[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
ظهرت بعد الغزو الأميركي عناوين للمعارضة العراقية توزعت بين مقاومين للاحتلال الأميركي ومناهضين للعملية السياسية التي يرون أنها صنيعة المحتلين، وأنها ليست شرعية. وتعددت هذه العناوين موزعة على وطنية وأخرى إسلامية وقومية إضافة إلى معارضين مستقلين، ووجدوا جميعا أن المسؤولية الأخلاقية تحتم عليهم الوقوف بوجه المحتلين والعمل على إفشال مشروعهم مهما طال الزمن.
لكن واجه هؤلاء جميعا أكثر من معضلة حقيقية في عملهم السياسي والمقاوم، وقبل الحديث عن هذه المعضلات لا بد من التوقف عند قضية في غاية الأهمية تٌحسُب للمعارضين والمناهضين والمقاومين للاحتلال الأميركي ولعمليته السياسية، فقد صمدت الغالبية العظمى من العناوين المعارضة، بل إن العناوين الرئيسية لم تخدش ولم تقدم أية تنازلات كما أنها لم تقبل بالتراجيع عن مواقفها التي أعلنتها مبكرا بعد الاحتلال ربيع عام 2003.
وهنا من الواجب أن نذكر الحقائق المريرة التي واجهت القوى المعارضة للاحتلال وللعملية السياسية، وتنقسم إلى قسمين، هما:
أولهما: حجم المطاردات والاعتقالات والتعذيب الممنهج والواسع الذي مارسته قوات الاحتلال الأميركي بحق مئات الآلاف من المشتبه بمقاومتهم للاحتلال ومناهضته لعمليته السياسية، ومنذ عام 2004 باشرت الأجهزة الأمنية الحكومية ملاحقاتها واعتقالها وتعذيبها وما زالت سائرة بذات الطريق الذي سارت عليه قوات الغزو والاحتلال الأميركية، وزادت هذه الأجهزة من نشاطاتها وجرائمها الخطيرة والواسعة بحق العراقيين مسجلة درجات عالية في حجم الجرائم بحق العراقيين في عام 2005، لتتحول إلى مؤسسة قمع لا مثيل لها في عام 2007 وحتى هذه اللحظة.
لم يقتصر منهج الحكومة وقوات الاحتلال على الاعتقال والتعذيب فقط، بل شمل اعتقال النساء وممارسة أبشع الانتهاكات بحقهن، وابتزاز عوائل المعتقلين على أوسع نطاق لدرجة أصبحت سجون الحكومة العراقية في عهد المالكي توصف بـ"الدجاجة التي تبيض ذهبا"، ونتج عن كل ذلك مغادرة أعداد ليست بالقليلة البلاد خوفا من إرهاب الحكومة العراقية الذي تجاوز كل الأوصاف.
ثانيهما: بموازاة الاعتقالات والتعذيب والمطاردات والابتزاز سارت قافلة الإغراءات لمحاولة جذب عناوين معينة أو أفراد ومجاميع على طريق أحداث خلخلة في صفوف القوى والفصائل المقاومة والمناهضة للاحتلال وعمليته السياسية، وتم تخصيص وزارة لهذه المهمة أسموها وزارة "المصالحة" التي تخصصت بمحاولة شراء ذمم البعض واختراق المعارضين، ولكن ورغم الإغراءات الكبيرة والضغوطات الهائلة التي نعرف الكثير من تفاصيلها، فإن ما يسجل للفصائل والشخصيات المناهضة والمقاومة أنها كانت صامدة ثابتة على مواقفها ولم تتراجع أو تنكص ولم يشعر هؤلاء باليأس رغم توفر عوامل اليأس تلك وعلى نطاق واسع.
إن هذه الأعوام الصعبة والمريرة التي تجاوزت العقد من عمر المعارضة العراقية ضد الاحتلال والعملية السياسية، وكل ما اصطنعه وأقامه وأنشأه الغزاة وأعوانهم، أكدت أن المعارضين والمقاومين في العراق قد صبروا وصمدوا وعاندوا بقوة ومبدئية وشجاعة لا يقدر أهميتها إلا من عاش في أعماقها ويعرف تفاصيل ما حصل من محاولات وممارسات لهدم الجسد العراقي المعارض والمقاوم.