[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/samyhamed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سامي حامد[/author]
في مثل هذه الأيام وتحديدا في الحادي والعشرين من أغسطس وفي العام 1969 أي منذ 46 عاما بالتمام والكمال، قام يهودي أسترالي يدعى مايكل دينس روهان بدعم من العصابات اليهودية بإحراق المسجد الأقصى.. بدأت الجريمة عندما اقتحم "روهان" ساحات الحرم القدسي الشريف ووصل إلى المحراب، وأضرم النيران فيه، وقد أتت النيران على مساحة كبيرة منه طالت معظم أثاث المسجد وجدرانه ومنبر صلاح الدين الأيوبي، ذلك المنبر التاريخي الذي استغرق بناؤه 20 عاما .. كما طالت النيران أيضا مسجد عمر بن الخطاب ومقام الأربعين ومحراب زكريا وثلاثة أروقة داخل المسجد الأقصى .. والمساحة المحترقة بالمسجد بلغت أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث بلغت المساحة المحترقة 1500 متر مربع!!
تلك المقدمة أراها ضرورية لسببين أولهما: إحياء للذكرى، وثانيهما: للتأكيد على أنه رغم مرور 46 عاما على حريق الأقصى إلا أن النيران لاتزال مشتعلة بعدة أوجه من خلال تهويد المسجد الأقصى، والحفر أسفل المسجد والاقتحامات اليومية التي يقوم بها اليهود المتطرفون، وإغلاق أماكن العبادة، وحرمان الفلسطينيين من الصلاة فيه، والتضييق على المقدسيين، وهدم بيوتهم، ورفض منحهم تراخيص لترميم بيوتهم، في محاولة لإفراغ المدينة من سكانها العرب .. كل ذلك فضلا عن اعتداءات المستوطنين اليهود على الفلسطينيين وقتلهم وحرق عائلات كاملة مثلما حدث مع عائلة الرضيع الشهيد علي دوابشة.
إن الاعتداءات اليهودية ضد الأماكن والمقدسات الإسلامية تجد دائما دعما رسميا كاملا من كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،إلاأنها زادت بشكل كبير مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية التي يقودها بنيامين نتنياهو التي أصدرت عشرات القرارات والمشاريع لتهويد القدس وبناء الوحدات الاستيطانية، وقد أقر "نتنياهو" مبلغ 25 مليون دولار لإقامة مشاريع يهودية في منطقة البراق الجهة الغربية من المسجد الأقصى، ومن يشاهد المدينة المقدسة اليوم يجدها تتعرض إلى تهويد شامل في كافة مناحي الحياة، في الوقت الذي باتت فيه المقدسات الإسلامية والمسيحية أيضا عرضة للانتهاكات والاعتداءات المتكررة!!
إن العدوان على المسجد الأقصى ليس مقتصرا على حريق العام 1969 فقط، فهناك مجازر العام 1990 والعام 1996 والعام 2000، وقد أصدرت مؤسسة القدس الدولية تقريرا حول أوضاع القدس والمسجد الأقصى، جاء فيه أن إسرائيل نفذت 28 حفرية في الجهة الغربية من المسجد و17 في الجهة الجنوبية و5 في الجهة الشمالية، هذا في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات الإسرائيلية لهدم المسجد وبناء الهيكل والتي زادت فيه الآونة الأخيرة، وهو مايعني أن حريق الأقصى لم يكن عملا فرديا قام به يهودي متطرف كما يشاع .. بل هو عقيدة يهودية راسخة وهذا ما أكده مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل حين قال في مؤتمر بازل "إذا حصلنا يوما على القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء فيها ليس مقدسا لدى اليهود"!!
إن النيران التي أتت على منبر صلاح الدين الأيوبي ومحراب زكريا وثلث المساحة الإجمالية للمسجد الأقصى على يد اليهودي الأسترالي "روهان" تستكملها اليوم الحكومة الإسرائيلية من خلال مواصلة الحفريات أسفل أساسات المسجد الأقصى حتى ينهار بشكل تلقائي، هذا إلى جانب الاقتحامات شبه اليومية للمسجد والتي تقوم بها الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة في إطار مخطط شامل من أجل تهويد المدينة المقدسة، وإنهاء كل مظاهر الوجود العربي الإسلامي والمسيحي على حد سواء، ولهذا الغرض تتم بشكل شبه مستمر مصادرة آلاف الدونمات في القدس من أصحابها العرب، كما قامت إسرائيل برسم حدود جديدة لمدينة القدس وضمت إليها آلاف الوحدات الاستيطانية ليصبح لامكان لأي وجود فلسطيني؟!
لقد كانت القضية الفلسطينية وفي مقدمتها القدس عبر سنوات طويلة، هي القضية الرئيسية التي تشغل بال العرب، ورغم ذلك عجزنا عن وقف الانتهاكات الإسرائيلية التي ترتكب في حق المدينة المقدسة واكتفينا بالشجب والإدانة التي تصدر من بعض عواصم العالم لنهدأ ونستريح، ونعتبر أنفسنا قد نجحنا نتيجة الجهود الدبلوماسية والتحركات العربية المكثفة في تحريك مشاعر العالم وغضبه تجاه ما يحدث من انتهاكات إسرائيلية في القدس .. فكيف يكون الحال الآن والعرب مهمومون بالعديد من القضايا التي باتت تهدد مصير العديد من الدول التي أصبحت تعاني من صراعات داخلية، واقتتال وانقسامات، جعلت القضية الفلسطينية في طي النسيان، خاصة في ظل توقف مباحثات السلام العقيمة التي ظللنا نلهث وراءها دون جدوى سوى إتاحة الفرصة والوقت لإسرائيل لكي تفعل ماتريد داخل الأراضي الفلسطينية، مستغلة في نفس الوقت الانقسام الفلسطيني الذي تعمل دائما على تغذيته كلما لاحت في الأفق بارقة أمل تجمع الفرقاء الفلسطينيين ولا تفرقهم!!