[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في أكثر من مفصل من مفاصل المشهد العام السياسي والإرهابي في المنطقة، يبدو أن العقل الغربي الاستعماري الامبريالي لا يزال في ذروة فورانه، بل آخذ في الازدياد جراء هيمنة الرجعية المتعددة الهوية السائدة في المنطقة، والسطو غير المسبوق لعرَّابي الاستعمار الغربي الامبريالي بقيادته الصهيونية على مشهد الحراك في دول المنطقة.
هؤلاء (المستعمرون والعرَّابون والعملاء والخونة والإرهابيون والتكفيريون) جميعهم يرون أن هذه اللحظة التاريخية والواقعية بالنسبة لهم لنقل هذه الأمة ـ بعد أن تأتى لهم نجاحهم في نكب راهنها واختراق تاريخها وضرب معتقداتها ـ إلى الوضع الذي يريده الطرف الأصيل في معسكر الاستعمار والتآمر والتخريب، ونعني به كيان الاحتلال الصهيوني، ومن ورائه حلفاؤه الاستراتيجيون، وهو الوضع المتهالك والمهشم الخالي من أي ملامح هوية أو أخلاقية أو قيمية، وضع يجب أن تعمم على مشهده مناظر الدمار الإنساني والحضاري والتراثي، والانحطاط الأخلاقي، والفتن الطائفية والمذهبية، وصور الدم المسفوك عدوانًا وظلمًا في البيوت، وعلى الأزقة، والشوارع والحواضر والمدن، وصوت الشعارات الزائفة والخارجة عن إرادة الحياة ومكونات الأمة، وصور أعمدة المشانق تتمرجح على حبالها الرؤوس المفصولة عن أجسادها، وتعميم الموت المجاني في البر والبحر.
المؤلم أن هؤلاء جميعهم وهم يفعلون ذلك، يدَّعون أنهم فعلوه لينقذوا أبناء هذه الأمة من أنفسهم، وليرفعوا على أكوام الإرهاب والموت رايات جديدة هي التي تستحق أبناء الأمة وهي التي يستحقونها.‏‏
اليوم المستعمرون عبر عرَّابيهم وعملائهم وأدواتهم الإرهابية والتكفيرية التي أنتجوها يبحثون عن المزيد من الوقت والهدوء ليوفرا لهم الأريحية التامة لوضع سواطير الإرهاب على من تبقى من رقاب أبناء الأمة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، ولغرز مناجل مشروع تقسيمهم وتفتيتهم على الجغرافيا، وإلقاء حمم نيرانهم من خلال واجهات كاذبة تخفي مشاريعهم العدائية والاستعمارية والتخريبية.
فالخطة الجديدة الاستعمارية الموجهة ضد سوريا في شمالها والتي أعلن عنها المستعمرون وعرَّابوهم وعملاؤهم؛ لتنتهك حوالي ثمانين كيلومترًا من الأراضي السورية، ليست سوى دليل إضافي على حالة الشبق الأسود لدى أولئك كلهم بامتهان فعل التدمير وسفك الدم وقلب حقائق الوجود وصولًا إلى إنجاز ما خططوا له منذ بداية "ربيعهم" الذي وصموه بـ"العربي". فأي عقل سوي؟ وأي منطق صادق؟ يمكنه أن يستوعب الزعم بأن الهدف هو تطهير منطقة مساحتها ثمانون كيلومترًا من إرهاب تنظيم "داعش" الذي أنتجوه وربوه ودعموه، على أن يحل محله إرهاب آخر يصفونه بـ"المعتدل"؟ فهل هناك إرهاب غير معتدل وآخر معتدل؟ أليس هذا استخفافًا بالعقل وضحكًا على الذقون؟ أليس كل ذلك يدور في إطار مؤامرة تدمير سوريا وإخراجها من جميع المعادلات وملفات المنطقة ومنها ملف الصراع العربي ـ الصهيوني، كما أخرج العراق وليبيا؟
إن هذا المخطط الجديد الموجه ضد السيادة السورية لا يمكن عزله عن مجريات القضية الفلسطينية لحالة الارتباط التاريخية والمعروفة بين سوريا وفلسطين، والدور الذي لعبته سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً لصالح القضية الفلسطينية ودعم مقاومته، والتضحية من أجل هذه القضية العربية ـ الفلسطينية وشعبها العربي ـ الفلسطيني. ذلك أن الإعداد لهذا المخطط ضد شمال سوريا والإعلان عنه يأتي متزامنًا مع جولات محادثات سرية وعلنية بين حركة حماس وكيان الاحتلال الصهيوني عبر عرَّابيه لبحث هدنة طويلة الأمد ودويلة فلسطينية في قطاع غزة، حيث تؤكد التصريحات على لسان العرَّابين وجود تقدم كبير في قنوات بحث الهدنة طويلة الأمد في قطاع غزة، بين الحركة والكيان المحتل، ما يعني أن الأمر بات محسومًا، من حيث المبدأ، بالنسبة لقيادات في حماس تحت تأثير إغراء المال العميل، وربما أيضًا تأثير غريزة حب السلطة وكرسي الرئاسة؛ لذلك ـ وحسب العرَّابين ـ لم يتبقَّ سوى التفاصيل التقنية.
إذًا، هذا التزامن والترابط، يقودان إلى حاجة كيان الاحتلال الصهيوني إلى الهدوء والوقت اللازمين للتفرغ لمتابعة مؤامرة استهداف سوريا، بحيث يتولى الكيان الصهيوني جبهة الجولان من خلال أذرعته المسماة بـ"جبهة النصرة وداعش والجيش الحر وغيرها من العصابات الإرهابية" وسط حديث أردني عن احتمال إقامة منطقة أمنية عازلة على الحدود مع سوريا، على أن يتفرغ حلفاؤه الاستراتيجيون وعملاؤه في معسكر التآمر والعدوان لتنفيذ مخطط انتهاك السيادة السورية الجديد في شمال سوريا. وبالنتيجة في حال حصول التوافق بين حركة حماس وكيان الاحتلال الصهيوني على الهدنة الطويلة أو الدويلة في غزة، يعني عمليًّا انتهاء مشروع المقاومة لدى الحركة التي سيوكل إليها مسؤولية ردع باقي فصائل المقاومة بالقطاع، وبالتالي تخلي حماس عن هذا المبدأ الذي عملت عليه سنوات لتطويره عسكريًّا وتكتيكيًّا، كما أنها ستكون انتكاسة تاريخية ستؤدي حتمًا إلى شطب فلسطين جغرافيًّا ومن الخرائط، فضلًا عن الخطأ التاريخي لحركة حماس تجاه سوريا التي ضحت بدمائها وبأمنها القومي من أجل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، ومن أجل نصرة الشعب الفلسطيني. ومع قناعتنا بأنه لا يزال هناك صوت عاقل في قيادات بالحركة متمسك بخيار المقاومة وتحرير فلسطين، وسيسعى إلى منع التحرك وراء خطأ تاريخي جسيم موجه في الأساس لضرب محور المقاومة وتفكيكه والبدء به من قطاع غزة انطلاقًا من نظرة أن المقاومة الفلسطينية في القطاع هي الحلقة الأضعف، فإن ما ستحصل عليه حماس اليوم سينتهي غدًا بمجرد الانتهاء من سوريا، هذه هي حقيقة كيان الاحتلال الصهيوني، وهذه حقيقة الاستعمار الغربي الامبريالي، وهذه هي حقائق التاريخ. والمال الذي يغري قيادات بحركة حماس وباعت من أجله قيمها ومبادئها فخسرت مكانتها واحترامها، مآله إلى زوال، وما الانهيارات التي تشهدها الأسواق العالمية في النفط والأسهم سوى إرهاص ومقدمة لذلك.