الثقافة مكون أساسي من مكونات التنمية الشاملة، لأنها ترتبط بهدف رئيسي من أهداف النهضة المباركة وهو الارتقاء بالإنسان العماني على كافة مستويات حياته، ومن ثم فقد أصبح مناخ الثقافة العامة في البلاد مهيأً لظهور كتَّاب ومؤلفين ومفكرين ومبدعين يشار لهم بالبنان في مختلف قطاعات الفن والأدب والعلم، وتصاعدت أرقام وإحصاءات العناوين التي يصدرها الكتَّاب والناشرون من العمانيات والعمانيين، وهذا ما يعد أحد الجوانب المضيئة التي اهتمت بها النهضة المباركة بتمهيد دروب الثقافة والفكر وإنارتها. وطبيعي أن يلحق بذلك النشاط المتزايد نشاط مكمل ومهم وهو نشاط معارض الكتب، حيث تحرص السلطنة على تنظيم معرض سنوي للكتاب لا يتوقف عند مجرد عرض الكتب والإصدارات العمانية والعربية والأجنبية في مختلف مجالات الثقافة والعلوم، وإنما يصاحب هذه الفعالية السنوية فعاليات أخرى عديدة من محاضرات وندوات وحلقات عمل وملتقيات شعرية وفنية.
وبأكثر من خمسمئة وسبعين دار نشر عربية وأجنبية تضم مئة وستين ألف عنوان تتوزع على أربع قاعات وبمساحة إجمالية تبلغ ستة آلاف وتسعمئة وواحدًا وعشرين مترًا مربعًا تغطي سبعمئة وسبعة وسبعين جناحًا، تحتفي السلطنة اليوم ممثلة في الأسرة الأدبية والثقافية والمهتمين بشتى العلوم والمعارف والمتخصصين، بافتتاح معرض مسقط الدولي في دورته التاسعة عشرة وذلك بمركز عُمان الدولي للمعارض، حيث ستتوزع دور النشر على قاعاته الأربع وهي: "الفراهيدي" وتخصص لدور النشر العربية والأجنبية التي تعرض الكتاب العربي، و"العوتبي" وهي قاعة المؤسسات والهيئات الحكومية من داخل السلطنة وخارجها، و"ابن دريد" وهي قاعة لدور النشر العربية والأجنبية التي تعنى بإصدار الكتاب الأجنبي، و"أحمد بن ماجد" وهي القاعة المخصصة لكتاب الطفل والفعاليات والمناشط المرتبطة به.
وما من شك أن المعرض يعد تظاهرة ثقافية سنوية عظيمة الأثر والشأن تتاح فيها الفرصة للجميع لإثراء معارفهم من خلال اقتناء الكتب واختيار العناوين التي تناسب توجهاتهم وتخدم تخصصاتهم العلمية والأدبية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يحرص المنظمون على إدخال الجديد الذي يتمثل هذا العام في إطلاق خدمة التسجيل الإلكتروني عبر الموقع الإلكتروني، وتوسعة خدمة الفهرس المتحرك بواسطة الأجهزة اللوحية "آي باد"، وزيادة عدد مراكز المعلومات الثابتة في كافة قاعات العرض، وتخصيص قاعة مستقلة للطفل ووجود برنامج ثقافي خاص للطفل، إضافة إلى أن البرنامج الثقافي للمعرض يتضمن فعاليات ثقافية وفكرية وأدبية وفنية ينظمها بالتنسيق مع لجنة معرض مسقط الدولي التاسع عشر للكتاب وكل من النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء والجمعية العمانية للمسرح والجمعية العمانية للمكتبات والمعلومات وجمعية التصوير الضوئي والجمعية العمانية للسينما والجمعية العمانية للفنون التشكيلية بالإضافة إلى صالون فاطمة العلياني الأدبي، وهي فعاليات ـ بلا شك ـ تسهم في تفعيل واقعنا الثقافي، وإذكاء ما يمكن اعتباره نهضة فكرية شاملة تجلي مشاهد كامنة في تراث عُمان الأدبي والفني، مع تكوّن مسارح وعرض مسرحيات، وظهور روايات ومؤلفات تثري الواقع الثقافي وتمتد إلى خارج حدودنا الوطنية، مسافرة بأفكار أدبائنا وكتابنا بين المحافل الثقافية الإقليمية والدولية.
فالأرقام السابقة لدور النشر والعناوين توضح دور المنظِّمين في عملية التجديد وزيادة جرعة المعروض من العناوين والكتب والمؤلفات، كما تبين الحركة العلمية وحركة التأليف المصاحبة وتوسعها، والرغبة في احتضان كل جديد على الساحة العلمية والثقافية والأدبية والمعرفية ومختلف الفنون، لذلك يحق للوسط الثقافي والعلمي في السلطنة وخارجها أن يحتفي بالمعرض لكونه رافدًا من روافد الفكر والمعرفة، وتظاهرة الجميل فيها أنها تتكرر كل عام والأجمل حصادها المعرفي، إلى جانب أنواع الحصادات الأخرى.