[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
الدعم المتواصل الذي حظيت وتحظى به من قبل جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وسياسة التطور المتواصل والمتدرج عبر مراحل متعددة، آخذة في الاعتبار ظروف المرحلة ومتطلباتها، وتطلعات ورغبة المواطن العماني في تحمل مسئولياته وفي المشاركة في اتخاذ القرار, وهي تهيئة مهدت لها وأنضجتها الإنجازات الكبيرة التي تحققت في مجال التعليم أولا, واكتمال البنية التحتية التي شملت ربوع مناطق السلطنة ثانيا.

خامسا: قراءة في حيثيات صدور المرسوم السلطاني رقم 99/2011م, وبعض مواده الخاصة بصلاحيات مجلس عمان 1/2
لا يختلف اثنان على أن نجاح أي تجربة أو مشروع أو عمل حضاري, تتضمن أهدافه الأساسية صلاح مجتمع من المجتمعات والسعي إلى خدمته وتحقيق الرقي والرفاه والتطور, والعمل على توظيف المقدرات والإمكانات المتوفرة لخدمة التنمية والبناء، إنما يعتمد في الأساس على ارتباط مضامين ومحاور هذه التجربة أو المشروع أو العمل مع ثقافة وطبيعة وحاجة وبيئة المجتمع الذي تعمل من أجله وتسعى لخدمته, فالتجربة الغريبة المنفصلة عن تربتها وبيئتها لا يمكن لها أن تنمو ويشتد عودها وتلاقي النجاح بعيدا عن بيئتها الحقيقية, ولنا في تجارب البشرية وصفحات التاريخ والمشاهد الحية أمثلة غنية تتوالى من هنا وهناك، مؤكدة على أن أي تجربة أو مشروع أو عمل يتم غرسه وتنفيذه في بيئة رافضة له نافرة منه؛ لأنه لا يمت بصلة إلى تاريخها وقيمها، ولا يعبر بأي حال من الأحوال عن ثقافتها وسماتها, ولا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة ومكونات المجتمع واحتياجاته ومتطلباته، فسوف يلاقي الفشل والضمور والتلاشي. ومن فضل الله وكرمه على عمان وشعبها الذي يستمد حضارته وقيمه ومكتسباته الكبيرة من تلك الأمجاد والتضحيات والأعمال الحضارية التي صنعها الآباء عبر المراحل التاريخية جيلا إثر جيل، أن منَّ الله عليهما بقائد يمتلك مؤهلات وقدرات فذة مكنته من صياغة وإرساء نظام متكامل ومتوازن لهيكلة الدولة ومؤسساتها، يرسم الحقوق والواجبات، ويضع كل طرف من الأطراف الرئيسية أمام مسئولياته الحقيقية في صنع القرار والمشاركة بالرأي, وفق مشروع يتوافق مع طبيعة المجتمع ويعبر عن ثقافته، ويراعي في تدرجه من حيث اتساع الصلاحيات والممارسة وتحمل المسئولية تطور المجتمع ذاته تعليما ووعيا وخبرة وقدرة على تحمل هذه المسئوليات الكبيرة، ومراعاة ظروف كل مرحلة من المراحل التنموية وإنجازاتها ومتطلباتها وتحدياتها. ومن أهم وأبرز التجارب التي مرت بها السلطنة في إطار حرص حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على تأسيس قيم للشورى وربطها بثقافة وطبيعة وتاريخ المجتمع العماني واحتياجاته, مع الأخذ في الاعتبار خلاصة تجارب الآخرين وخبراتهم, وبما لا يتعارض مع القيم والمبادئ والخصوصية التي تشكل سمات وخصائص هذا المجتمع, تجربة ((الشورى)) التي مرت خلال أكثر من ثلاثة وثلاثين عاما بمراحل متعددة وواسعة من التطور في الصلاحيات والممارسة والعملية الانتخابية، وتوسيع دائرة المشاركة تماشيا مع الأسس والقواعد التي تمت الإشارة لها باستفاضة والتي عبرت عن الرؤية الواسعة والعميقة التي ترسم مسيرة العمل الوطني في السلطنة وأهدافها البعيدة في توسيع دائرة المشاركة، وقيام كل طرف من الأطراف المهمة بتحمل مسئولياته في طرح الأفكار، وتقديم الرؤى وصناعة القرارات التي تخدم أبناء هذا المجتمع، وتسعى إلى تطوير مختلف القطاعات الحيوية، وتحافظ على المكتسبات الكبيرة التي تحققت خلال النهضة المباركة. وقد كانت لتلك الرؤية المبنية على التدرج في تطور مسيرة الشورى وربطها في الوقت ذاته بثقافة وقيم المجتمع العامل الأساسي في استمراريتها وتطورها ونجاحها وارتباط المجتمع بها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من مكانة ومنزلة، جعلت منها مؤسسة برلمانية تعنى بالرقابة والتشريع في السلطنة مع استمراريتها في التطور والنمو, وتتمتع بسلطات وصلاحيات تمكنها من القيام بدورها المناط بها على أفضل وجه مثلما رأينا ذلك في صورا متعددة خلال الفترة الحالية وإن شابها بعض القصور والملاحظات، إلا أنها تظل ضمن الوضع الطبيعي في ظل ممارسات تتجدد وتتطور مع زيادة الصلاحيات وتحديات تواجهها من أطراف وعوامل متعددة سوف نتطرق لها في مقال لاحق ضمن هذه السلسلة. هذا وتستمد مسيرة الشورى نجاحها وقوتها وحيويتها في السلطنة من خلال عوامل ثلاثة تجسدت في:
• الدعم المتواصل الذي حظيت وتحظى به من قبل جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وسياسة التطور المتواصل والمتدرج عبر مراحل متعددة، آخذة في الاعتبار ظروف المرحلة ومتطلباتها، وتطلعات ورغبة المواطن العماني في تحمل مسئولياته وفي المشاركة في اتخاذ القرار, وهي تهيئة مهدت لها وأنضجتها الإنجازات الكبيرة التي تحققت في مجال التعليم أولا, واكتمال البنية التحتية التي شملت ربوع مناطق السلطنة ثانيا, والممارسة المتدرجة في العملية الانتخابية وتطور الصلاحيات البرلمانية ثالثا. ويتجلى ذلك الدعم في السنوات الأخيرة في الصلاحيات الجديدة التي صدرت بموجب المرسوم السلطاني رقم 99/2011م, وإشادة جلالته ـ أيده الله ـ في خطابه السامي السنوي بدور مجلس عمان وما يقدمه من توصيات ومرئيات وملاحظات في مختلف القضايا والمجالات والتخصصات التي تخدم مسيرة التنمية, وتلك التحفة المعمارية الشامخة في منطقة البستان, ممثلة في مبنى مجلس عمان الذي أراده القائد بأن يصبح منبرا للشورى متضمنا كل الوسائل والنظم الحديثة التي تهيئ مجلسي الدولة والشورى على ممارسة صلاحياتهما البرلمانية.
• وعي المواطن وإدراكه بأهمية الشورى كسلطة برلمانية تعبر عن طموحاته وتهتم بقضاياه وتعالج مشاكله وتصيغ آراءه في نصوص قانونية، وممارسة فاعلة للوسائل والأدوات البرلمانية المتعددة تخدم مصالحه ومصالح الوطن, وقد تمثل ذلك في مشاركاته الإيجابية والفاعلة في العملية الانتخابية, ومتابعته لنشاط وأعمال وتطور مسيرة الشورى, وقيامه بطرح الملاحظات والرؤى القيمة التي من شأنها الارتقاء بها وتطوير أدائها.
• قيام بعض أعضاء مجلس الشورى الفاعلين خلال الفترات الماضية والحالية بمسئولياتهم في ممارسة صلاحياتهم, والعمل بصدق وأمانة في تحمل أعباء العضوية, والقدرة على نقل قضايا المجتمع واهتماماته, وتقديم الأفكار والرؤى التي ساهمت بشكل كبير في تحقيق مطالب التطوير والبناء والتقدم ومعالجة العديد من الموضوعات والقضايا التي تهم المجتمع العماني.
وقد مرت مسيرة الشورى في سلطنة عمان كما أشرنا إلى ذلك مرارا بمحطات زمنية فاصلة، اتسمت في طبيعتها بالتطور والنمو في الصلاحيات وفي عدد الأعضاء وفي العملية الانتخابية والممارسة البرلمانية, كان آخر تلك المحطات ما تضمنه المرسوم السلطاني رقم 99/2011م, ففي شهري فبراير ومارس من عام 2011م, وفي خضم الأوامر والتعليمات السامية المتتابعة, الهادفة إلى تحسين الحياة المعيشية للمواطن وتوفير فرص عمل للباحثين والارتقاء بالمؤسسات التشريعية والرقابية وتوسيع صلاحياتها وضمان استقلاليتها وتوفير الوسائل والسبل الحمائية التي من شأنها الحفاظ على مكتسبات النهضة، وتفعيل آليات وأدوات إشراك المواطن في اتخاذ القرار وتأسيس القاعدة الضامنة لحقوقه الملبية لطموحاته ومطالبه.. في خضم تلك الأحداث وما تبعها من حزم إصلاحية هامة, أصدر جلالته ـ أبقاه الله ـ مرسوما ساميا يقضي بمنح مجلس عمان الصلاحيات التشريعية والرقابية وفقا لما يبينه النظام الأساسي للدولة والقوانين النافذة, وتشكيل لجنة فنية من المختصين لوضع مشروع تعديل النظام الأساسي للدولة بما يحقق حكم المادة الأولى من هذا المرسوم, وهو ما رفع سقف التفاؤل عند المواطن العماني والذي بدا مرتاحا لمضامين هذا المرسوم المؤكد على أن صفحة تاريخية جديدة من التطورات الواسعة والشاملة ستتعزز فيها المشاركة الشعبية, والذي أكد كذلك على حكمة القائد وبُعد نظره وتجاوبه لتطلعات شعبه وفهمه لظروف المرحلة ومتطلباتها. وظل المجتمع العماني الذي شارك بقوة في انتخاب من يمثلونه في هذا الصرح الشوروي المعبر عن آرائه وتطلعاته وطموحاته، ينتظر تلك الصلاحيات التي اختلفت آراء الناس بشأنها بين متفائل متطلع لصلاحيات واسعة تفي بمتطلبات المرحلة وتعبر عن تطلعات وطموحات المواطن, وقد تولدت لدى هؤلاء القناعة التامة بأن القائد الذي وقف مع مبادئ الشورى وأسس قواعدها، وأشرف على تطورها سوف يقدم على خطوات طموحة وعملية، ترفع من مكانة الشورى في البلاد وتحرك مساراتها وتعلي من شأنها, وبين متشائم لا يرى في القادم المنتظر إلا تطورات شكلية وصلاحيات هزيلة, وقد تشبث في التدليل على رأيه بمعايير وأسباب منها أن السلطة التنفيذية وأصحاب النفوذ لن يكونوا مرحبين ومرتاحين لوجود برلمان قوي يمارس سلطاته التشريعية والرقابية على أدائهم وعلى مؤسساتهم, ويعمل وفقا لصلاحياته على وأد ومكافحة صور الفساد وتقييد بعض الممارسات التي يستفيد منها بعض الفاسدين ومراجعة وضبط الأنظمة والقوانين ... وهي نظرة مجانبة في وقتها للواقعية لا تتوافق ولا تنسجم مع الواقع ومستجداته والظروف وتطوراتها، ولا تتلاءم مع ضرورات الحياة وطموحات المواطن وتطلعاته. وبين هذه النظرة وتلك نجد رأيا آخر جامدا يطالب ويدعو بإلحاح إلى بقاء الأمور على ما هي عليه غير محبذ لأي تطور لمسيرة الشورى مستندا في رأيه إلى مبررات وادعاءات واهية تقوم على أساس أن تطور المؤسسات التشريعية والرقابية سوف يقف عقبة أمام سرعة وتنفيذ وإصدار المشاريع والقوانين، وسيحد من وتيرة العمل الحكومي وسوف تنتج عنه مخاطر وآثار مستقبلية على المجتمع, ويتناسى أصحاب هذا الرأي بأن البرلمان هو الأداة الوحيدة المعتمدة والمعترف بها عالميا في تقييم ومراقبة أداء الحكومة، والحد من تجاوزات المسئولين فيها، ومحاسبة المقصر فيهم، وهو مطلب شعبي على كل حال ... وقد جاء صدور المرسوم السلطاني رقم 99/2011م , بتعديل بعض أحكام النظام الأساسي للدولة والذي منح بموجب ما تضمنه من أحكام مجلس عمان صلاحيات تشريعية ورقابية ليقطع الشك باليقين, ويؤكد على أن سلطان البلاد قد انحاز إلى مصلحة الوطن ووفى بوعده، وكما عهدناه دائما كان مخلصا ووفيا لبلده وشعبه .. لقد تضمن المرسوم المشار إليه صلاحيات مكنت مجلس عمان من التحول إلى برلمان أكثر فاعلية وقدرة على ممارسة التشريع والرقابة وفي فترة وجيزة, فقد نجح بعض أعضائه في التعاطي مع تلك الصلاحيات بروح المسئولية وغلبوا مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح, وابتعدوا عن روح المغامرة واستفادوا من دروس وتجارب وخبرات ما يحدث في برلمانات دول أخرى من تأزم وتسويف وتلكؤ وإثارة أصابت في كثير من الأحيان مؤسسات تلك الدول بالشلل وأخرت تقدمها وتطورها, وتمكنوا بالتالي (أي هؤلاء البعض من أعضاء المجلس) من إرساء ممارسة برلمانية طورت من ثقافة العمل البرلماني، وأعادت لشريحة من أبناء هذا البلد ثقتهم في مؤسسة الشورى كما سنستعرضه بالتفصيل لاحقا. ويحدونا الأمل أن تتمكن صناديق الانتخاب من تقديم نخب جيدة لعضوية المجلس لفترته القادمة في مقدورهم المضي قدما في تطوير وتعزيز العمل البرلماني وتفعيل الممارسة والمطالبة بالمزيد من الصلاحيات. إن نص المادة (58) مكررا (21) والتي جاءت على النحو التالي ((على رئيس مجلس الدولة ورئيس مجلس الشورى ونوابهما وكل عضو من أعضاء المجلسين أن يستهدفوا في أعمالهم مصالح الوطن وفقا للقوانين المعمول بها، وألا يستغلوا عضويتهم بأي صورة لفائدتهم الشخصية أو لفائدة من تربطهم بهم صلة قرابة أو علاقة خاصة، ويحدد القانون الأعمال التي لا يجوز لأي منهم القيام بها)), لكي تؤكد وبكل وضوح وصراحة على حجم وقدر المسئولية التي يتبوأها أعضاء مجلس عمان وتضعهم أمام هذه المسئوليات والتي يأتي في مقدمتها تغليب المصلحة العامة على ما عداها. فالعضو هنا يؤدي دور المُقيِّم والمُراقِب والمُسائِل لأداء الحكومة وعليه أن يُنزِّه نفسه عن أي شبهة وأن يظل قدوة لا تشوبها الشوائب, وإلا لنتفت صلاحياته للقيام بهذا الدور الحيوي والهام والذي يعول عليه المجتمع كثيرا, وعلى كل عضو من أعضاء المجلس أن يبدأ بقراءة نص هذه المادة واستيعابها، وأن يتعهد بالعمل بما فيها من مبادئ قبل أن يمارس أيا من أعماله في المجلس، وأن يضعها نصب عينيه قبل أي خطوة يخطوها أو فكرة يطرحها أو رأي يبديه أو طلب يتقدم به. وجاء نص المادة 58 مكررا (22) ((لا تجوز مؤاخذة عضو مجلس الدولة أو عضو مجلس الشورى عما يبديه أمام المجلس أو لجانه من آراء أو أقوال في الأمور التي تدخل في اختصاص المجلس)), ليحمي أعضاء مجلس عمان من أية مساءلة حول ما يبدونه أمام المجلس من آراء أو أقوال, ليتاح لهم المجال في التعبير وبحرية تامة من إبداء الملاحظات والنقد وطرح الأفكار التي تدخل ضمن صلاحيات واختصاصات المجلس, وكي لا يبقى أمامهم عذر أو حجة يستندون إليها في صمتهم عن قول الحق وفي عدم مشاركتهم في المناقشات وفي مساهمتهم بالرأي الأصيل وفي تقصيرهم عن أداء واجبات العضوية. وعندما نصت المادة 58 مكررا (31) على علنية الجلسات، فقد أعطت الحق للمواطن وللمؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع الأخرى والكتاب والمثقفين في حضور ومتابعة ما يدور فيها من مداولات ومناقشات، وهي إضافة مهمة لم تكن موجودة من قبل، يفترض أنها مكنت المجتمع ومؤسساته من تقييم أداء العضو والمجلس على السواء, ومواصلة هذا الدور المهم في عملية المتابعة والتقييم والنقد، وتقديم الملاحظات والمرئيات الوجيهة في الفترة القادمة. وعبر النصوص القانونية الأخرى باتت الكرة وفقا للصلاحيات الجديدة في ملعب الشورى، ففي قبته يناقش الأعضاء جميع القوانين دون استثناء، ولهم أن يقدموا ملاحظاتهم عليها، قبل رفعها إلى المقام السامي لاستصدارها، ولهم حق مراجعة الخطط الخمسية والموازنات العامة للدولة وتقديم مرئياتهم وتوصياتهم بشأنها إلى مجلس الوزراء، وعلى الأخير إخطار مجلسي الدولة والشورى بما لم يتم الأخذ به من توصيات مع ذكر الأسباب...يتبع