نخصص هذه المقالة، والمقالات التي تليها للحديث في بعض أحكام القانون الدولي. والتي نرى من الأهمية بيانها... ونفرد هذه المقالة لبيان مكانة المعاهدة الدولية في التشريع العماني وذلك من خلال موقف المشرع من القيمة القانونية لتلك المعاهدة. من المتفق عليه أن المعاهدات أو الإتفاقيات الدولية تعتبر من أهم مصادر القانون الدولي العام فالمعاهدات الدولية تمثل أحد المصادر الأصلية للقانون الدولي العام إضافة إلى العرف والمبادئ العامة للقانون. ويمكن تعريف المعاهدة الدولية بأنها اتفاق مكتوب ما بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام، لإحداث آثار قانونية معينة ومقننة وذلك وفقا لأحكام ومبادئ القانون الدولي العام. ولذلك يتسع مفهوم المعاهدة ليشمل جميع ما يطلق عليه من اتفاقيات أو تبادل مذكرات دبلوماسية أو بروتوكول أو ميثاق. طالما استوفت الشروط الأساسية الواجب توافرها في الإتفاق الدولي وهي شروط ثلاثة: أولها يجب أن يكون الإتفاق بين أشخاص قانونية دولية بمعنى آخر أنه لا يمكن تسمية الإتفاقيات التي تعقد بين احدى الدول والشركات وسواء أكانت هذه الأخيرة أجنبية عامة أو خاصة بأنها معاهدات دولية انما هو مجرد عقد امتياز بين حكومة وشركة.
وثاني هذه الشروط أن تكون المعاهدة مكتوبة... وبالتالي يخرج عن مفهوم المعاهدة الإتفاقية الشفوية والتصريحات الجماعية أو الثنائية. وهذا الشرط نصت عليه إتفاقية فينا لقانون المعاهدات 1969م في فقرتها (أ) من المادة (2) "المعاهدة تعنى اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر.".
وثالث هذه الشروط أن يكون موضوع المعاهدة خاضعا لأحكام القانون الدولي بمعنى آخر يلزم أن تنصرف إرادة تلك الدول المتعاقدة إلى إحداث آثار قانونية دولية... أما من حيث مكانة المعاهدة الدولية في التشريع العماني فيمكن بيانه على أنه متى ما استوفت المعاهدة الدولية الإجراءات الداخلية التي يشترطها المشرع لنفاذها في الداخل فإنه عندها يجب على القضاء الوطني عند قيامه بتطبيقها أن يبحث عن القيمة القانونية التي أعطاعا المشرع لتلك المعاهدة داخل النصوص التشريعية ووفق المرتبة التي أعطاها القانون لتلك المعاهدة... والقارئ للنظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/96) يجده أن المشرع أعطى المعاهدات الدولية ذات القوة والقيمة القانونية للقانون وهذا ما عبرت عنه المادة (76) من النظام الأساسي للدولة حيث جرى نصها بالآتي "لا تكون للمعاهدات والإتفاقيات قوة القانون الا بعد التصديق عليها ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة أو الإتفاقية شروطا سرية تناقض شروطها العلنية."... الجدير بالذكر أن اشتراط المشرع التصديق على الإتفاقية أو المعاهدة الدولية حتى تكون معادلة لقوة القانون هو أمر وجوبي باعتبار أن المعاهدة التي تم التوقيع عليها توقيعا نهائيا لا تكتسب وصف الإلتزام لأطرافها من الدول الا بعدما يتم التصديق عليها أي الحصول على إقرار السلطة المختصة داخل الدولة للمعاهدة التي تم توقيعها... والتوقيع على المعاهدات والإتفاقيات الدولية وإصدار مراسيم التصديق عليها من المهام التي يختص بالقيام بها سلطان البلاد استنادا للمادة (42) من النظام الأساسي للدولة "يقوم السلطان بالمهام التالية:......... توقيع المعاهدات والإتفاقيات الدولية وفقا لأحكام القانون أو التفويض في توقيعها واصدار مراسيم التصديق عليها...".
الجدير بالذكر أن موقف التشريعات الوطنية أخذت اتجاهات مختلفة تجاه القيمة القانونية للمعاهدة الوطنية منها أنها أعطت المعاهدات الدولية مكانة أعلى من القانون كما هو الحال بالنسبة للدستور الهولندي حيث نصت المادة (94) منه على أنه "لا تطبق النصوص القانونية النافذة في المملكة اذا كان تطبيقها لا يتفق مع أحكام المعاهدات...".
في حين بعضها الآخر أعطت المعاهدات الدولية مكانة وسط بين القانون الوطني والدستور وهذا الاتجاه أخذ به الدستور الفرنسي والدستور الألماني وغيرها من الدساتير... وأخيرا هناك بعض الدساتير التزمت الصمت إزاء مكانة وقوة المعاهدة الدولية مثال على ذلك الدستور الإيطالي وهذا الإتجاه يطلق عليه الإتجاه الصامت... وإذا انتقلنا إلى الأولوية في التطبيق عند تعارض الإتفاقية الدولية مع القانون بالنسبة للإتجاه الذي أعطى الإتفاقية قيمة قانونية تعادل القانون. مثال النظام الأساسي للدولة في السلطنة... فهناك اختلاف في الرأي وانقسام هذا الإختلاف إلى اتجاهين الأول: يقرر أولوية المعاهدة في التطبيق عند تعارضها مع القانون الوطني والإتجاه الثاني يطبق القانون الوطني المتعارض إذا كان هذا القانون لاحقا على الإتفاقية... وهذا ما نؤيده ونميل إليه باعتبار أن المعاهدة مثلها مثل القانون يطبق بشأنها اللاحق يلغي السابق،،،

الدكتور سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة
والقوانين التجارية والبحرية والاتفاقيات الدولية
[email protected]