في ختام جلساتها أمس في محافظة ظفار

تابع جلسات الندوة ـ خلفان الزيدي : تصوير : عدنان بشير دهيش والعمانية :
الندوة تدعو إلى ضرورة الاهتمام بالتراث العماني ودراسة الهجرات العمانية ودورها في التواصل الحضاري

الدعوة للاستفادة من التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في توسيع دوائر التواصل الحضاري مع العالم والانفتاح المفيد على الثقافات والحوارات المختلفة

سياسة التواصل الحضاري العماني مع العالم بنيت منذ القدم على الحياد الإيجابي وعدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام الآخر والتسامح والاعتزاز بالهوية الدينية والثقافية العمانية

دعت ندوة "التواصل الحضاري بين عمان والعالم" إلى ضرورة الاستفادة من الإرث الحضاري العماني في بناء التواصل الحضاري الحديث وتضمين قيمه في المناهج التربوية والبرامج الإعلامية وإقامة مزيد من الندوات المتخصصة التي تعنى بدراسات هذه القضية من زواياها المختلفة.
وأكدت الندوة في ختام جلساتها أمس على ضرورة دراسة الهجرات العمانية ودورها في التواصل الحضاري مع الاستفادة من الإشارات الكثيرة الموجودة في كتب الأنساب وتاريخ المدن والبلدان خاصة.
كما دعت إلى ضرورة الاهتمام بالتراث العماني داخل عمان وخارجها وذلك بجمعه وفهرسته وحفظه وتوثيقه وتحقيقه ونشره ودراسته وإتاحته للباحثين والاستفادة منه في بناء الحاضر الثقافي المشرق، وإلى ضرورة الاستفادة من التجربة العمانية في بناء العلاقات الدولية.
وأوصت الندوة بدراسة دور الصحافة الجزائرية وصحافة مصر وزنجبار في ربط عمان بالعالم فكريا وحضاريا، كما أوصت بتفعيل وتعميق دور لجان وجمعيات الصداقة بين عمان ودول العالم المختلفة، ودعت إلى توسيع الكراسي العلمية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم لتشمل كثيرا من الدول والجامعات المرموقة وتأكيد الاستفادة البحثية من دراساتها ومجمل أعمالها العلمية.
وأكدت الندوة في توصياتها التي قرأها الدكتور محمود بن سليمان الريامي عضو اللجنة الثقافية للاحتفاء بنزوى عاصمة الثقافة الإسلامية، على أهمية توسيع جمعيات الصداقة العمانية مع العالم وتعميق دورها بما يعرف الآخر بالحضارة العمانية ويفتح مجالات الاستفادة العلمية والبحثية والاقتصادية بين عمان وتلكم الدول.
وأكدت على ضرورة الاستفادة من التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في توسيع دوائر التواصل الحضاري مع العالم والانفتاح المفيد على الثقافات والحوارات المختلفة وتعريفه بالقيم والحضارة العمانية المشرقة.
وأوصت ندوة "التواصل الحضاري بين عمان والعالم" إلى إقامة العديد من الندوات واللقاءات والأبحاث التي تعنى بدراسة الجوانب المختلفة للتواصل العماني مع العالم.على أن تكون بعض هذه الندوات مشتركة بين عمان والدول الأخرى التي تربطها بها علاقات التواصل والحوار.
ودعت كذلك إلى نشر الابحاث المقدمة في الندوة في كتاب لتعم فائدته للباحثين والمهتمين وليشكل لبنة يبنى عليها مسيرة البحث العلمي في هذا الجانب على أن تتكفل وزارة التراث والثقافة بهذا الأمر.
وكانت ندوة "التواصل الحضاري بين عمان والعالم" قد اختتمت أمس على مسرح المديرية العامة للتراث والثقافة بمحافظة ظفار، جلساتها بعد يومين من الطرح والمناقشة حول التواصل الحضاري العماني مع العالم حضارات وشعوب، وذلك تحت رعاية معالي الدكتور رشيد بن الصافي الحريبي رئيس مجلس المناقصات، بحضور عدد من أصحاب السعادة والمشاركين وجمع من المدعوين والمهتمين.
وشهد حفل الختام إلقاء كلمة للمشاركين في الندوة قدمها الدكتور محمد بن سالم الحارثي مدير تحرير المجلة الثقافية بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم والآداب، ثمن فيها اقامة هذه الندوة، والالتفاتة للتاريخ والتراث العماني، مؤكدا على القيم الكبيرة التي تستخلص من اقامة مثل هذه الندوات.
ثم تم بعدها تكريم المشاركين والمحاضرين في الندوة، وتقديم هدية تذكارية لمعالي الدكتور راعي الحفل.
قضايا مهمة في ثلاثة محاور
وكانت ندوة "التواصل الحضاري بين عمان والعالم" قد افتتحت الندوة أمس الأول برعاية معالي السيد محمد بن سلطان البوسعيدي وزير الدولة ومحافظ ظفار، وجاءت اقامتها ضمن سلسلة الندوات والأمسيات والفعاليات الثقافية التي تقيمها اللجنة الرئيسية للاحتفاء بنزوى عاصمة للثقافة الإسلامية 2015م.
وركزت الندوة على ثلاثة محاور هي التواصل الحضاري العماني الآسيوي، والتواصل الحضاري العماني الأفروأوربي، والتواصل الحضاري العماني في العصر الحديث.
وعالجت المحاورَ الثلاثة التي طرحت إحدى عشرة ورقة عمل قدمها مجموعة من الأكاديميين والباحثين الذين اضاءوا جوانب التواصل الحضاري العماني مع بلاد العراق، وبلاد فارس، وشبه القارة الهندية، والزيارات العلمية المتبادلة بين عمان وشمال إفريقيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية والبرازيل، ودور دولة بني الجلندى العمانية في التواصل الحضاري بين عمان وشرق إفريقيا، كما تطرق الباحثون إلى نظرية التواصل السياسي الحضاري للسلطنة مع العالم، والدور التواصلي الذي تضطلع به الكراسي العلمية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم، وجمعيات الصداقة العمانية الدولية، وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث.
وبينت أوراق العمل المقدمة والمداولات العلمية جملة من القضايا من بينها العمق التاريخي لقيمة التواصل الحضاري العماني مع العالم التي ترجع إلى بدايات تكون المجموعات المدنية في عمان في بدايات الألف الثالث قبل الميلاد.
وأشارت الندوة إلى أن التواصل الحضاري بين عمان والعالم اتخذ جملة من الصور أهمها التداخل البشري والهجرات العلمية المنتظمة أو العشوائية والمعاملات التجارية والمثاقفة الفكرية والرحلات العلمية والعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة، التي تداخلت فيما بينها.
وأوضحت أن سياسة التواصل الحضاري العماني مع العالم بنيت ـ منذ القدم - على الحياد الإيجابي وعدم التدخل في شؤون الآخرين واحترام الآخر والتسامح معه مع الاعتزاز بالهوية الدينية والثقافية العمانية.
ونبهت الندوة على أهمية العوامل الحضارية التي هي من صنع الإنسان العماني والعوامل الطبيعية التي حكمها الموقع الجغرافي للقطر العماني في تواصل العمانيين مع الآخر، ففي المجال البشري انفتح الإنسان العماني منذ القدم على أغلب الحضارات المحيطة به أو تلك البعيدة التي تواصل معها عن طريق التجارة والهجرات.
وفي المجال الجغرافي شكل الموقع الجغرافي الفريد لعمان ووقوعها وسط الإمبراطوريات والحضارات القديمة وتحكمها في مضيق هرمز وانفتاح شواطئها على المحيط الهندي وطبيعتها الجغرافية المتنوعة شكلت كل تلك الانماط الجغرافية عوامل ساعدت على توثيق التواصل الحضاري بين عمان والعالم.
وقد شكل الإسلام والعروبة عاملين مهمين في توسيع التواصل الحضاري بين عمان والعالم فقد كان العمانيون قادة وروادا لنشر قيم التسامح والإخاء والرحمة التي دعا إليها الإسلام كما تخلقوا بأخلاق العروبة التي كانت لهم مع الانتماء النسبي فكرا وهوية وقيما ومثلا نبيلة، كما شكلت التجارة البحرية الخارجية بين عمان والعالم جانبا مهما من جوانب التواصل الحضاري التي عرفت العمانيين بالعالم وعرفت العالم بهم وبأخلاقهم وقيمهم.
وقد ساعد انتقال العاصمة من الداخل إلى مسقط زمن حمد بن سعيد بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي على توسيع جوانب التواصل الحضاري بين عمان والعالم.
وأوضحت أوراق الندوة أن التواصل بين عمان وشمال إفريقيا كان تواصلا فكريا وعلميا في المقام الأول، حيث شكلت بعثات حملت العلم من المشرق إلى المغرب الهوية الثقافية في المغرب العربي.
وأكدت جلسات الندوة أن التواصل الحضاري العماني مع العالم في العصر الحديث بدأ منذ اليوم الأول للنهضة الحديثة وتمثل في جملة من الممارسات الداخلية والخارجية التي انطلقت من فكر جلالة السلطان المعظم ونظرته الحضارية لعمان ولدوره الإيجابي في صنع السلام.
فقد انطلق التواصل الحضاري العماني مع العالم من منطلقات كبرى عمادها تحديد الهوية الوطنية المستمدة من الإسلام والعروبة والتعريف بالنفس العمانية ورغباتها والموقع الجغرافي المتميز لعمان ودورها الحضاري إقليميا وعالميا.
التواصل الحضاري العماني في العصر الحديث
وكانت الندوة قد شهدت عقد الجلسة الثالثة والأخيرة ضمن جلساتها، وتناولت هذه الجلسة عنوان التواصل الحضاري العماني في العصر الحديث، وتضمن أربع أوراق عمل، قدم الورقة الأولى الكاتب صادق بن جواد بن سليمان رئيس المجلس الاستشاري لمركز الحوار في واشنطن، وتناول عبرها نظرية التواصل السياسي الحضاري لسلطنة عمان مع الآخر.
واستعرض الباحث في ورقته، عناصر نظرية التواصل السياسي الحضاري العماني مع العالم من خلال المفاهيم التي ارتسى عليها بدءً ـ ولا يزال ـ نهج التواصل السياسي الحضاري العماني مع العالم، والمنطلقات التي انطلق منها هذا النهج، الغايات الرئيسية التي شُخصت فاعلة في صياغته، ومشيرا في محور آخر، أن السلطنة تعمل على معالم مساري التنمية الإنسانية معا: المسار الحداثي والمسار الحضاري، لكن حتى اليوم ببطء ملحوظ على المسار الحضاري.
وتناول الباحث في ورقته موضوع الثقافة والحضارة، قائلا: لا يستقيم القول بالثقافة الإسلامية، إذ أن الإسلام أعم من أية ثقافة بعينها، إنه دين وحضارة معا تنضوي تحته مئات الثقافات، وهو بذلك يشكل أحد أعظم الروافد الحضارية التي رشدت خبرة الإنسان عبر التاريخ مدار الأرض. للعرب انتماء ثقافي للعروبة، وللمسلمين، عربا وغير عرب، انتماء حضاري للإسلام يعلو على أية تباينات في الثقافة أو العرق أو الموطن. بذلك الأصح تعريف هوية عُمان ومدنها عربية ثقافيا وإسلامية حضاريا.
وتطرق الدكتور محمد بن سالم الحارثي، تخصصي أول بحوث ومدير تحرير المجلة الثقافية بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم والآداب في الورقة الثانية ليوم أمس، الأدوار الحضارية التي تقوم بها كراسي السلطان قابوس العلمية في مختلف دول العالم، بوصفها رافدا من روافد التنمية الثقافية، ومحركا لدولاب البحث العلمي، وسفيرا لرسالة التعايش السلمي والوئام الإنساني والتسامح والسلام، التي تتبناها السلطنة، وذلك من خلال شراكتها مع كبريات المؤسسات التعليمية والأكاديمية العريقة والمعروفة دوليا، لتفعيل البرامج البحثية والأكاديمية التي تخدم حقول العلم والمعرفة، وتعرف بالسلطنة وجهودها وثقافتها وحضارتها الضاربة بجذورها في الأعماق.
وقال الباحث: إن ورقته تحاول الإجابة على عدد من الأسئلة المهمة، التي تصبو إلى تقديم مقاربة دقيقة تعين على تصور الموضوع، من قبيل: كيف يشخص واقع كراسي جلالة السلطان قابوس العلمية إزاء البرامج والفعاليات والأنشطة الأخرى المماثلة لها؟ وما الإسهامات الفكرية والثقافية والأدبية بَلْه العلمية والمعرفية التي تتصدى للقيام بها؟ ثم ما هي مجالات العمل المتاحة لتلك الكراسي، وما موقعيتها بالنسبة لكبريات الجامعات العربية والإسلامية والعالمية؟ وكيف تنهض بواجباتها ومسؤولياتها الحضارية؟ وما الصعوبات والتحديات التي تعترض مسيرة العمل العلمي والثقافي الذي تنوء به؟ وما آفاق المساهمة المتوقعة لها في قابل الأيام؟ وهل نجحت فعلا في تحقيق الأهداف المرسومة، التي تعكس الرؤية والرسالة والتطلع؟
واستعرضت الورقة أهم المخرجات والنتائج التي أفصح عنها صريح الجهد المبذول بندوات الكراسي العلمية المتعاقبة، والتي أثبتت أهمية بالغة في معالجة كثير من القضايا والوقائع الجادة، المرتبطة بطبيعة عمل تلك الكراسي، بما يعين على خدمة هذا المشروع الواعد من جهة، متوجا مساعي العلماء وحراكهم الثقافي وبذلهم المحمود، وبما يعرّف ــ من جهة أخرى ــ باهتمامات السلطنة، وعلاقاتها الطبيعية بمختلف دول العالم، وسياساتها الفاعلة، الرامية إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والأدوار الكبرى المتوخاة منها في نشر ثقافة التعايش والتسامح والوئام بين بني البشر.
وتطرق الدكتور حميد بن سيف النوفلي من اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم إلى جمعيات الصداقة العمانية، وقال إن هذه الجمعيات تلعب دوراً متميزاً في التقريب بين الشعوب، وهي ذات أثر بارز أكثر من أية جمعية من الجمعيات الأخرى التي تمثل مؤسسات المجتمع المدني.
وأشار الباحث إنه عند الحديث عن الصداقة كقيمة راسخة ومتأصلة في وجدان العمانيين منذ القدم؛ نجد أنهم تميزوا بعلاقات صداقة مع مختلف الأمم والشعوب منذ فجر التاريخ، وهذا دليل على أنهم منفتحون على مختلف الثقافات، وأنهم قد أثروا في غيرهم وتأثروا بهم بشكل كبير أدى إلى بروز إسهامات مهمة للعمانيين في مسيرة تاريخ الحضارات المتصلة مع عمان اقتصاديا وسياسيا وجغرافيا على الأقل.
واستعرض الباحث في ورقته، جمعيات الصداقة العمانية مع كل من: بريطانيا وإسبانيا وألمانيا وتونس وكوريا واليابان. معطيا نبذة مفصلة عن كل واحدة منها، والأدوار التي قامت بها كل جمعية منذ تأسيسها.
وفي الورقة الأخيرة التي قدمت في جلسة أمس استعرض كل من الدكتور سيف بن ناصر المعمري أستاذ مشارك بكلية التربية في جامعة السلطان قابوس، زينب بنت محمد الغريبية الباحثة التربوية بمكتب وزيرة التربية والتعليم، موضوع التواصل الحضاري وفق الإعلام الحديث: شبكات التواصل الاجتماعي.
وأشارا في الورقة إلى أنه لا أحد اليوم ينكر التنوع الثقافي في العالم، وأن الحوار بين الثقافات يعتبر السبيل الأفضل لبناء حضارة إنسانية تتميز بالثراء والقوة، وتقل فيها أسباب الصراع والصدام الناتج عن الاختلافات الثقافية، ولقد ساعدت العولمة سواء من خلال التوسع الاقتصادي أو من خلال ربط الأفراد بروابط جديدة، أو من خلال ظهور الاختراعات الجديدة على إيجاد واقعًا جديداً؛ تميز بزيادة التفاعل بين الثقافات والأفراد والمجموعات والأقاليم، ومكن ظهور الانترنت من وتيرة التشبيك العالمي من خلال مجموعة من الوسائط الافتراضية مما أوجد تغييرا في مفهومنا التقليدي للثقافة، حيث اتسع ليتضمن مفهوم جديد يعرف بالثقافة الرقمية (Digital Cultural)، وبالتالي يعتبر مفهوم الثقافة الرقمية مفهوم جديداً نسبياً يشمل العديد من العناصر من ضمنها الثقافة والإعلام وتكنولوجيا المعلومات والأنماط الجديدة للاتصال والحوار.
وقال الباحثان في ورقتهما المشتركة: إن التواصل الحضاري الرقمي يتزايد يوما بعد الآخر، ويساعد في إيجاد فرص كبيرة ومساحات واسعة لأفراد الثقافة المختلفة للتعبير عن أنفسهم بعيدا عن الهيمنة الثقافية التي سادت خلال فترة ما قبل ظهور هذه الوسائط، والعمانيين كانوا دائما رواد في التواصل الحضاري عبر التاريخ لم تعيقهم الجغرافيا ولا اللغة، ولا المعتقد ولا الثقافة التي ينتمون إليها.