[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
شكلت العلمانية احدى الركائز الست التي قام عليها برنامج حزب الشعب الجمهوري ذلك البرنامج الذي اقر عام 1931، وكانت الإجراءات العلمانية للكماليين تهدف بالدرجة الرئيسية إلى منع رجال الدين وقوى المعارضة من استخدام الدين كأداة ضد الكماليين، على أن سياسة الكماليين العلمانية واجهت معارضة قوية في البلاد تزعمها رجال الدين وشيوخ الطرق الصوفية، وتنامت هذه المعارضة بعد الحرب العالمية الثانية وقيام نظام تعدد الأحزاب فقد أكد العديد من الأحزاب التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية كالحزب القومي وحزب العدالة والحزب الفلاحي في برامجها على احترامها للأفكار والتعاليم الدينية للسكان بينما ذهب حزب النهضة القومية في برنامجه إلى المطالبة بإقامة اتحاد شرقي للمسلمين، وخلال السنوات 1946-1948 ظهرت مجموعة من المنظمات والجمعيات الاسلامية مثل جمعية الاسلام وجمعية التطهير، كما عادت إلى الظهور جرائد ومجلات دينية، كان الكماليون قد منعوها عند وصولهم للسلطة مثل سبيل الرشاد وسلامت وحرادام، وقد طالبت هذه التنظيمات حزب الشعب الجمهوري بالتخلي عن سياسته العلمانية وتدخله في شؤون الناس الدينية ومعتقداتهم، كما طالبت بإلغاء القوانين العلمانية وتربية النشء الجديد تربية دينية.
عندما ثار مصطفى كمال اتاتورك واعلن مبادئه الكمالية بعد تأسيس الجمهورية التركية، حرص على أن تكون العلمانية احد المبادئ الستة الرئيسية في ايديولوجيته القومية الواقعية، حيث اصبحت العلمانية حجر الزاوية في الاتجاه الغربي النظامي للأمة التركية، وقد اهتم اتاتورك على الخصوص بمبدأ العلمنة، واستمد منه قوانين عديدة في نظامه الجديد فمنع ارتداء الطربوش ذلك الزي الإسلامي التقليدي وجعل ترتيل القرآن واجراء الاذان باللغة التركية، واستبدل الابجدية العربية باللاتينية وألغى الخلاقة الاسلامية وبذلك فصل الدين عن السياسة، وقد نصت المادة الثانية من الدستور التركي على الاخذ بالعلمانية بينما وضعت المادة (19) منه الإطار العام للعلمانية من خلال التأكيد على حرية العقيدة والوجدان.
لم يكن مصطفى اتاتورك قائداً عسكريًّا فحسب وانما سياسيًّا بارعاً ايضاً لأنه استطاع كسب تأييد جارات تركيا وبذلك حقق لتركيا امنها الخارجي، كما وضع أسس النظام الجمهوري لتحقيق أمن تركيا الوطني، غير ان الزعماء الأتراك وجدوا -بعد وفاة اتاتورك- ان ثمة ثغرات عديدة في الأسس الفلسفية التي قامت عليها الجمهورية التركية الحديثة، ولكن احداً منهم لم يجرؤ على محاولة تغييرها. أن خليفته عصمت اينونو كان هو الآخر متشبعاً بالافكار الكمالية، بل كان هو نفسه احد صناع القرار السياسي أيام مصطفى كمال اتاتورك، لذلك فقد اضطر السياسيون الأتراك الذين كان يضمهم حزب اتاتورك الحاكم الوحيد آنذاك حزب الشعب الجمهوري إلى الاستقالة من الحزب المذكور عام 1945.
كان مصطفى كمال قد هاجم الخلافة في العديد من خطبه وفي انحاء مختلفة من البلاد حيث اشار الى انحلالها وفقدانها لأهميتها وفي 3 آذار/مارس 1924 الغيت الخلافة ووزارة الشريعة والاوقاف ونفي الخليفة وافراد العائلة العثمانية إلى خارج البلاد، وحرموا من الجنسية التركية، كما صودرت ممتلكاتهم وبدأ الكماليون بعد الغاء الخلافة باتخاذ اجراءات واسعة للقضاء على أسس النظام القديم وفرض هيمنتهم على البلاد فأقاموا دائرة باسم ادارة الشؤون الدينية والتي اصبحت تشرف على المساجد والتكايا وتعيين وتنحية الأئمة والشيوخ، وكان رئيس الجمهورية يعين رئيس هذه الدائرة بترشيح من مجلس الوزراء، كما الغيت المحاكم الشرعية.
كان اتاتورك محكوماً بمصالح البلد ومهتماً برعاية خيراته، لم يكن رجلاً اعتياديًّا، كان قاسياً لأن حياته كانت قاسية اذ كان في حالة كفاح دائم، لقد كان يفهم ويعرف ما يريد، الأتراك كانوا يحبونه، وكان يرى أن الاستقرار السياسي في البلاد، هو الذي يفضي إلى التطور والتقدم.
كان اتاتورك مهتماً ببناء المؤسسات في الدولة التركية، وكان يسعى إلى توضيح المبادئ التي يؤمن بها للعامة أكثر من فرضها بالقوة.