نعاود الحديث في قانون المعاملات المدنية، ونخصص هذه المقالة للحديث عن دعوى صحة التعاقد أو حسبما يطلق عليها البعض دعوى صحة ونفاذ عقد البيع، وهي في الحقيقة دعوى استلزمها الواقع العملي ليواجه بها امتناع وتراخي البائع عن القيام بالالتزامات الواجبة عليه لتسجيل عقد البيع لدى أمانة السجل العقاري... وبطبيعة الحال كثرت دعاوي صحة التعاقد - خاصة في هذه الفترة الأخيرة - مع ازدياد النشاط العقاري في السلطنة.
ويقصد بدعوى صحة التعاقد تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل ملكية العقار المبيع إلى المشتري تنفيذا عينيا من أجل الحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية. ومن هنا يتبين لنا خصائص دعوى صحة التعاقد من أنها: أولا: هي دعوى استحقاق مالا للقدر المبيع أي تنفيذ التزامات البائع التي تتمثل في نقل ملكية المبيع إلى المشتري تنفيذا عينيا، وثاني هذه الخصائص أنها دعوى شخصية لأنها تستند إلى حق شخصي كون المشتري يستند فيها إلى حق شخصي ناتج عن عقد بيع ابتدائي. وثالث هذه الخصائص أنها دعوى شخصية عقارية إذ يطالب بموجبها المشتري بتقرير حق عيني على عقار أو اكتساب هذا الحق وبالتالي يجوز أن يرفعها المشتري أو ورثته على البائع أو على ورثته أمام المحكمة التي يقع بدائرتها العقار أو موطن المدعي عليه من أجل الحصول على حكم بصحة ونفاذ عقد البيع الذي بطبيعة الحال يقوم مقام تسجيل العقار.
ورابع هذه الخصائص التي تمتاز بها دعوى صحة التعاقد أنها دعوى موضوعية حيث إنها تتسع لبحث صحة هذا التعاقد وبطلانه وصوريته فعلى سبيل المثال إذا تبين للمحكمة أن عقد البيع لا يمكن ملكية المبيع كما في حالة كان المبيع قد اشتراه شخص آخر وسجل عقده قبل تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد فإن المحكمة حينها تقضي برفض الدعوى... من حيث الحالات التي يحق للمشتري فيها رفع دعوى صحة التعاقد فهي حالات متعددة منها صدور البيع شفاهة وامتناع البائع عن تحرير ورقة، فالإرادة هي أساس العقود جميعها فلا يمكن لأي عقد أن يقوم وأيا كان نوعه الا إذا توافقت إرادتا طرفيه وارتبطتا على إنشائه... وهذا ما عبرت عنه المادة (66) من قانون المعاملات المدنية "العقد ارتباط الإيجاب بالقبول وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه."
وحيث إننا نعالج عقد البيع فهو من العقود الرضائية ينعقد بمجرد التراضي بين طرفيه دون أن يستلزم أن يكون التراضي على شكل معين وبالتالي إذا تفق البائع والمشتري على بيع قطعة أرض معينة وتضمن هذا البيع الشفوي كافة الأركان القانونية اللازمة في العقد، عندها يكون العقد قائما ونافذا قانونا، أما الحالة الثانية التي يفترض فيها وفاة المشتري قبل توقيع عقد البيع الذي وقعه البائع... ففي حالة توافر أركان العقد وكان المشتري قد دفع الثمن واستلم عقد البيع الموقع عليه من البائع ولكنه توفي قبل أن يوقعه... فعندها يجوز لورثة المشتري رفع دعوى بصحة ونفاذ العقد... أما من حيث الاختصاص في دعوى صحة التعاقد والدعاوي الأخرى الناشئة عن عقد البيع فمن حيث الاختصاص المحلي يكون للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار. وذلك على اعتبار مآل الدعوى أن تكون عينية عقارية أو اختصاص المحكمة التي يقع فيها موطن المدعى عليه لقيام الصفة الشخصية فيها عند رفعها.
أما من حيث الاختصاص القيمي لدعوى صحة التعاقد فقد أجابت على ذلك المادة (59/هـ) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية "1-إذا كانت الدعوى بطلب صحة عقد أو إبطاله أو فسخه، تقدر قيمتها بصحة المتعاقد عليه وبالنسبة إلى عقود البدل تقدر الدعوى بأكبر البدلين قيمة." وعندها يتحدد الاختصاص سواء للمحكمة المشكلة من ثلاثة قضاة أو من قاض واحد... ونختم مقالتنا هذه بالإجابة على التساؤل.
هل دعوى صحة التعاقد يرفعها المشتري فقط؟ أم يحق للبائع أيضا رفعها... ونجيب على ذلك بأنه يحق للبائع رفع دعوى صحة ونفاذ العقد طالما كانت له مصلحة في ذلك ومطالبة المشتري بدفع باقي الثمن الذي لم يستوفه منه. ذلك أن القانون لا يحدد الدعاوي التي يجوز رفعها إنما يشترط لقبول الدعوى أن يكون لرافعها مصلحة قائمة يقرها القانون.

الدكتور سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة
والقوانين التجارية والبحرية والاتفاقيات الدولية
[email protected]