[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
تمُرُ الذكرى الـ(46) سنة على جريمة إحراق العدو الصهيوني للمسجد الأقصى على يد اليهودي الصهيوني الأُسترالي مايكل روهان، وقد أتت نيران الحريق الوحشي التي أشعلها بث الحقد والكراهية والتعصب على محراب صلاح الدين (الذي كان قد أُحضِرَ من الجامع الأموي بحلب) وحوّلته إلى رماد، وكادت أن تُدمر المسجد الأقصى المبارك بكامله لولا أبناء الشعب العربي الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين، الذين هبوا من جميع أنحاء فلسطين لإطفاء الحريق ولإنقاذ المسجد الأقصى من التدمير. وعندما وصل وزير الحرب "الإسرائيلي" في حينها الجنرال موشيه ديان استقبله الفلسطينيون بالهتافات المناهضة لدولة وكيان الاحتلال، ورددوا عبارات: (الله أكبر)، (القدس عربية)، ونجحوا بإخماد الحريق.
وتُصادِفُ ذكرى واقعة الاعتداء على الأقصى السادسة والأربعين قيام مجموعات من المستوطنين الصهاينة من عصابات (دفع الثمن) قبل عدة أسابيع بارتكاب جريمة حرق عائلة الشهيد سعد دوابشة بما في ذلك إحراق الرضيع علي دوابشة في قرية دوما الواقعة إلى الجنوب من مدينة نابلس، في جريمة تَدُل بفظاعتها ووحشيتها على سلوك الاحتلال والمستوطنين، فهي ليست فعلًا إجراميًّا استثنائيًّا منزوع السياق، بل هي أحد إفرازات وتعبيرات جريمة الاحتلال الإحلالي الاستيطاني الذي هو أصل الداء والبلاء، وصاحب المسؤولية عن كل الجرائم، سواء المنظمة من قبل المؤسسات الرسمية لدولة الاحتلال أو تلك المنظمة من قبل عصابات المستوطنين ومجموعاتهم الإجرامية.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل كانت عملية إحراق ومحاولة تدمير المسجد الأقصى من صناعة فردٍ مُتطرف ..؟ وهل كانت متواليات جرائم الاحتلال وآخرها إحراق الرضيع علي دوابشة سلوكًا مُحددًا عند مجموعات من المتطرفين فقط، أم أن الأمر يندرج في إطار ذهنية "إسرائيلية صهيونية" تؤمن بغطرسة القوة والتطهير العرقي..؟
إن المسألة هنا ليست حدثًا مؤلمًا عابرًا، أو حدثًا طارئًا على يد معتوه أو مجموعة من (المعتوهين) من مجموعات المتطرفين الصهاينة من المستوطنين الذين أشعلوا النار في الأقصى قبل ستة وأربعين عامًا، وعاودوا الآن ارتكاب جريمة إحراق عائلة دوابشة والرضيع علي دوابشة، بل تُمثّل جزءًا من نهج وسلوك "إسرائيلي" صهيوني مُستديم، تزايدت مفاعيله مع مرور الوقت منذ قيام الكيان الصهيوني، من اعتداءات وممارسات فاشية لمجموعات المستوطنين تحت حماية ورعاية سلطات الاحتلال، وفي أكثر من مكان على امتداد الأرض المحتلة، حيث تم حرق الطفل الفلسطيني محمد خضير من أبناء حي شعفاط بالقدس، بعد أن خُطِفَ وعُذِبَ وأحُرِقَ وهو على قيد الحياة على أيدي مستوطنين مُتطرفين في الثاني من تموز/ يوليو 2014، والذي عثر على جثته في أحراش دير ياسين.
إن جريمة الاعتداء على الأقصى قبل 46 عامًا مضت ومحاولة تدميره حرقًا، وماتلاها من جرائم، وصولًا لجريمة إحراق عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب نابلس، ما كانت لتحدث لولا إصرار "الحكومة الإسرائيلية" على الاستمرار في سياساتها بالاستيطان وتهويد الأرض وحماية المستوطنين، وتوفير المدد السياسي لهم لتغطية جرائمهمكترجمة مباشرة لمقولة معروفة كان أحد قادة الحركة الصهيونية، وهو فلاديمير جابوتنسكي قد نظّر لها سابقًا،وفحواها "لن يتخلى عرب فلسطين عن أرضهم من دون عنف"، ونشرها في كُتيب له بعنوان "الجدار الحديدي ــ نحن والعرب". من هنا تبدأ جذور خطاب الكراهية، وكيف وجدلهتربةً خصبة في نفوس الصهاينة الأوائل، فَخَرَجَهذا الخطاب فعلًا من التنظير إلى التطبيق منذ نشاط العصابات الصهيونية على أرض فلسطين ماقبل قيام الكيان الصهيوني على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني وحتى اللحظات الراهنة.
وفي هذا الوقت الذي نَستَعِيدُ فيه الحديث عن محاولة تدمير الأقصى بعد إضرام النار في أجزاء منه، نستحضر واقع القدس الحالي، واقعها الذي يقول "لقد أَسمَعتَ لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تُنادي، ونارًا لو نَفَختَ بها أضاءت ولكن أنت تَنفُخ في رمادِ". هذا هو حال مدينة القدس والأقصى، وحال مواطنيها العرب الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين أصحاب الوطن الأصليين.
فالقدس تَصرخ وتَستنجد تحت الضَرب والاعتداءات اليومية. فلا داعي ولا من مُجيب. ولا يد تَمتَدُ لنصرتها ومؤازرة مواطنيها وأبنائها كما تَستَحِقُ، اللهم سوى بعض الأصوات الخافتة والمُتحشرجة التي تَخرُجُ بخجلٍ شديد ودون دعم وإسناد حقيقي. بينما يقوم الصهيوني المُتطرف اليهودي الأميركي النيويوركي وصاحب العشرات من نوادي القمار في نيويورك (أرفين موسكوفيتش) بتمويل عمليات الاستيطان والنهب في القدس منذ سنين طويلة دون كللٍ أو ملل، وراعيًا لعشرات المشاريع التي تَستهدِف هوية القدس، المدينة العربية، الإسلامية، والمسيحية، ساكبًا (مزراب) من الأموال لصالح مجموعات الاستيطان.
في ذكرى محاولة تدمير الأقصى وإحراقه، نقول بأن قضية القدس، تَمس الإنسان، والأرض والعقيدة عند المسلمين والمسيحيين، والصراع عليها أبعد من صراع حدود، ترسمها التصورات "الإسرائيلية". وعلى ضوء واقعها الحالي، وتواصل الاعتداءات على الأقصى من قبل مجموعات المستوطنين والمتطرفين تحت رعاية سلطات الاحتلال، ووقوع عمليات القضم المُتتالي لأراضيها لمصلحة التوسع الاستيطاني التهويدي الجائر، فإن مهمات فلسطينية وعربية وإسلامية عاجلة تتطلب التحرك من أجل إنقاذ المدينة المقدسة على كل المستويات بدءًا من تنشيط صندوق القدس لدعم المدينة ومؤسساتها الفلسطينية وعموم مواطنيها، والتحرك الفعّال وداخل الأطر الدولية من أجل إنقاذ الأقصى والإرث الحضاري الكبير الإسلامي والمسيحي في المدينة، وحمايتها من سرطان التهويد الزاحف. كما في ضرورة تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية والإسلامية بالشكل المطلوب والمرتجى، ومغادرة لغة البيانات اللفظية، لوقف هذا الجنون "الإسرائيلي الصهيوني" بحق الأقصى والمقدسات الإسلامية،وضرورة تنشيط التحالف بين عشرات المؤسسات المدنية العاملة في مجتمعات الأسرة الدولية لأجل نصرة فلسطين والأقصى المبارك بشكلٍ خاص. فالأقصى والقدس الآن في خطر حقيقي؛لأن هناك نية مبيتة للنيل منه من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، فضلًاعن ضرورة تكثيف حملات توعية فلسطينية للمواطنين المقادسة للحيلولة دون انتشار ذلك حيث سيكون له أثر خطير جدًّا على مستقبل مدينة القدس وهويتها العربية والإسلامية.