[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
يبدو أن التوصية الصينية الكونفوشيوسية المعروفة التي تقول (إذا كنت تمتلك الطريق فلا ينبغي أن تستريح على جانبيه)، أقول يبدو أن هذه التوصية قد تعثرت حقا في أن تواصل هيمنتها على خطوات الاقتصاد الصيني بدليل الوعكة النسبية الواضحة التي تعرض لها مؤخرا، وأثارت الكثير من الهوامش على ألسنة محللين ومتابعين لهذا الاقتصاد الذين كانوا لعهد قريب جدا يتحدثون عنه بوصفه حصانا جامحا لا يمكن ترويضه على يد منافسيه التقليديين، أعني الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وربما اليابان في بعض الصفحات.
إن ما أصاب الاقتصاد الصيني في الأيام القليلة الماضية من تباطؤ في النمو، وتراجع في قيمة اليوان الصيني، والدخول في أكثر من هزة ارتدادية، إنما يمثل حدثًا متوقعًا إذا أخذنا بعين الاعتبار عددًا من المؤشرات في مقدمتها أن المعنيين بإدارة هذا الاقتصاد كانوا مغلقين على فكرة أن ليس لهذا (الجبل) أن تهزه أية ريح ممكنة، وأن المنافسين له في الأسواق العالمية لا يقدرون على (مناطحته)، بل إن منهجهم العام هو في (التواطؤ) بصفقات معه مهما كانت الأرباح قليلة.
والحقيقة أن الوعكة التي (تسللت) إلى الاقتصاد الصيني ليست بمحرك واحد معين، وإنما بعدة محركات، الأول منها اتساع الذراع التجارية الصينية عالميًّا إلى الحد الذي لا تجد فيه بلدًا واحدًا في جميع أرجاء العالم دون أن تكون هناك بضاعة ذات مناشئ صينية، وقد ترتب على ذلك اعتماد سياسة الإغراء مع رخص السلعة الصينية وتوفيرها لأوسع الشرائح الاجتماعية، في حين أن المنافسة الآن أخذت منحى آخر أساسه الجودة، وهكذا وقع الخيار التجاري الصيني تحت طائلة الكساد النسبي أمام سلع أكثر جدارة وأدق تقنية، أو ما يعرف بسطوة العلامات (الماركات) العالمية. أما الثاني فيعود إلى أن المنظرين الصينيين لاقتصاد بلادهم لم يأخذوا بنظر الاعتبار حساب كلفة الكساد الذي أصاب العديد من بلدان العالم خلال السنتين الأخيرتين، الأمر الذي انسحب على الاقتصاد الصيني بفعل هذا الكساد مع تغير قناعات شعوب عديدة بالنزعات الاستهلاكية في ظل ظروف عالمية لا تشجع على الشراء والامتلاك، بل على التأني والاكتفاء والتعاطي بحذر مع الاستهلاك.
والمحرك الثالث: ويتعلق بالبنية الداخلية للاقتصاد الصيني بعد أن فتح البنك المركزي الصيني المجال أمام المواطنين من أصحاب الدخل المحدود في عمليات الاستثمار من خلال عروض التسليف التي قدمها هذا البنك عبر شركة تمويل الأوراق المالية، واتساع المساهمين في الإفادة من تلك القروض، وقد أبهظ هذا الدين الواسع العملة الصينية.
المحرك الرابع: إن الصين هذا العملاق البشري الكبير، وهذا الامتداد الجغرافي الذي يحتل أغلب شرق آسيا، ظل يراهن على الندية في الإفادة التجارية العالمية، وذهب أبعد في تبني سياسات تصادمية مع الاقتصاد الأميركي وعموم الاقتصادات الأوروبية، ومن هنا فإن نتائج هذا الصدام قد حمّل الاقتصاد الصيني العديد من الأعباء الجديدة غير المحسوبة، والسؤال هنا: هل يستطيع الاقتصاد الصيني أن يتجاوز ما مر به في الأسابيع القليلة الماضية أم أنه يدخل نفق الكساد الحقيقي الذي سبق أن أصاب الولايات المتحدة الأميركية عام 1929؟
لا شك أن وسائل الإعلام الغربية ومراكز البحث التي تتخذ من نيويورك أو لندن أو باريس أو برلين مقرا لها تغذي (فزاعة) الأزمة في الاقتصاد الصيني واستمرارها، وكأنها وجدت في الوعكة المشار إليها ما يتيح لها إرضاء الهجوم عليه.
على أي حال، الصينيون بارعون في (الرياضة الذهنية) التي لا تجيدها بعض الشعوب الأخرى، ولذلك ما زال الوقت مبكرا للحديث عن أن الاقتصاد الصيني قد دخل منعطفات غير مضمونة العواقب.