* كيف بلغت الآية الكريمة (الم*غلبت الروم..) إلى مسامع هرقل؟
** أنا ما قلت بأن الآية الكريمة بلغت الى مسامع هرقل، وانما قلت: ان نزول هذه الآية الكريمة كان مؤذنا للانتصار، وشاء الله سبحانه وتعالى لا بسبب انه قرأ هذه الاية الكريمة، تحولت نفسيته عما كانت عليه بمشيئة الله سبحانه تحقيقاً لهذا الوعد، واذا اراد الله امراً هيَّأ له الأسباب، وقد اراد الله أن ينجز هذا الوعد، فهيأ له الأسباب، تحول هرقل عما كان عليه، حتى أن المؤرخ الانجليزي الذي أرَّخ لسقوط الدولة الرومية، وهو (جبون) الكاتب الانجليزي ذكر وضع هرقل الذي كان عليه، وقال ما معناه: بأنه كما يتلاشي الضباب أمام أشعة الشمس المحرقة كانت تتلاشي تلك الأحول التي كانت تلابس نفسية ذلك الإمبراطور الوادع الماجن؛ الذي يقف على أقدام (اركاديوس) أحد اباطرة الروم الذين كانوا مترفين ، يعنى كان كذلك الإمبراطور الذي كان في معنى الترف حتى صار فاتحاً يحكي في فتوحه احد الاباطرة الذي كان لهم دور في الفتوح، يعنى تحولت حالته عما كانت عليه، وذلك امر لم يكن يدور بخلد أحد من الناس، وانما شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك سببا للانتصار الذي انتصره الروم على الفرس.

* ألا يمكن ان يُتنبأ الآن بنصر المسلمين في فلسطين على اعداء الله؟
** في الواقع قبل كل شيء نريد ان نفرق بين خبر الله سبحانه وخبر البشر، فالله سبحانه وتعالى عندما يخبر بخبر، يخبر عنه بطريقة جازمة، وقد يكون هذا الاخبار بطريقة محددة، فالله اخبر في كتابه بأن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، والبضع عند العرب بين الثلاثة والعشرة ، من منا يستطيع أن يقول الآن أننا سنفتح فلسطين، وسيدخلها المسلمون ويتنصرون على اعداء الله في ظرف سنة او سنتين او ثلاث او اربع او عشرين او ثلاثين او اربعين، منذ وطئ اعداء الله اليهود ارض فلسطين لازال العرب يرددون: عائدون! ولكن هل عادوا؟! انما تقطع أرضهم قطعة بعد أخرى, ونحن موقنون لا بِتنبُؤٍ من قبل أنفسنا، ولكن موقنون بأننا اذا استمسكنا بالعروة الوثقى، اذا تمسكنا بالاسلام فالله سبحانه وتعالى سينصرنا على القوم الكافرين، على اليهود، على الشيوعيين وعلى غيرهم في أي مكان، الله سبحانه وتعالى سينصرنا ، ولكن اذا صدقنا الله ، فان الله سبحانه وتعالى يصدقنا على كل حال، اما ونحن ندعي الاسلام فقط ونتمسك منه بالقشور، ولكن لا يلامس الإيمان شغاف نفوسنا فذلك من أبعد البعيد، ونسأل الله سبحانه وتعالى العافية.
فالله سبحانه وتعالى وعد عبادة المؤمنين بالنصر (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: من الآية47)، فإيجاد الايمان الحق هو الحق الواجب حتى نكون حقيقين بالنصر من قبل الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، (الحج:40-41).
فالذين وعدهم الله سبحانه وتعالى بالنصر هم الذين يجمعون هذه الخصال، هم الذين ينصرون الله لا يبتغون بجهادهم الاً رضوان الله، ولا يبتغون بعملهم الا وجه الله، يتقربون الى الله سبحانه وتعالى بما يعملون، ولا يتقربون الى غيره، لا يريدون حظاًً دنيوياً، لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً, وانما يريدون ان تكون كلمه الله هى العليا، وان تكون كلمة الذين كفروا هى السفلى، وأن يُعبد الله في الأرض، أن تقام الصلاة، وتؤتى الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، اما اذا كان المسلمون على عكس ذلك، اذا كانوا هم يضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات، ويمنعون الزكاة ويأكلون الربا، و يتآمرون بالمنكر، ويتناهون عن المعروف، ويقلدون اعداء الله، فكيف ينتصرون؟! وفي الحديث القدسي: "اذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني"، انما النصر مرهون بنصر العباد لربهم. ونصر العباد لربهم انما يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والجهاد في سبيله لإعلاء كلمته ، لا لأجل حظ دنيوي ولا لأجل غرض من اغراض الدنيا.
والمسلمون الذين انتصروا في الرعيل الأول في العصر السابق , بماذا انتصروا؟ انتصروا بصدقهم لله سبحانه وتعالى فيما وعدوه به، فصدقهم الله عز وجل ما وعدهم، خرج المسلمون في وقت واحد لمقاومة الدولتين الكبريتين في ذلك الوقت، مقاومة الروم، ومقاومة الفرس، وما كانوا عند مقاومتهم الروم ليسندون ظهورهم الى الفرس، ولا كانوا عند مقاومتهم الفرس يسندون ظهورهم الى الروم، في وقت واحد واجهوا هاتين الدولتين الكبريتين، وكانت الصفات التي يتحلون بها تبهر أعداءهم.
فقد ذكر الطبري في تأريخه أن هرقل هذا الإمبراطور الروماني عندما كانت جيوشه تتساقط امام الزحف الاسلامي، اجتمع مع قاده جيشه يتدارس اسباب هذه الهزائم المتلاحقة التي كانوا يمنون بها، فسألهم: ماهى حالة هؤلاء الناس الذين لقيتموهم حتى هزموكم هذه الهزائم المتلاحقة؟ فقال له احد القادة: هم رهبان بالليل فرسان بالنهار، لا يأكلون في ذمتهم إلا بثمن، ولا يدخلون إلا بسلام، يقضون على من حاربهم حتى بأتوا عليه.
وقال آخر: أما الليل فرهبان، اما النهار ففرسان، يريشون السهام ويبرونها ويثقفون القنا، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه منك بما علا من أصواتهم من القرآن والذكر، فاذا وجدت هذه الصفات في المؤمنين اليوم لانتصروا على أعدائهم، وعندما كان الجيش الفارسي ايضا ينهار امام سيوف المسلمين ويتقهقر يوماً بعد يوم، ضاق يزدجرد ذرعاً بهذا الامر فكتب الى إمبراطور الصين يستنجده على المسلمين, والإمبراطور الصيني في ذلك الوقت كان الإمبراطور المعاصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه حسب ما يقال بأن الإمبراطور المعاصر للنبي (صلى الله عليه وسلم)... كان من اذكى اباطرة الصين واعمقهم فكراً وادقهم نظراًٍ، وقد كتب الإمبراطور الفارسي يزدجرد إلى إمبراطور الصين بطلب منه النجدة على هؤلاء المسلمين، وأرسل اليه رسولا حاملاً اليه هذه الرسالة، فأذن للرسول فدخل وقرأ هذه الرسالة، تم اخذ يسأله عن أشياء، وكان فيما سأله عنه: هؤلاء القوم الذين خرجوا عليكم هل هم اكثر عدداً منكم ام اقل عدداً؟ قال له: أقل عدداً. هل هم اقل منكم عدة؟ قال: نعم اقل عدة، فال له: اخبرني عن حالهم، قال: هم رهبان بالليل فرسان بالنهار، قال: اخبرني عن حالتهم فيما بينهم؟ قال له: قلوبهم كقلب رجل واحد، قال له: اخبرني عن طعامهم: قال: هم يأكلون يقدر ما يعيشون، قال: اخبرني عن لباسهم، قال: هم يلبسون يقدر ما يستترون، ويقولون: لباس التقوى خير، اخذ يسأله عن اسئله ويجيبه، ثم قال له: لم ينتصروا عليكم إلا بهذه الصفات مع قلتهم وكثرتكم، ثم كتب رسالة جوابية الى امبراطور فارس يقول فيها: لقد وصلنى كتابك، وفهمت ما عند رسولك، ولا يمنعني من إرسال جيش أوله بمرو وآخره بالصين إلا ان أولئك القوم الذين خرجوا عليكم لا يقاومهم شيء، فلو وقفت في طريقهم الجبال لاقتلعوها ولو أرادوني لأزالوني من مكاني هذا، فإن شئت ان تسلم فاستسلم لهم، فعندما يكون المسلمون متخلقين بهذه الأخلاق، متحلين بهذه الصفات، عندما تكون شعلة الإيمان تتوقد بين جوانحهم، والغيرة على حرمات الله سبحانه وتعالى تملأ كيانهم عندها يتنصرون.