الفلسطينيون: المماطلة في كشف القتلة دليل على التورط بالجريمة

القدس المحتلة ــ (الوطن) :
استشهدت الفلسطينية ريهام الدوابشة، أمس متأثرة بإصابتها بحروق شديدة، لتصبح الضحية الثالثة بعد استشهاد زوجها سعد الدوابشة وطفلهما الرضيع علي في حريق منزلهم بالضفة الغربية المحتلة على يد مستوطنين متطرفين في يوليو الماضي. وقال ناصر الدوابشة، شقيق سعد، إن ريهام استشهدت في المستشفى، بينما يرقد ابنها الثاني أحمد في حالة حرجة بالمستشفى مع حروق في 80% من جسده.
وكان مستوطنون متطرفون القوا في 31 يوليو من نافذة منزل العائلة التي تركت مفتوحة بسبب الحر، زجاجات حارقة. وفي لحظات تحول منزل العائلة الصغيرة في قرية دوما المحاطة بمستوطنات اسرائيلية في شمال الضفة الغربية المحتلة الى رماد. و استشهد الرضيع علي دوابشة في الحريق. وبعد ثمانية ايام قضى والده سعد دوابشة متاثرا بحروقه في حين لا يزال احمد (اربع سنوات) الابن الثاني للأسرة يتلقى العلاج. وكتب على الجدران المتفحمة لمنزل الاسرة الفلسطينية كلمات "انتقام" و"دفع الثمن" وهي العبارة التي يستخدمها المستوطنون وناشطو اليمين المتطرف الاسرائيلي لتوقيع جرائمهم. وتستند هذه السياسة الانتقامية على مهاجمة أهداف فلسطينية وعربية. وتشمل تلك الهجمات تخريب وتدمير ممتلكات فلسطينية وإحراق سيارات ودور عبادة اسلامية ومسيحية واتلاف او اقتلاع اشجار زيتون. وقالت متحدثة باسم مستشفى تل هاشومر في تل ابيب حيث أودعت ريهام (مدرسة) بعد إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة غطت 80 بالمئة من جسدها، "ريهام دوابشة توفيت ليلا". وحرق منزل اسرة دوابشة كان آخر حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم المماثلة التي نادرا ما عوقب مقترفوها. ومع ذلك فقد أجمع المسؤولون الإسرائيليون على ادانة هذه الجريمة "الارهابية" في موقف نادر الحدوث حين يتعلق الامر بالعنف بحق فلسطينيين. وازاء انتقادات قسم من المعارضة ومن الخارج بتهمة "عدم معاقبة" منفذي الهجمات على الفلسطينيين، شددت اسرائيل في الاونة الأخيرة تحركها ضد المتطرفين اليهود من خلال عمليات دهم في المستوطنات وتوقيف ناشطين متطرفين يهود ضد الفلسطينيين دون توجيه اتهام لهم وهو مصير عادة ما يواجه الفلسطينيين فقط. وحددت اقامة عشرة عناصر من اليمين المتطرف يشتبه في تورطهم في "هجمات ارهابية" منها اعتداء دوما، في حين وضع ثلاثة آخرون قيد الاعتقال الاداري اي بدون محاكمة لمدة ستة اشهر وذلك في اطار التحقيق خصوصا في حريق دوما. وبين هؤلاء الثلاثة مئير اتينجر وهو من رموز التطرف اليهودي وحركة "شباب المستوطنات" التي تسعى لاقامة مستوطنات عشوائية دون تراخيص رسمية اسرائيلية. ومئير اتينجر هو حفيد الحاخام مئير كاهانا الذي اسس حركة كاخ العنصرية المناهضة للعرب والذي اغتيل العام 1990. وفي بداية العام، منع من الاقامة لعام في الضفة الغربية والقدس "بسبب انشطته"، وفق ما اوضح متحدث باسم جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي. وفي الثامن من اغسطس شارك آلاف الفلسطينيين في قرية دوما في تشييع سعد دوابشة والد الرضيع الذي احرق حيا، وذلك بعد قيام الطب الشرعي الفلسطيني بتشريح الجثة. وكانت السلطة الفلسطينية اعلنت انها قررت رفع جريمة حريق دوما الى انظار المحكمة الجنائية الدولية.
من جانبها، أكدت الحكومة الفلسطينية تورط حكومة الاحتلال الإسرائيلي في "جريمة" حرق عائلة دوابشة التي ارتفع عدد ضحاياها إلى ثلاثة بوفاة الأم متأثرة بجروحها. واعتبرت الحكومة ، في بيان صحفي ، أن وفاة الأم رهام دوابشة متأثرة بحروقها ولحاقهما برضيعها وزوجها "دليل إضافي على مدى فجاعة جريمة حرق المستوطنين للعائلة". وقالت الحكومة إن "هذه الجريمة تثبت استهتار الحكومة الإسرائيلية بحياة الفلسطينيين بتساهلها مع المتطرفين الجناة وعدم محاسبتهم على جريمتهم البشعة، وتثبت تورطها في جريمة الحرب هذه بحق عائلة كاملة". وأشارت إلى أنها ستواصل متابعة ملف حرق عائلة دوابشة لـ "تحقيق العدالة لهم ومعاقبة الجناة على جريمتهم البشعة إلى جانب محاسبة إسرائيل ومستوطنيها على جرائمها بحق المواطنين الفلسطينيين العزل". وجددت الحكومة مطالبتها المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن بالتدخل الفاعل والجدي لتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني "في وجه جرائم الكراهية التي يرتكبها المتطرفون الإسرائيليون". من جهتها اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن وفاة رهام دوابشة لتلحق بزوجها وطفلها الرضيع "يؤكد على حجم الجريمة التي ارتكبها المستوطنون ضد هذه العائلة". وقال حسام بدران الناطق باسم الحركة في الضفة الغربية في بيان إن ما حدث مع عائلة دوابشة "ليس حالة استثنائية بل جزء من خطة ممنهجة يشرف عليها قادة الاحتلال ويتم تنفيذها على يد الجنود والمستوطنين على حد سواء، قائمة على القتل والتهجير والإرهاب". وأضاف بدران "لقد بات واضحاً أن التحركات السياسية والاعتماد على المواقف الدولية لا توفر حماية لشعبنا أمام إجرام المحتل، وما من سبيل سوى التحرك الذاتي في الضفة وقيام شعبنا بمقاومة الاحتلال بما امتلكوا من أدوات". ودعا الناطق باسم حماس "رجال المقاومة في الضفة الغربية وهم موجودون في كل الفصائل إلى القيام بعمليات نوعية تردع هذا الاحتلال المجرم وتؤدب مستوطنيه، ونحن على يقين بأن شعبنا لن ينكسر".
بدوره، نعى وزير التربية والتعليم العالي الفلسطيني، د. صبري صيدم وأسرة الوزارة، المعلمة الشهيدة رهام دوابشة، التي نالت شرف الشهادة لتلحق بابنها وزوجها، في جريمة اقترفها مستوطنون حاقدون على مرأى العالم. وقالت الوزارة في بيان إنها إذ تعتبر أن رحيل المعلمة دوابشة نموذج من نماذج لا يمكن حصرها للتعدّي على المسيرة التعليمية ورموزها في فلسطين، لتجدّد مطالبتها لكل المؤسسات الحقوقية والأحرار في العالم والمؤسسات الإعلامية بفضح ممارسات الاحتلال، ومواصلة الجهود لحماية حق أطفالنا في التعليم وفي الحياة على حدّ سواء. وأكدت الوزارة التزامها بالوفاء لعائلة دوابشة وللشهداء والأسرى، وهي التي بادرت لافتتاح العام الدراسي هناك من دوما حيث البيت المحروق، والمدرسة المكلومة شاهدان على الجريمة، وأعلنت أن تسمية مدرسة باسم الشهيد علي سعد دوابشة ما هي إلا خطوة على طريق توثيق الجريمة وتخليد ذكرى الشهداء في ذاكرة الأجيال. وأعلنت الوزارة أنها وبتنسيق مع الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، قررّت تعليق الدوام في مدارس مديريتي جنوب نابلس ونابلس لإتاحة المجال أمام المعلمين ومديري المدارس للمشاركة في مراسم تشييع زميلتهم، وتخصيص الحصة الأولى من برنامج يوم غد الثلاثاء، للحديث عن الشهيدة والعائلة المنكوبة والجريمة البشعة، علاوة على مشاركة وفد من الوزارة برئاسة الوزير صيدم في التشييع، وهذا أقل ما يمكن تقديمة للفقيدة ولعائلتها، وأن الوزارة ستكون حاضرة في كل الفعاليات الخاصة بالتعزية، وفاء لمعلمة أدّت رسالتها بامتياز، وكان حلمها مواصلة بناء الأجيال وتربيتها على القيم الوطنية، فإذا بها وعائلتها ضحيّة لتغوّل استيطاني مجرم.
وفي وقت لاحق، شارك الاف الفلسطينيين، بتشيع جثمان الشهيدة في مسيرة جماهيرية وصفت بالحاشدة والغاضبة، وانطلقت المسيرة من امام مدخل قرية دوما جنوب نابلس بجنازة عسكرية مهيبة تقدمها افراد الامن الوطني الفلسطيني باتجاه مدرسة الشهيد سعد دوابشة، حيث اقيمت صلاة الجنازة عليها ومن ثم انطلقت المسيرة تجاه مقبرة القرية، حيث سيوراي جثمانها بجانب زوجها وابنها بعد أن استشهدا متأثرين بجراحهما جراء عملية ارهابية نفذها عدد من المستوطنين المتطرفين على منزلهما في القرية قبل حوالي خمسة اسابيع بالزجاجات الحارقة. ورفع المشاركون بالجنازة الاعلام الفلسطينية واعلام الفصائل الوطنية الفلسطينية اضافة إلى الشعارات التي تطالب برص الصفوف وانهاء الانقسام والتأكيد على استمرار النضال الفلسطيني حتى انهاء الاحتلال الاسرائيلي. ورددا المشاركون بالجنازة شعارات تطالب بالانتقام من القتلة وتطالب الحكومة الاسرائيلية بالكشف عنهم ومعاقبتهم اضافة الى دعوة الفصائل الفلسطينية الى الانتقام لهذه الجريمه البشعة. وتقدم الجنازة عشرات الطلبة والطالبات من مدرسة "جوريش" للبنات حيث كانت الشهيدة المعلمة ريهام دوابشة تدرس مادة الرياضيات اضافة إلى مئات المعلمين والمعلمين الذين شاركوا بالجنازة بعد أن اعلنت مديرية التربيه والتعليم عن تعليق الدراسة في مدينة نابلس وجنوبها لاتاحة الفرصة للمعلمين بالمشاركة بالتشيع.