسيخ مفهوم الشراكة السياسية.

عندما يتوجه الناخبون لصناديق الاقتراع في شهر أكتوبر القادم لاختيار ممثليهم في مجلس الشورى, للدورة الثامنة من عمر المجلس, الذي كانت دورة انعقاده الأولى في عام 1991م, تكون مسيرة الشورى العمانية قطعت شوطًا كبيرًا في إرساء دعائم وتقاليد الحياة النيابية في السلطنة, بعد قرابة ربع قرن من الممارسة البرلمانية المتدرجة، خطا خلالها المجلس خطوات واثقة في مجالات الرقابة والتشريع، وأسهم بإيجابية في مسيرة النهضة المباركة، وشارك أعضاؤه من خلال النقاشات والآراء المتنوعة ـ المستندة إلى دراسات وأبحاث علمية ـ في إثراء جهود الحكومة في مسعاها لتنفيذ الخطط التنموية المتعاقبة وتقديم الخدمات اللازمة لتطور ورفاهية المواطن العماني.
وتتميز تجربة الشورى العمانية بالواقعية والتدرج والخصوصية, وعدم الانجرار وراء التقليد الأعمى للتجارب الديمقراطية التي لا تتناسب مع مكوناتنا, آخذة في اعتبارها طبيعة وخصوصية المجتمع العماني, ومبدأ الأولويات القائم على ضرورة بناء الإنسان أولًا صحيًّا وتعليميًّا وثقافيًّا, حتى يصل لمرحلة النضج، ويكون لديه القدرة على حسن الاختيار وفهم ما له من حقوق وما عليه من واجبات، عندها يستطيع ممارسة الحرية والديمقراطية بوعي, دون التغول على حقوق الآخرين, أو الإضرار بمصالح الوطن العليا.
ترجمت هذه المراحل التي قطعتها التجربة البرلمانية بالسلطنة, ما جاء في النطق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في افتتاح الجلسة الثالثة لمجلس عُمان عام 2003م, بخصوص رؤية جلالته للديمقراطية عندما قال أعزه الله: "لقد أردنا منذ البداية أن تكون لعُمان تجربتها الخاصة في ميدان العمل الديمقراطي، ومشاركة المواطنين في صنع القرارات الوطنية، وهي تجربة يتم بناؤها لبنة لبنة على أسس ثابتة من واقع الحياة العمانية ومعطيات العصر الذي نعيشه".
وعندما نستعرض تاريخ الحياة النيابية في السلطنة, نلاحظ هذا التدرج الذي أشار إليه جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ ففي البداية أُنشئ المجلس الخاص بالزراعة والمسامك والصناعات" في عام 1976م, ورغم أن هذا المجلس كان يتم اختيار أعضائه بالتعيين, إلا أنه اكتسب أهمية خاصة كونه أول مجلس نيابي يتم إنشاؤه في السلطنة.
وفي عام 1981م تم إنشاء مجلس استشاري ذي صلاحيات محدودة أطلق عليه "المجلس الاستشاري للدولة" وكان عدد أعضائه عند قيامه 43عضوًا, تم زيادتهم إلى 55 عضوًا في عام 1983م, وكان تشكيل المجلس يتم عن طريق التعيين من لدن جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بناء على تمثيلهم لمصالح مناطقية وحكومية, واستمر المجلس الاستشاري يمارس مهامه حتى أعلن جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ إنشاء مجلس الشورى في العيد الوطني العشرين للسلطنة في نوفمبر 1990م, الذي اعتبر البداية الفعلية لتأسيس حياة برلمانية حقيقية في السلطنة.
وفي عام 1996م شهدت الحياة النيابية تطورًا نوعيًّا بصدور النظام الأساسي للدولة, بموجب المرسوم السلطاني رقم (101/96) والذي استحدث مجلسا جديدًا إلى جانب مجلس الشورى, أطلق عليه "مجلس الدولة"، حيث تبنت السلطنة نظام المجلسين (أي الغرفتين) والذي سمي بـ"مجلس عُمان", وكان الهدف من وراء هذا التعديل, هو الرغبة في توسيع قاعدة المشاركة في الرأي, بما يؤدي إلى الاستفادة من خبرات أهل العلم وذوي الاختصاص, ليسهموا في تنفيذ استراتيجية التنمية الشاملة وخدمة الصالح العام.
وكان مجلس الشورى عند إنشائه هيئة استشارية ذات سلطات محدودة, وبخاصة في مجال اقتراح القوانين, وانحصرت وظيفته الأساسية في مساعدة الحكومة في التعامل مع شؤون المجتمع, وتقديم الرؤى التي تدعم مقومات المجتمع الأساسية وقيمه الأصيلة, وذلك من خلال مراجعة مشروعات القوانين التي ترد إليه من الحكومة لإبداء الرأي فيها, كذلك إعطاء المشورة في الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتزم الحكومة إبرامها أو الانضمام إليها, على أن تعرض مرئياته على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه مناسبًا, فضلًا عن المشاركة في الإعداد لمشروعات الخطط التنموية الخمسية والموازنات العامة للدولة.
وكانت الصلاحيات تنحصر في الاقتراح برغبة من أعضاء المجلس إلى الحكومة في الأمور المتعلقة بالخدمات والمرافق العامة, وسبل تطويرها, وإعطاء الحق للأعضاء في توجيه أسئلة مكتوبة إلى أي وزير من وزراء الخدمات, للاستفسار عن أمر معين أو واقعة معينة يريد أن يتحقق من حدوثها, بالإضافة لمناقشة الموضوعات العامة وتبادل الرأي بشأنها مع الوزير المختص.
وقد شهد مجلس الشورى منذ تأسيسه في 1991م, كثيرًا من التطورات من حيث تشكيله, وطريقة اختيار أعضائه, ففي الدورة الأولى كان حق الانتخاب مقصورًا على فئة محدودة من أصحاب الفكر والرأي والأعيان في كل ولاية, وكان يتم ترشيح ثلاثة أشخاص يختار السلطان أحدهم لعضوية المجلس بناء على اعتبارات الأهلية والسن, وفي الدورة الثانية تم فتح باب الترشح لعضوية المجلس أمام فئات محددة في كل ولاية, كما تم السماح لأفراد بعينهم بالإدلاء بأصواتهم لاختيار 4 مرشحين عن كل ولاية يزيد عدد سكانها عن 30 ألف نسمة, على أن يختار السلطان من بينهم عضوين, ويختار عضوًا واحدًا للولاية التي يقل عدد سكانها عن ذلك, ومن ثم زاد عدد أعضاء المجلس إلى 80عضوًا, كما شهدت هذه الدورة منح المرأة العمانية الحق في الانتخاب والترشح في ولايات محافظة مسقط الست فقط, واستطاعت اثنتان منهن الفوز بعضوية المجلس مما مثل سابقة على مستوى دول الخليج العربي.
وفي الدورة الثالثة زاد عدد المواطنين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات وفقًا لقاعدة (1:35) أي ناخب واحد لكل 35 مواطنًا, بحيث يقوم شيوخ القبائل والأعيان في كل ولاية برفع لائحة إلى وزارة الداخلية متضمنة أسماء الناخبين الذين يتم اختيارهم من الشخصيات المرموقة في كل قبيلة, وبعد أن يتم اعتمادهم من قبل السلطات المختصة يدلون بأصواتهم كلٌّ في ولايته, وتم وضع شرطين للترشح؛ هما أن يكون المرشح عماني الجنسية بالأصل, وألا تقل سنه عن ثلاثين سنة، وتم السماح للمرأة بالترشح في جميع محافظات السلطنة.
وفي الدورة الرابعة أصبح الفوز بعضوية المجلس يعتمد على أصوات الناخبين دون تدخل السلطة التنفيذية, بعد اقتناع القيادة السياسية بوصول الشعب العماني لدرجة كافية من النضج والوعي تمكنه من اختيار ممثليه, وتميزت هذه الدورة بارتفاع نسبة مشاركة المرأة والتي وصلت إلى 30% من أصوات الناخبين, وفي الدورة الخامسة زادت مدة المجلس إلى أربع سنوات بدلًا من ثلاث، وتم إقرار حق العضو في الترشح لمدد أخرى, والعمل بأدوار انعقاد المجلس بألا تقل عن ثمانية أشهر، وتم توسيع صلاحيات المجلس في مراجعة مشروعات القوانين وإعداد مشروعات الخطط الخمسية والموازنات العامة للدولة.
الدورة السادسة تميزت بزيادة قاعدة المشاركة الشعبية بنسبة تصل إلى 50% تقريبًا, حيث وصل عدد المقيدين بالسجل الانتخابي إلى 384.885 ناخبًا, وقد بلغت نسبة التصويت في هذه الدورة لحوالي 63% من عدد المقيدين في السجل الانتخابي, وتقدم للترشح 631 مرشحًا في جميع الولايات بينهم 21 امرأة.
واكبت الدورة السابعة مطالبات التطوير والتحسين التي شهدتها السلطنة في فبراير 2011م, واستجاب جلالته ـ أبقاه الله ـ لمطالب شعبه, وكان كريمًا عندما زاد عليها, بتوسيع صلاحيات مجلس الشورى التشريعية والرقابية, وإنشاء مجالس بلدية ينتخب أعضاؤها بالاقتراع السري المباشر لأول مرة في تاريخ السلطنة, وأوكل إليها الكثير من الاختصاصات الخدمية التي كان يقوم بها من قبل أعضاء مجلس الشورى, وشمل التطوير كذلك منح صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة لمجلس الدولة من أجل ترسيخ مفهوم الشراكة السياسية التي تنعكس على كافة مسارات الحياة ومتطلبات الدولة العصرية, وتأكيد الثوابت الجوهرية في الممارسة البرلمانية, من خلال زيادة الصلاحيات للأعضاء لتشمل انتخاب رئيس مجلس الشورى, وإعطاء المجلس صلاحية استجواب الوزراء في الأمور المتعلقة بتجاوز صلاحياتهم بالمخالفة للقانون, إلزام وزراء الخدمات بموافاة المجلس بتقرير سنوي عن مراحل تنفيذ مشاريع وزاراتهم ومناقشة الوزراء فيها, وإرسال جهاز الرقابة المالية للدولة نسخة من تقريره السنوي إلى مجلسي الدولة والشورى, مما يسهم في رصد وتتبع المال العام ومعرفة طرق إنفاقه.