[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
دخل الحراك الشعبي في العراق أسبوعه الخامس مع ارتفاع سقف مطالب المتظاهرين لتشمل الطبقة السياسية التي أوصلت العراق إلى الحال الذي يتخبط به. وعبثا يحاول أركان الطبقة السياسية ركوب الموجة الشعبية عبر تأييدها للمطالب المرفوعة تارة، والتحذير من مندسين يحاولون حرف التظاهرات عن مسارها تارة أخرى، في موقف مفضوح يعكس قلقهم من مسار الحراك واتجاهاته العابرة للطائفة والعراق.
ومهما حاول المستهدفون بالحراك الشعبي من الفاسدين والمتسترين عليه، والمطلوبين للقضاء، اللجوء إلى خيارات قد تبعدهم عن المساءلة القانونية من خلال العودة إلى البرلمان ـ كما يسعى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ـ إلا أن هذا الخيار لم ينقذهم من المساءلة، ناهيك عن رفض المحكمة الاتحادية وربما رئاسة البرلمان لهذا الخيار الذي سيرفضه أيضا الشارع العراقي الذي انتفض على هؤلاء.
وإزاء هذا المأزق الذي يعيشه العراق المفتوح على جميع الاحتمالات، فإن العراق لم يشهد أزمة مثلما يعيشها الآن في ظل حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، فالأزمات التي يواجهها تلد أزمات أخرى.
فالعراق ومنذ احتلاله عام 2003، لم يشهد الاستقرار والانقسام السياسي والطائفي يتعمق بالمجتمع، وتركة الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية عطلت الأداء الحكومي فأصبحت الطائفية والحزب مظلة يحتمي بظلالها أصحاب المصالح الخاصة المرتبطون بمراكز النفوذ السياسي.
ورغم تفادي العبادي الإشارة الواضحة لسلفه المالكي بالتسبب في كوارث العراق، وإخفاقه في مواجهة التحدي الأمني وانعكاساته على الشارع العراقي الذي وضعه في دائرة المساءلة؛ لأنه هو الذي يدير الملف الأمني بإشرافه على وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني والمخابرات، وقائد للقوات المسلحة في تلك الفترة.
وإذا قربنا صورة الأوضاع التي يعيشها العراق، فإننا نرصد حال الانقسام السياسي، وعدم توافق أركان العملية السياسية على أفق الحل، وإيجاد مخارج تنقذ العراق من محنته، والتعاطي الإيجابي مع المطالب المشروعة للمتظاهرين.
فالبرلمان معطل ومشلول بسبب الخلافات التي عطلت إقرار القوانين والتشريعات التي لها علاقة بحياة العراقيين، ويقابل هذا الانقسام السياسي تأثيرات التدخلات الخارجية في شؤون العراق، ما عطل أيضا أي مسعى مخلص لحل يجنب العراق المزيد من الانقسامات.
وإزاء هذه التحديات التي تواجه العراق فإن مسار الأحداث يتجه إلى خيارين: الأول اللجوء إلى تشكيل حكومة إنقاذ أو طوارئ على أنقاض حكومة الشراكة الوطنية التي شكلت على أساسها الحكومات التي أعقبت احتلال العراق.
وهذا الخيار هو أقصر الطرق لتفادي مخاطر اتساع رقعة التظاهرات والشلل الحكومي والأزمة المالية.
فرئيس الوزراء حيدر العبادي لم يحسم موقفه إزاء هذا الخيار الذي يعتقده البعض أنه أقصر الحلول لمساعدة العبادي وتحرره من الشراكة، والتوازن السياسي الذي كان معطلا ومقيدا لرئيس السلطة التنفيذية.
والسؤال: هل باستطاعة العبادي أن يمرر حكومة الإنقاذ من البرلمان الذي يشهد هو الآخر انقساما؟
الجواب يكمن في أن خصوم العبادي لا سيما المالكي سيعطلون هذا الخيار؛ لأنه يعرف أين ستصل نهاياته الذي سيكون المالكي في صدارة المطلوبين في الحكومة المنتظرة.
أما الخيار الثاني فيرتكز على قبول العبادي بصيغة توافقية للأزمة تستند إلى تنفيذ جميع مطالب المحتجين، وتعزز أسس الشراكة وصولا إلى دولة مدنية عابرة للطائفة والعرق، والركون إلى اشتراطاتها من خلال جدية تقاسم السلطات في أي حلول توافقية مقرونة بتنازلات متقابلة، وإحالة من تسبب في ضياع ثروة العراق، والمتسترين على السراق، والانهيارات الأمنية إلى القضاء.
ونجاح أي من الخيارين مرهون بتطور حركة الاحتجاجات الشعبية، وتعاطي العبادي معها ليس لكونه قياديا في حزب الدعوة، وإنما مسؤول عابر للانتماء الحزبي والمناطقي والطائفي.