وأزعم هنا أن مراد أتباع الاتجاه المعادي من صعوبة النحو صحيح في إطاره العام، وغير صحيح في النتيجة التي انتهى إليها. بل إنني أزعم أن التداخل العجيب بين الاتجاهين المعادي والصديق في قضية تيسير النحو نشأ من اللقاء في الإطار العام الذي يدور حول تخليص النحو من آثار الفقه والمنطق، والعودة به إلى العلل الأُوَل، وغير ذلك من أمور سأناقشها في أثناء الحديث عن الاتجاه العامل على النهوض بالفصيحة في العصر الحديث. ولكنّ اللقاء في الإطار العام لا يحجب التباين الكبير بين الاتجاهين في التفصيلات المختارة لتخليص النحو مما علق به طوال العصور السابقة، ولا يهمل الاختلاف في النتيجة التي انتهيا إليها. ذلك أن الاتجاه المعادي دعا إلى إهمال الحركات في أواخر الكلم تخلُّصاً من الإعراب خصوصاً، وصعوبة النحو عموماً. وما كان أتباع هذا الاتجاه محقّين في هذه النتيجة، وإليك البيان الذي أعدّه مناقشة للنتيجة وتمهيداً للحديث عن تيسير النحو في مفهوم الاتجاه الصديق:
ربط النحاة ربطاً وثيقاً بين العامل وأثره. وهذا الربط واضح في التعريف الآتي للعامل: (ما يؤثّر في اللّفظ تأثيراً ينشأ عنه علامة إعرابيّة ترمز إلى معنى خاص كالفاعليّة أو المفعوليّة أو غيرهما). العامل، إذاً، هو المؤثِّر. والإعراب هو الأثر أو (العلامة الإعرابيّة) الذي يرمز إلى معنى معيّن دون غيره. وقد لاحظ أتباع الاتجاه المعادي، ولا سيّما المعتدلون، أن الارتباط بين العامل وأثره ليس وثيقاً؛ لأن العربي لا يستقيم لسانه بالإعراب على الرغم من أنه يعرف العامل المؤثر فيه. كما لاحظوا أن هذا العامل يدلّ على المعنى دلالة واضحة لا لبس فيها من غير حاجة إلى الأثر الإعرابي، ومن ثَمَّ دعوا إلى إهمال الإعراب وتسكين أواخر الكلم اكتفاءً بالعامل كما فعل الجنيدي خليفة في الرأي الذي سقتُه له. وهذه المحاكمة غير علميّة؛ لأنها تعبِّر عن معرفة ناقصة بنظرية العامل عند النحاة العرب. ذلك أن النحاة ما غفلوا يوماً عن أن العامل لا يعمل شيئاً، وأن الذي يعمل هو المتكلّم. وفي ذلك يقول ابن جنّي في الخصائص: (وإنما قال النحويون: عامل لفظي وعامل معنوي، ليُروك أن بعض العمل يأتي مسبَّباً عن لفظ يصحبه، كمررتُ بزيد وليت عمراً قائم. وبعضه يأتي عارياً من مصاحبة لفظ يتعلّق به كرفع المبتدأ بالابتداء ورفع الفاعل لوقوعه موقع الاسم. هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول. فأما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلّم نفسه لا لشيء غيره، وإنما قالوا لفظي ومعنوي لـمّا ظهرت آثار فعل المتكلّم بمضامّة اللفظ للفظ، أو باشتمال المعنى على اللفظ. وهذا واضح).

د.أحمد بن عبدالرحمن بالخير
استاذ الدراسات اللغوية بكلية العلوم التطبيقية بصلالة
[email protected]