يَمُرُّ بأَضْلاَعِي حَنِينٌ مُغَيَّبُ
يُعِيدُ رَحَى الذَّكْرَى لِقَلْبِي ويَغْرُبُ
عَلَى وَتَرٍ يَمْشِي لِكَيْ لا يُصْيبَنِي
بِمَسِّ الْهَوى يأتِي إليَّ ويَذْهَبُ
حَنُونٌ عَلَى رُوحِي يُسِيلُ بَيــاضَها
ويَبْعَثُهَــا طَيْفــًا مِنَ الْحُبِّ أَقْرَبُ
يُنـَـاغِي أَغـانِي الْغَيْمِ فِي صَفْحَةِ الْمَدَى
لِيُرْقِصَ لَيْلاً هَــائِمــًا يَتَذَبْذَبُ
شَفِيفٌ كــمــاءِ الْحُبِّ يَقْطُرُ حــَالِمًــا
عَلَى نَغَمِ الْجَدَّاتِ يَغْفُو فَيُسْهِبُ
ويَصُحُو كَطِفْلٍ فِي الْبَراءَةِ غــارِقٌ
يُفَكِّرُ هَلْ أَبْكِي ومــاذَا سَأَلْعَبُ
***
عَلَى ضِفَّةِ الضَّوْءِ الْمُبَعْثَرِ فِي فَمِي
نَشِيدُ رِمالٍ فِي الْحياةِ مُغَيَّبُ
غَرِيبٌ بِصَحْرَاءِ الغِيابِ مُشَتَّتٌ
كَسِيرٌ، بأَرْضِ الْحُبِّ شَيْخٌ مُعَذَّبُ
نَوَارِسُهُ أَلْقَتْ حِبــالَ إيـــابِــهِ
ونــادَى مُنــادِيهِا لَئِنْ عــادَ يُصْلَبُ
ولَيْسَ لَهُ سِفْرٌ يُغَنَى بِمَوْتِهِ
ولَيْسَ لَهُ مِنْ لُجَّةِ الْمــاءِ مَذْهَبُ
تُطــارِدُهُ الأَحْلاَمُ أنَّى تَوَجَّهَتْ
إِلَيْهِ جِهــاتُ الرُّوحِ للصُّلْحِ تَطْلُبُ
نَشِيدٌ عَلَى كَفِّ الْمَقــابِرِ مَيِّتٌ
لَهُ لَحْنُ قِدِّيسٍ مِنَ الْغَيْبِ يُوهَبُ
***
لَقَدْ كـانَ لِي أَمْسٌ خَيـالٌ مُشَاغِبٌ
يُضِيءُ غَياهِيبَ الْحَنِينِ فأَعْجَبُ
يَلُفُّ عَلَيَّ الشِّعْرَ إذْ مــا تَقــاطَرَتْ
سِنِينُ شِتــاءٍ فِيهِ لِلدِّفْءِ أطْلُبُ
بِبِئْرِ الْقَوَافِي أَجْمَعُ الْحُزْنَ كُلَّهُ
فَيْسْمَعُ إخْوَانِي نَحِيبِي ويَطْرَبُوا
عَجِبْتُ لأَمْرِ الشِّعْرِ كَيْفَ يُمِيتُنِي
ويَخْلُقُنِي إنْ شــاءَ حِينَ أُعَذَّبُ
لَكَ اللهُ يــا فَجْرَ الْقَصِيدَةِ هُزَّنِي
فَقَدْ بِتُّ فِي جِذعِ القَوافِي مُصَلَّبُ
أُعِيدُ ارْتِحـالِي بَيْنَ حَرْفٍ وآخَرٍ
فَيأخُذُنِي مِنِّي حَنِينِي ويَكْتُبُ
***
أتَسْــألُ عَنْ سِرِّ الْحِنِينِ يُثِيرُنِي
هُوَ الْحُبُّ يا ظلِّي مِنَ اللَّيْلِ يَشْرَبُ
وآيــاتُـــــهُ تُتْلَى عَلَيَّ بِشِـــــــدَّةٍ
فأُرْخِي لَهــا رُوحِي وصَمْتًا يُسَحَّبُ
لِتُنْزِلَنِي مِنْ غَيْهَبِ الشَّوْقِ مَنْزِلاً
يَنُوءُ بِهِ قَلْبٌ مِنَ الْفَجْرِ أَطْيَبُ
سِنِينٌ عِجــافٌ أَمْطَرَ الصِّدْقَ حُلْمُهَــا
وَيُوسُفُهــا فِي ظُلْمَةِ النأْيِ كَوْكَبُ
مَســافَةُ أَحْلاَمِي افْتِقــارٌ وغُرْبَةٌ
فَكَيْفَ لَهــا أُصْغِي ودَمْعِيَ يَغْضَبُ
أَمَـانٍ قَدِيمــاتِ السُّكُونِ تُحِيطُنِي
وتَنْفُضُ أَقْلاَمِي ومِثْلِيَ يُغْلَبُ
إِذَا كــانَ قَلْبُ الْمَرْءِ فِي الغَابِ أَرْنَبٌ
فَلاَ شَكَّ أَنَّ الْحُبَّ يَــا صــاحِ ثَعْلَبُ

رُقيَّة بنت سيف البريدية