للكتاب قيمة علمية كبيرة استحق بها القبول والشهرة في الوسط الإباضي عموما والعماني خصوصا

تناول العمانيون الكتاب قراءة واطلاعا واستفاد منه فقهاؤهم عند مناقشة المسائل الأصولية أو التأليف في علم الأصول
قراءة ـ علي بن صالح السليمي:
جاءت ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان لعام 2012 والتي عقدت خلال الفترة من 15 الى 18 جمادى الاولى 1433هـ الموافق 7 الى 10 ابريل 2012م بعدد كثير من المحاور الهامة من خلال اوراق العمل والبحوث المقدمة من علماء ومفكرين وباحثين من داخل السلطنة وخارجها..
ومن ضمن تلك البحوث التي قدمت خلال تلك الندوة ورقة بعنون:(طلعة الشمس.. شرح منظومة شمس الأصول).. قراءة في منهجية التناول لقضايا الأصول التي أعدها سالم بن سعيد بن محمد الحارثي ـ الباحث بمكتب المفتي العام للسلطنة..
حيث قال في مستهل ورقته: أقدم ورقة العمل هذه لندوة تطور العلوم الفقهية والتي تحمل هذا العام موضوع (النظرية الفقهية والنظام الفقهي)، ولا ريب أن أصول الفقه مكون أساسي في النظام الفقهي، ومن ثم اكتسب أهمية وزخما بالغين، عند المتقدمين تأصيلا وتطبيقا، ولذا جاءت هذه الندوة المباركة لتسلط الضوء على ما يمكن تحديثه في هذه المنظومة المتكاملة التي ـ بحكم منبعها ـ تستمد صفة الديمومة والبقاء.
مضيفا بأنه أوكل إلي الحديث عن كتاب طلعة الشمس للإمام نور الدين السالمي ـ رحمه الله ـ تحت محور التنظير الأصولي عند الفقهاء، حيث إن كتاب طلعة الشمس يكتسب أهمية بالغة في الوسط الأصولي، من حيث إنه من أوائل ما ألف في الأصول بشكل مستقل عند المشارقة، كما أن مؤلفه ـ رحمه الله ـ بالإضافة إلى جمعه بين طريقتي الأصوليين فقهاء ومتكلمين، فإنه جمع آراء الإباضية في مسائل الأصول المختلفة، مما جعله من أثرى الكتب في بابه.

* خطة البحث
وحول خطة بحثه قال: حاولت قدر الإمكان تغطية أهم الجوانب في كتاب "طلعة الشمس"، وقد كانت خطة البحث كالآتي: المبحث الأول: التعريف بالإمام السالمي وكتابه، المطلب الأول: التعريف بالإمام السالمي (أولا: اسمه ونسبه، ثانيا: حياته العلمية، ثالثا: آثاره)، والمطلب الثاني: التعريف بكتاب (طلعة الشمس) (أولا: موضوع الكتاب وتاريخه، ثانيا: قيمة الكتاب)، و(المبحث الثاني: منهج الإمام السالمي في الطلعة).
تمهيد (التاريخ الأصولي)، المطلب الأول: منهج المؤلف في العرض والنقاش، المطلب الثاني: الطريقة الأصولية، المطلب الثالث: مصادر المؤلف في الكتاب، المبحث الثالث: النظريات الأصولية في طلعة الشمس، المطلب الأول: نظرية الحجة، المطلب الثاني: نظرية الإثبات، المطلب الثالث: نظرية الفهم، المطلب الرابع: نظرية الإلحاق، المطلب الخامس: نظرية الاستدلال، المطلب السادس: نظرية الإفتاء.
المبحث الأول: التعريف بالإمام السالمي وكتابه
المطلب الأول: (التعريف بالإمام السالمي)

* اسمه ونسبه
هو عبدالله بن حميد بن سلوم بن عبيد بن خلفان بن حميس السالمي، ويكنى بأبي محمد وهو أكبر أبنائه، ويكنى بأبي شيبة وهو لقب لابنه محمد، كما كان الإمام السالمي رحمه الله يلقب بألقاب عديدة بيد أن أشهرها "نور الدين" الذي لقبه به قطب الأئمة ـ رحمه الله.
اختلف في سنة ولادة الإمام السالمي ـ رحمه الله ـ على أقوال عدة ولكن ما اشتهر منها أنه ولد سنة 1286هـ، ببلدة الحوقين من أعمال الرستاق، نشأ في كنف والده ـ رحمه الله ـ فقد توفيت عنه والدته وهو صغير السن، ثم كف بصره وهو في الثانية عشرة من عمره.
ولد في فترة كانت تعيش في عمان الشقاق والانقسام والشحناء بين القبائل، كما أن الجهل كان يعشش في كثير من المناطق العمانية، أضف إلى ذلك الواقع السياسي المتردي الذي كانت تعيشه الدولة آنذاك، ولذا فقد كانت حياته جهادا ودعويا وسياسيا، وقد وفقه الله تعالى للقيام بهذه الأعباء خير قيام، فنشر العلم وأقام لواء الدعوة إلى الله ونهض بأمر الأمة وانتخب لها من يسوسها بما أمر الله عز وجل.
كان ـ رحمه الله ـ ربع القامة تعلوه سمرة ليس بالسمين المفرط ولا نحيف الجسم مكفوف البصر نير البصيرة مدور اللحية سبط الشعر، أما صفاته الخُلُقية فقد كان ـرحمه الله ـ شديد الغيرة في ذات الله لا تأخذه لومة لائم يقول الحق وينطق بالصدق كما كان خطيبا منطيقا يرتجل الخطب الطوال في المجامع حسبما يقتضيه المقام، أضف إلى ذلك أنه كان جوادا سخيا قلما أكل طعاما وحده لازدحام الضيوف بناديه، كان قد عزف عن التوسع في الدنيا والسكون إليها.
توفي ـ رحمه الله ـ ليلة الخامس من شهر ربيع الأول سنة 1332هـ، وسبب وفاته ـ رحمه الله ـ أنه كان مسافرا إلى بلدة الحمراء لمناقشة شيخه ماجد بن خميس العبري في مسألة وقف أموال لقراءة القرآن على القبور، وفي الطريق صدعه غصن أمبا فسقط عن راحلته واهن القوى، وبقي أياما على فراش الموت ثم توفي ـ رحمه الله ـ ودفن في تنوف، وقد رثي بقصائد منها قصيدة أبي مسلم البهلاني رحمه الله حيث يقول:
نكسي الأعلام يا خير الملل * رزئ الإسلام بالخطب الجلل
وانتثر يا دمع أجفان التقى * قد أصيب العلم واغتيل العمل
وانفطر يا قلب واستقص الأسى * إن حبل الدين بالأمس انبتل
يا رجال الدين هل جاءكم * أن بدر الدين في الأرض أفل

* حياته العلمية
تلقى الإمام السالمي ـ رحمه الله ـ أول علوم القرآن على يد والده حميد بن سلوم السالمي، ثم انتقل إلى الرستاق، وبها مدرستها الشهيرة في مسجد البياضة، حيث تدرس فيها شتى العلوم من نحو وصرف وفقه وعقيدة وبها تعلم على يد المشايخ ماجد بن خميس العبري وسالم بن سيف اللمكي وعبدالله بن محمد الهاشمي، وفي تلك الفترة أملى منظومته بلوغ الأمل في شرح المفردات والجمل وعمره سبعة عشر عاما.
ثم انتقل إلى نزوى وبها تتلمذ على يد الشيخ محمد بن خميس السيفي ثم الشيخ محمد بن مسعود البوسعيدي بمنح وهنالك التقى بالشيخ سلطان بن محمد الحبسي زعيم قبيلة آل حبس، فأعجب بنباهته وفطانته فألح عليه في الذهاب معه لتدريس أبناء بلدته فاستقر في المضيبي وتتلمذ بها، وشاءت الأقدار أن يخرج الإمام السالمي مع الشيخ سلطان الحبسي لزيارة الشيخ المحتسب صالح بن علي الحارثي ـ رحمه الله ـ وهناك استقر الإمام السالمي وعمره أربعة وعشرون عاما فأخذ العلم عن شيخه المحتسب وكان سندا له في مدرسته العلمية، كما تفرغ للتأليف والتحرير.
كان الشيخ المحتسب صالح بن علي الحارثي ـ رحمه الله ـ عالما ربانيا ومصلحا اجتماعيا وسياسيا محنكا وقائما بواجب الاحتساب، وقد استشهد ـ رحمه الله ـ في خضم قيامه بالأمر، مما أثر في نفسية الإمام السالمي فرثاه بقصائد عدة تدل على مكانته في نفسه، بيد أنه لم يستسلم للحزن فواصل أداء رسالته كما قام بواجب توحيد الأمة.
ومما زاد الإمام السالمي اطلاعا وتبحرا رحلة الحج، حيث ذهب إلى الديار المقدسة بحرا عن طريق جدة ومنها إلى مكة وهناك التقى بالعديد من علماء المذاهب الأخرى، فكانت بينه وبينهم مداولات ومناظرات ومناقشات علمية، أضف إلى ذلك أن الإمام السالمي جلب معه مصنفات عديدة من كتب الحديث والأصول من مختلف المذاهب مما وسع مداركه العلمية، وهو ما يلحظه القارئ عند الاطلاع على كتبه ومنها طلعة الشمس الذي نحن بصدده الآن حيث ينقل عن الأشاعرة والظاهرية والزيدية كما ينقل عن المذاهب الفقهية المختلفة.
تتلمذ على يد الإمام السالمي جمهور واسع من طلبة العلم كان لهم الدور في اتصال الحلقة العلمية ونسب المذهب الإباضي، حيث كان من أهم تلاميذه الإمام سالم بن راشد الخروصي والإمام محمد بن عبد الله الخليلي والمشايخ عامر بن خميس المالكي عيسى بن صالح الحارثي وعبد الله بن غابش النوفلي وحمد بن عبيد السليمي وغيرهم الكثير.

* آثاره العلمية
خلف الإمام السالمي ـ رحمه الله ـ مؤلفات عديدة تدل على تبحره في مختلف العلوم، لغة وفقه وعقيدة وتاريخا، فمن أهم مؤلفاته رحمه الله: شرح بلوغ الأمل في المفردات والجمل، وهو شرح لمنظومته بلوغ الأمل التي تقع فيما يزيد على 300 بيت وهي نظم لقواعد الإعراب، أنوار العقول، وهي منظومة في العقيدة وضع لها شرحين مختصرا وموسعا، أما المختصر فسماه بهجة الأنوار وأما الموسع فسماه مشارق أنوار العقول، طلعة الشمس شرح شمس الأصول وهذا الكتب هو موضوع هذه الورقة وسيأتي التعريف به، معارج الآمال على مدراج الكمال، شرح لمنظومته مدارج الكمال التي تقع في ألفي بيت تقريبا، وصل إلى الجزء الثامن وقد عاجلته المنية قبل أن يتمه، وقد طبع عدة طبعات أكملها وأجودها طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، شرح مسند الربيع بن حبيب، شرح فيه أحاديث مسند الربيع، بأسلوب علمي رصين، جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام منظومة في الفقه والآداب تقع في أربع عشر ألف بيت تقريبا، وتحفة الأعيان في تاريخ عمان، بحث تاريخي رصين تكلم في عن تاريخ عمان منذ انهيار سد مأرب، وتناول فيه الأحداث معتمدا في أغلبه على المصادر التاريخية العمانية، والأجوبة الفتاوى المختلفة التي جمعت وطبعت تحت عنوان العقد الثمين من فتاوى الإمام نور الدين ثم طبعته وزارة الأوقاف محققا بعنوان جوابات الإمام نور الدين السالمي.

* المطلب الثاني: (تاريخ الكتاب وقيمته)
تاريخ الكتاب:
أصل الكتاب منظومة ألفها الأمام السالمي ـ رحمه الله ـ تقع في ألف بيت تقريبا، حيث لم يجد نظما في هذا الفن مع شرفه حيث يقول:
(ولم أجد في فنه مع شرفه نظما يريك دره من صدفه)
إلا أنه استدرك في شرحه فقال: "واعلم أني بعدما شرعت في نظم هذه المنظومة سمعت بوجود منظومة في الفن فحرصت على تحصيلها فوردت علي بعد أن انتهى بي النظم إلى ركن الاستدلال".
ثم وضع عليها شرحه الذي سماه "طلعة الشمس" كما صرح في مقدمة الكتاب إذ يقول بعد حديثه عن المنظومة: "وقد أخذت في شرحها على وجه يروق للناظر ويبهج الخاطر موضحا لمعاني أبياتها ومبينا لغالب نكاتها آخذا من طرق الشرح أوسطها ومن العبارات أحسنها وأضبطها ولئن من الله علي بإتمامه لأسمينه ـ إن شاء الله ـ بـ "طلعة الشمس" وقد انتهى منه تأليفه سنة 1314هـ حسب تحري الباحث سلطان بن مبارك الشيباني.
بيد أن الكتاب طبع في مصر وعنون بـ "شرح طلعة الشمس" بتحقيق الدكتور محمود سعيد، وهي طبعة لم يلتزم فيها بالتحقيق العلمي أو ضبط النص، ثم طبعته وزارة التراث القومي والثقافة آنذاك سنة مصورا عن الطبعة المصرية، ثم جاءت أخيرا طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مجلدين بحلة بهية تليق بالكتاب وقد تناول تحقيقه الدكتور عمر حسن القيام.
وقد كثر تناول العمانيين للكتاب قراءة واطلاعا واستفاد منه فقهاؤهم فيما بعد عند مناقشة المسائل الأصولية أو التأليف في علم الأصول كالشيخ خلفان بن جميل السيابي في كتابه فصول الأصول.

قيمة الكتب:
للكتاب قيمة علمية كبيرة، استحق بها القبول والشهرة في الوسط الإباضي عموما والعماني خصوصا وذلك لعدة أسباب (تحقيق الطلعة): سهولة العبارة وجزالة التعبير، مع الطرح العلمي الرصين، فكتب المتقدمين مع ما بها من المتانة العلمية إلا أنها مستغلقة الألفاظ صعبة التناول، أما المتأخرون فقد فرطوا في كثير من الأسس العلمية للطرح الأصولي في سبيل تقريب الفهم للطالب، بيد أن الطلعة استطاعت أن تجمع بين الميزتين في آن واحد، وجمع المؤلف لآراء المتكلمين والفقهاء والإباضية والزيدية في كتابه، وهو ناتج عن انفتاح المؤلف على المدارس الأخرى وعدم التعصب أو الانغلاق على مدرسته، كما أن وجهته ومقصده الحق أنى كان، ويعبر الكتاب في كثير من مباحثه عن آراء الإباضية خاصة المشارقة منهم، حيث لم أقف على كتاب مستقل في أصول الفقه لمشارقة الإباضية قبل طلعة الشمس، وبعد المؤلف عن المباحث التي لا ثمرة لها، مما جعل كتابه خلاصة علمية لعلم أصول الفقه، والكتاب شرح لمنظومة المؤلف نفسه، ومن المعلوم أن شرح الناظم لنظمه أفضل وأدق، لأنه أدرى بنظمه، كما أن الكتاب يجمع آراء الإمام السالمي ـ رحمه الله ـ في أصول الفقه، وكثرة الأمثلة والشواهد الفقهية والتطبيقات لقواعد أصول الفقه مما يبرز فائدتها من جهة، ويسهل فهمها للقارئ من جهة أخرى، واشتمل الكتاب على تحقيقات في بعض المسائل الأصولية صرح الإمام السالمي أنه انفرد بها كتحريره محل النزاع في دلالة النهي على الفساد.