من الشواهد الناصعة على جبين تاريخ النهضة المباركة أنها ـ ومن يومها الأول ـ استهدفت الإنسان العماني بإعادة صياغة تكوينه العقلي والنفسي بالعلم والتعليم والثقافة، وتحقيق رفاهيته وأمنه واستقراره، وربط حاضره بمآثر تراثه التليد كحلقة جديدة تضاف إلى سلسلة موغلة في القدم من الإشراقات والإبداعات العمانية، وتجلية الجوانب الإيجابية في الشخصية العمانية التي ران عليها صدأ الجمود والتخلف لفترة من الزمن، ثم استثارة فاعلية هذا الإنسان بعد تعليمه وتدريبه وتأهيله، ليتواصل مع برامج التنمية الشاملة لكل جوانب الحياة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، ويصبح أداة فاعلة لإحداث المزيد من التنمية عبر برامجها وخططها الخمسية المتوالية.
وحين انطلقت النهضة المباركة نحو رؤيتها هذه بالاستثمار الأمثل في الإنسان العماني حرصت شديد الحرص على عدم التمييز بين الإنسان الصحيح وغير الصحيح ممن ابتلاه الله بإعاقة في إحدى حواسه، بل نظرت إلى حقوقهما نظرة متساوية احترامًا وتلبية، لكون ذلك هو السبيل الأمثل والأنجح باتجاه بناء استراتيجية تنموية وطريقة صائبة نحو استثمار الموارد والطاقات المادية والبشرية بهدف تحقيق تنمية شاملة ومستدامة حقيقية وذاتية تستند إلى قاعدة علمية ومعرفية وبنيان في الإنسان والبشر لا الحجر.
حرص النهضة المباركة شق طريقه نحو الإنسان العماني بصورته الكلية الجامعة، وتكوينه الخلقي والنفسي على قاعدة القيم المؤسسة لبناء الدور والفاعلية عبر ثوابت الوطن، فأتاحت فرص التعليم والعلاج المجاني عبر إقامة المدارس والجامعات والكليات والمعاهد والمستشفيات والمراكز الصحية، بل جعلت حقي التعليم والصحة إلزاميًّا خاصة في المراحل الأولى من عمر الإنسان، بالإضافة إلى إتاحة العيش الكريم وتوفير العمل المناسبة.
وفي ظل هذه الواحة من الحقوق التي أتاحتها النهضة المباركة للإنسان العماني، قدمت السلطنة شهادة نجاح واستحقاق وتقدير تجاه التزامها بحقوق ذوي الإعاقة وربطهم بالمجتمع وبالتنمية من خلال إيلائهم حقوقهم التي يتساوون فيها مع إخوانهم الأصحاء، حيث تضافرت الجهود الحكومية نحو هذه الشريحة لتخفيف بعض الرسوم أو إتاحة فرص المنح التعليمية أو تحسين ظروفهم كتوفير وسائل انتقال أو أدوات مساعدة على الحركة، فالهدف أن يكون منتسبو هذه الشريحة أعضاء فاعلة وإيجابية في حركة المجتمع وليس مجرد منتفعين، فتأهيلهم يرفع مهارتهم الأدائية في مجالات التجارة والصناعة، ورعاية المواهب القادرة على الابتكار والإبداع يسمح بإنتاج طاقات إضافية لعناصر الإنتاج في المجتمع.
والملتقى الخليجي العاشر للمكفوفين الذي افتتح فعالياته أمس الأول في محافظة ظفار تحت شعار (الخريف ملتقى الكفيف)، يأتي تتويجًا للجهود التي تقوم بها السلطنة وشقيقاتها في مجلس التعاون تجاه شريحة ذوي الإعاقة، ولفتتة طيبة نحوهم، واعترافًا بدورهم في عملية التنمية جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المبصرين، وإشعارًا لهم بمكانتهم في المجتمع، فإذا كانوا فقدوا نعمة البصر، فإنهم يتمتعون بنعمة البصيرة. فالملتقى الخليجي يمثل فرصة توطيد العلاقات بين أعضاء جمعيات المكفوفين في السلطنة ودول مجلس التعاون وبعض الدول العربية المشاركة والتي تلتقي مع جملة من الأهداف منها نشر الثقافة والتوعية بين المكفوفين وضعاف البصر بكل الوسائل المتاحة، وأيضًا تبادل الخبرات وإبراز الجوانب الثقافية لدى المكفوفين، وإتاحة الفرصة للمكفوفين لإبراز مواهبهم وإبداعاتهم المختلفة، وكذلك تجاربهم الشخصية في تحدي الإعاقة، والتعرف على المعالم السياحية والأثرية بالسلطنة، والاستمتاع بالأجواء الاستثنائية في موسف الخريف أسوة بإخوانهم المبصرين.