محطاته الثقافية شكّلت لديه تجربة أدبية ناضجة

مسقط ـ العمانية:
لا يمكن أن يذكر المشهد الشعري والشبابي في السلطنة إلا ويقترن ذلك باسم الشاعر هلال العامري الذي يتجاوز الشهر القادم عقده السادس بسنتين وهو ما يزال حاضرا في المشهد مشاركة وإبداعا.ولم يختر الشاعر العامري في تجربته الشعرية العزلة الاختيارية التي كانت خيار الكثير من الشعراء ولكنه اختار بعمد أن يكون وسط جيل الشباب، معايشا تطور تجاربهم ومشجعا وناقدا. وكانت تجربته مع مشروع الملتقى الأدبي الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة خير برهان على ذلك علاوة على ترؤسه في فترة سابقة النادي الثقافي والمنتدى الأدبي ووجوده في جامعة السلطان قابوس منذ انطلاقاتها الأولى.

هذه التجارب شكلت في العامري حرصا شديدا على الحضور في قلب المشهد والمشاركة في تفعيله وليس النظر إليه من علو وانتقاده دون أي فعل. وبدأ هلال العامري شاعرا كلاسيكيا في وقت كانت فيه الكلاسيكية هي الطاغية على المشهد الشعري في عمان وكان التعامل مع الكتابة الحديثة حذر جدا في مجتمع ليس محافظ في جوانبه الأخلاقية فقط وإنما في نزعاته الأدبية والثقافية. لكن تحولا منهجيا سرعان ما حدث لدى الشاعر بعد أن وقعت في يديه دواوين شعر لقامات شعرية عربية كبيرة أمثال بدر شاكر السياب ومحمود درويش ونزار قباني وسميح القاسم، لكن السياب كان الأكثر تأثيرا في الشاعر إضافة إلى الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة رواد قصيدة التفعيلة العربية ونشر الشاعر قصائده في البدايات الأولى في مجلتي "الظفرة" و"الوحدة" اللتان كانتا تصدران في دولة الأمارات العربية المتحدة الأمر الذي شجع الشاعر الشاب على الاستمرار مع قصيدة التفعيلة وكسر عمود الشعر العربي والتمرد عليه. مع نجاح التجربة طبع العامري أول ديوان له "هودج الغربة" وكان ذلك على حساب وزارة الإعلام، الأمر الذي ولد لدى الشاعر الكثير من الحماسة للكتابة خاصة أن الديوان وجد الكثير من التبني ليس من المؤسسة الرسمية بل وكذلك من القارئ الذي قرأ في التجربة الكثير مما يستحق التوقف عنده وتشجيعه. وفي هذا التوقيت بدأ العامري كتابة مقال أسبوعي في جريدة الوطن تحت عنوان ثابت "استراحة في زمن القلق" وهي التجربة التي كشفت عن كاتب مقال بارع إضافة إلى البراعة الشعرية. هذه المقالات شكلت لاحقا كتابا حمل نفس الاسم نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب.
يبدو حضور المرأة طاغيا بشكل كبير في شعر هلال العامري، ولا يبدو ذلك غريبا لمن عرف رهافة حس الشاعر وتعلقه بالرومانسية مذهبا حياتيا وشعريا رغم كل ما يمكن أن يقرأ في شعره من نصوص قومية وعروبية ناقدة لحال الأمة العربية. وهلال العامري نفسه لا يرى في المرأة نصف المشهد كما يرى الجميع فهو يراها المشهد كله، وحيثما نذهب فثمة أنثى بدءا من رمال الشاطئ الذي تتكسر عليه أعتى المواج وليس انتهاء بالشمس التي تضيئ هذا الكون من أقصاه إلى أقصاه، بل إنه يذهب حد القول أن كل هذه الرموز المشكلة للكون تتشكل فيها الأنوثة وكذلك البعد العاطفي والوجداني في حياتنا، والقصيدة وكل مفردات الرقة تتكون من صوت أنثوي كلمة القصيدة أنثى ، وفكرتها أنثى. وربما كان هذا البعد وهذا الحضور هو الذي جعل الألفاظ الغنائية والرومانسية تحضر بسطوة كبيرة في شعر العامري، وهي عائدة فيما يبدو إلى فترة الشباب حيث الانكفاء بحضن الرومانسية والبحث عن قصيدة تخرجهم من كل المآسي التي تتشكل أمامهم أو أمام هذا العالم الواسع، ولم يكن حينذاك من سبيل إلا الرومانسية. حتى النص الوطني الذي كتبه الشاعر هلال العامري كان يلتبس لبوس الرومانسية حتى لا يبتعد عنه في مشهد لم يكن مستعدا للتواصل مع القصيدة المباشرة الأمر الذي احتاج للرمز وللرومانسية. وإذا كان بعض النقاد رأوا أن هناك حلقة مفقودة بين القصيدة الكلاسيكية وقصيدة النثر في الشعر العماني والتي تمثلها قصيدة التفعيلة فإن الشاعر هلال العامري هو تلك الحلقة التي لا تبدو مفقودة بل تبدو حاضرة مع آخرين أمثال الشاعر سعيد الصقلاوي. ورغم أن هلال العامري كتب الكثير من قصائد النثر إلا أنه لم ينشرها معتبرا ان قصيدة النثر في المشهد العربي بشكل عام وكذلك في المشهد العماني شكلت نوعا من حالة الانفصام في التكوين الكتابي حيث استسهلها الجميع وراحوا يصفون كلمات على أنها قصيدة نثر. وفي الملتقى الأدبي والفني الأخير والذي أقيم في مدينة نزوى الشهر الماضي تم الاحتفاء بالشاعر هلال العامري وسط المكان الذي فضل أن يكرس الكثير من حياته لخدمته وخدمة أجيال من الشباب العماني المبدع. وكان واضحا من خلال الكلمات التي ألقيت والمداخلات التي شهدها ذلك اليوم أن الكثيرين من جيل الشباب يعيدون الفضل في تشكل وعيهم وتبلور تجربتهم إلى الشاعر هلال العامري ليس بوصفه شاعرا فقط ولكن بوصفه مسؤولا عن النشاط الثقافي في السلطنة في واحدة من أهم المؤسسات المعنية بالثقافة. وفي الوقت الذي يجمع جيل من الكتاب بأن العامري هو الأب الروحي الملتقى يرونه كذلك هو الأب الروحي لتجاربهم الإبداعية ليس من حيث التأثر بتجربته الشعرية ولكن من حيث كونه الموجه والأستاذ والناقد.. والناقد الصارم أحيانا كثيرة. وهو لم يكن متبنيا لقالب أو تيار فكري واحد على حساب التيارات الأخرى. كان يشجع القصيدة الحديثة ويتبناها ولكنه في المقابل كان يشجع القصيدة الكلاسيكية ويدفع بها للفوز أيضا.. كان باختصار مع الإبداع بأي شكل كان.. وكان مع المبدع مهما تعقد مزاجه وعلت نرجسيته. وفي الشهادات التي ألقيت في الاحتفاء به في الملتقى الأدبي الأخير كان الوفاء له ولأيامه حاضرا بقوة والاعتراف بفضله في تخريج جيل كامل من الكتاب العمانيين عبر بوابة الملتقى لا يشوبه شائبة.. وكذلك أعادت الذكريات والشهادات مواقف العامري الذي استطاع أن يدعو لعمان قامات كبيرة في الشعر وفي السرد وفي الفكر لتكون حاضرة في عُمان تقيم حوارا وتفتح أفاقا وترى الاختلاف كيف يتشكل وفق معطيات المجتمع ونموه الطبيعي. صدر للشاعر إضافة إلى الأعمال الكاملة مجموعات متفرقة منها: (هودج الغربة) الصادر 1983 ، (قطرة في زمن العطش) 1985 ، (الكتابة على جدار الصمت) 1987 ، و(الألق الوافد) 1991 ، رياح للمسافر بعد القصيدة عام 1993 ، و (للشمس أسبابها كي تغيب) 1994 ، كما نشر مجموعة كتابات نثرية تحت عنوان (استراحة في زمن القلق) عام 1989 .