[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
”ربما كان على الوعاظ أن يتابعوا هذه الحال الخطيرة في ثقافة ذات وجهين وشخصيتين: الوجه الأول، هو عالمهم، أي عالم اصحاب المواعظ، بينما يتجسد الثاني في عالم الثقافة الشائعة التي تبث على الوعي الناشئ ليلاً ونهاراً حتى الانغمار، على نحو ضخ متواصل لا يتقطع قط، ضخ قوامه كل ما هو معاكس لما يضخه الوعاظ لسويعات فقط في الجوامع أوعبر التلفاز وبين الناس.”
ــــــــــــــــــــــــ
يعاني النشء المسلم في دول الشرق الأوسط عامة من شرخ ثقافي مؤلم يترك آثاره على شخصية كل واحد وواحدة منه بعد طي صفحات بدايات الوعي، عندما تتبلور الخلاصات في دواخل الوعي على نحو واضح. ومرد ذلك الشرخ المؤلم الذي نتشارك به جميعاً بعد مرور السنوات وازدياد الخبرة في الحياة يتجسد في البون بين "المثالي" أو ما يعد مثاليًّا، من ناحية، وبين العملي الشائع، من الناحية الثانية.
ربما كان على الوعاظ أن يتابعوا هذه الحال الخطيرة في ثقافة ذات وجهين وشخصيتين: الوجه الأول، هو عالمهم، اي عالم اصحاب المواعظ، بينما يتجسد الثاني في عالم الثقافة الشائعة التي تبث على الوعي الناشئ ليلاً ونهاراً حتى الانغمار، على نحو ضخ متواصل لا يتقطع قط، ضخ قوامه كل ماهو معاكس لما يضخه الوعاظ لسويعات فقط في الجوامع أوعبر التلفاز وبين الناس.
قل لي كيف لا تعاني الشخصية العربية مما أسماه عالم الاجتماع الكبير علي الوردي بـ"ازدواج الشخصية"، عندما تكون مشارب النشء والشباب بهذه الدرجة من التناقض الصارخ: فمن ناحية، يمنع ذلك أحد الوعاظ جميع الطماطم والخيار في صحن واحد، لأنه يرى رمزية لذكورية وأنوثة مجتمعتين في فضاء واحد بلا حواجز، ومن الناحية الثانية، تمور البرامج الترفيهية المبثوثة على هذه الشبيبة والنشء بكل ما من شأنه تشجيع الاختلاط، بل وتكريس الممارسات المتجاوزة حتى للاختلاط الطبيعي والمتوازن.
أقول هذا وأنا اشاهد مطرباً عربيًّا (من الخليج، لسوء الطالع) وهو يغني عن كيفية "إحراق" شابة معينة الشارع حين تمر به، مذكراً بقصيدة جاهلية تقول: "كأن مشيتها من بيت جارتها/ مر السحابة لا ريث ولا عجلُ"، فأي الجاهليتين تختار لابنك وابنتك؟ إنها لحيرة، بحق. إن كان في الأغنية المصورة أعلاه شيئاً من الجاهلية التي تصور أكثر من شاب واحد وهم يتتبعون خطى الحسناء، التي تستحسن ما يقومون به حتى تستسلم في نهاية المطاف لإلحاحهم جميعاً، وليس لواحد فقط! ما هذا؟ فيا لها من خيبة رجاء للوعاظ المتشددين لأنهم يظهرون أمام أنفسهم في المرايا ولمستمعيهم في كل مكان وكأنهم ينفخون في قِرب مثقوبة بلا جدوى.
إنهم يشيعون لثقافة "العيب" و"الحرام"، وفي مقابلهم كتائب من المطربين والشعراء والفنانين والموسيقيين، إضافة إلى وسائل الإعلام الشائعة، وجميعهم يشيعون لثقافة من نوع: "لا حرج في ذلك" أي لثقافة "الرِجل تدب ياعبدو، مطرح متحب ياعبدو"! فأي الثقافتين ينتقي الشباب والشابات، يا ترى؟