[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
في الوقت الذي نخطو فيه الخطوة الأولى على أعتاب عام 2014، يمكن للمرء أن ينتقي شيئاً من مستجدات عصر جديد ليضعه مثالاً لمعطيات ذلك العصر. وعصرنا هو بالفعل حقبة تاريخية جديدة بموجب معطيات التكنولوجيا والإنترنيت وتقنيات المعلومات والاتصالات الأخرى وشبكات التواصل الاجتماعي. بل ويتوجب علينا تأشير الـ"درونات" كواحدة أخرى من هذه المعطيات المدهشة التي تشكل إمضاءً أميركيًّا على الحقبة.
دأبنا، في العالم العربي، حتى اللحظة على إطلاق تعبير الـ"طائرة بلا طيار" على ما يسمى بـ" الدرون" Drone في العالم الغربي، بيد أني أود أن أقترح على مجامع اللغة العربية، وقد احتفت قبل ايام بيوم اللغة العربية أن توافق على استعارة لفظ "درون" وضمه إلى العربية، حاله حال "الراديو" و"التلفاز" و"الكومبيوتر". والحق اقول بأن هذا ليس بعيب ولا هو نقيصة، فكما استعارت جميع اللغات الآسيوية والعالمية ألفاظاً من اللغة العربية في العصر الذهبي لتفوق الحضارة العربية الإسلامية، لا بد للغتنا أن تستعير حسب ما يسمى بعلم اللسانيات بالـ Loan words، أي الكلمات المستعارة. لا مهرب من ذلك، إذا لم يبتكر واحد من علماء اللسانيات العرب لفظاً غير مضحك يرادف، بدقة، لفظ "درون"، وبتعبير "غير مضحك"، أقصد، على سبيل المثال اقتراح لفظ "مشواف" كمرادف للتلفاز، وأمثاله عدة.
حان الآن أوان مثل هذا النوع من التحديث (بالإضافة) على قاموس اللغة العربية، خاصة بعد أن بدأ العالم الغربي بـ" تمدين " الـ" درون" وتحريرها من استخداماتها العسكرية السابقة، تلك الاستخدامات التي استوجبت أنواع الاحتجاج والتذمر، خاصة بعد أن وظفها الأميركان في الحملة العالمية لمحاربة الإرهاب، إذ راحوا يستلون أهدافهم من قيادات القاعدة وأخواتها، استلالاً بواسطة هذه "الدرونات"، ومن الأعالي حيث لا ينفع تفجير انتحاري من أي نوع.
أما لفظ تمدين الذي أوظفه في هذا السياق، فأقترحه اشتقاقاً من لفظ مدني (عكس عسكري). وأقصد به بالإنجليزية لفظ civilizing أي إحالته إلى حال الخدمة المدنية، خاصة بعد أن نجحت تجارب شركة "أمازون" Amazon بتوزيع منتوجاتها على عملائها إلى أبواب بيوتهم ومكاتبهم باستعمال "الدرونات" المدنية، دون الحاجة إلى البريد أو البريد السريع أو إلى أية خدمات وخلال 30 دقيقة، لا تحتاج لسوى "درون" صغير مجهز بحاسوب، يحمّل عنوان المستهلك ثم تنطلق هذه الدمية الطائرة الصغيرة حاملة المادة المرسلة إلى باب بيتك أو مكتبك، بدون الحاجة لطرقه.
ومع هذا التقدم التقني المدهش، تتفجر أصوات الاحتجاجات وتعابير الخوف والشكوى من قبل المجتمع الأميركي الحريص أشد الحرص على خصوصياته خشية توسيع وظائف الدرونات من قبل الوكالات المتخصصة حتى حدود التجسس على المواطنين، خاصة وأن الدرونات التي تحلق فوق رؤوسهم يمكن أن تمر دون ملاحظة بالرغم من أنها تحمل كاميرات ولاقطات صوتية يمكن أن تبث حتى من غرفة نومك!